بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

25 نيسان 2024 12:00ص من إعلام العدو .. إسرائيل وإيران تدخلان في حقبة جديدة وخطِرة

حجم الخط
عاموس يادلين

الهجوم المنسوب إلى إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي يُعد رداً هادفاً ودقيقاً ومفاجئاً على الهجوم الصاروخي الإيراني غير المسبوق على الأراضي الإسرائيلية. ويبدو أن إسرائيل سَعَتْ، عبر مثل هذا النوع من الهجوم، للتلميح لإيران بأنها قادرة على ضربها في نقاط حساسة ومؤلمة إذا كررت مهاجمة إسرائيل من أراضيها، كما أن الهجوم كان بمثابة رسالة لإيران بأن إسرائيل مستعدة لعدم رفع منسوب التصعيد في هذه المرحلة. وذلك بعد أن أصيبت إيران بثلاث انتكاسات خلال شهر نيسان/أبريل: اغتيال قادة فيلق القدس في دمشق في بداية الشهر؛ إخفاق ردها الهجومي في 14/4؛ والضربة الدقيقة على أراضيها في صبيحة الجمعة الماضية؛ ومع ذلك، فإن الجرأة الإيرانية المتمثلة في إطلاق المئات من الصواريخ والمسيّرات في اتجاه إسرائيل تشير إلى ثقة كبيرة بالنفس لدى إيران، وتعكس ضعفاً إضافياً في قدرة الردع الإسرائيلية والأميركية. والسؤال هنا عمّا إذا كانت قدرة الردع الإسرائيلية رُممت إلى حد كافٍ، وهو سؤال متروك للمستقبل.
بحسب تقارير إعلامية، تم توجيه الضربة المنسوبة إلى إسرائيل ضد قاعدة لسلاح الجو في أصفهان (وفقاً لقاعدة «أصفهان في مقابل نفاطيم» [القاعدة الجوية الإسرائيلية التي استهدفتها الضربة الإيرانية في منتصف الشهر الجاري]) وضربت راداراً لبطارية S300 روسية منصوبة في القاعدة، وهي توفر حماية أيضاً للمنشأة النووية الواقعة في نتانز القريبة. إن منظومة الدفاع الجوي هذه هي الأكثر تطوراً لدى إيران، وأظهر ضرب هذه المنظومة أن إسرائيل قادرة على التفوق على نظام الدفاع الجوي الإيراني، وعلى أهم ملاكاته. وعملياً، تمكنت إسرائيل في الهجمة المنسوبة إليها، من خلال إطلاق بضعة صواريخ معدودة، من تحقيق الضرر الذي لم تتمكن إيران والدائرون في فلكها من تحقيقه على الأراضي الإسرائيلية، بواسطة نحو 500 صاروخ، بينها صواريخ بالستية، وصواريخ كروز، وطائرات مسيّرة، وأظهرت الضربة المنسوبة إلى إسرائيل هشاشة إيران وقدرة إسرائيل على توجيه ضربات نارية أوسع كثيراً.
هناك أثر مهم آخر للعملية، يتمثل في مخطط التنفيذ وأنواع الذخائر. فالإيرانيون الذين حاولوا تسخيف الغارة الإسرائيلية وتصغيرها، يدّعون أن الهجوم نُفّذ من داخل الأراضي الإيرانية، وبواسطة مسيّرات، وأنه لم يكن، بالضرورة، موجهاً من إسرائيل نفسها. إلّا إن وسائل الإعلام الغربية تشير إلى أن الذخائر المستخدمة هي صواريخ متطورة تم إطلاقها من مقاتلات جوية.
لقد نجح نوع وشكل الرد الهجومي الذي تم اختياره في التغلب، بطريقة إبداعية، على عدة توترات وضعت إسرائيل أمام معضلة.
فمن ناحية، الهجوم المباشر والواسع الذي شنّته إيران، بقصد توجيه ضربة مؤلمة إلى إسرائيل، حتى لو فشل، فإنه تخطّى خطوطاً حمراء خطِرة، وبصورة غير مسبوقة، وأضرّ بقدرتنا على الردع، وهذا ما استوجب ردّة فعل كبرى تحقق الردع، لتلافي إجراءات مشابهة من إيران. لم يكن من الصائب أن تكتفي إسرائيل بإحباط الهجوم الإيراني، والذي لم يكبّد طهران سوى ثمن الصواريخ والمسيّرات التي تم استخدامها في الهجوم.
ومن ناحية أُخرى، سَعتْ إسرائيل لتلافي الدخول في حالة تبادُل الضربات مع إيران، الأمر الذي من شأنه صرفها عن تحقيق أهداف الحرب في غزة، ويمكن أن يؤدي إلى تصعيد الصراع على الحدود الشمالية في توقيت غير مناسب، والذي قد ينزلق إلى حرب إقليمية. الولايات المتحدة عارضت أيضاً مثل هذا السيناريو، وهي الحليف الأكبر لإسرائيل، والتي هبّت للدفاع عنها، وهو سيناريو تخشاه أيضاً الدول العربية المشارِكة في التحالف الإقليمي الذي اصطف في وجه إيران، وظهر في الجهود الدفاعية العملياتية المشتركة غير المسبوقة، من حيث نطاقه وأدائه.
يبدو أن طبيعة الهجوم المنفّذ في أصفهان، والصمت الذي أعقبه، أتاحا لإيران مجالاً للإنكار، وتشير جهود إيران في التقليل من قوة الرد (من خلال القول إن الهجوم كان «مجرد ألعاب قمنا بإسقاطها») إلى احتمالات إغلاق الحساب الراهن بينها وبين إسرائيل في الجولة الحالية، ولو موقتاً، على الرغم من أنه يجب على الاستخبارات البقاء متأهبة ويقِظة إزاء احتمال قيام الإيرانيين بتغيير نيّاتهم.
في هذه الأثناء، تستفيد إسرائيل من الهجوم الإيراني «الأهوج والفاشل» ضد أراضيها، من ناحية، ومن الرد الاستهدافي الدقيق والمنضبط المنسوب إليها، من ناحية أُخرى. وفي هذا الإطار، نستخلص التالي:
لقد ذكّر الهجوم الإيراني العالم بهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكون إسرائيل، كما هي حال أوكرانيا، دولة «ديمقراطية غربية» تمّت مهاجمتها «بوحشية». وإلى جانب التأييد الذي حظيت به إسرائيل، والإنجازات الإسرائيلية الدفاعية، والرد الهجومي الدقيق المنسوب إليها، فإن ما حدث أوضح لحلفائنا في الغرب أننا دولة مهمة وقائمة على الابتكار في مجالَي الأمن والتكنولوجيا.
أظهرت القدرات المتطورة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في التصدي للهجوم الإيراني، وفي ضرب أصفهان، لمواطني إسرائيل قدرة الجيش الرائعة، وعززت الثقة به.
جرى أمام الولايات المتحدة، والغرب عموماً، عرض للواقع غير المحتمل، الذي سينشأ في الشرق الأوسط، إذا ما تمكّنت إيران من التسلح النووي. وانطلاقاً من هذه القاعدة، انطلقت خطوات دبلوماسية كبرى، تشمل خطوات عقابية ضد الجهات الضالعة في البرنامج الصاروخي والجوي المسيّر الإيراني، ومحاولة الإضرار بتصدير إيران النفط إلى الصين. هذا يُعتبر فرصة لتجديد وتوثيق منظومة الضغوط على إيران أيضاً في السياق النووي، بما يشمل إجراء «SnapBack» [قرار مجلس الأمن رقم 2231] لإعادة فرض العقوبات الدولية الشاملة ضد إيران.
يبدو أن إسرائيل تصرفت بتنسيق معمّق مع الولايات المتحدة، بصورة فعّلت الفيتو الأميركي المتعلق بقرار مجلس الأمن بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، وأتاحت ظروفاً مريحة أكثر للتنسيق مع كلٍّ من الولايات المتحدة ومصر، تمهيداً للإجراء العسكري في رفح، وقطع مسارات التهريب ما بين سيناء وغزة.
تم تثبيت التحالف الإقليمي الذي تعمل إسرائيل من خلاله، وإيجاد فرصة لدفع الانتظام الدولي في مواجهة إيران نحو مرحلة إضافية من التكامل والتطبيع.
صادق مجلس النواب الأميركي على رزمة المساعدات العسكرية لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان، بعد ستة أشهر من التأجيل، لأسباب سياسية داخلية أميركية. ومن المرتقب أن ينتهي الإجراء التشريعي يوم الثلاثاء المقبل، عبر تصويت في مجلس الشيوخ. وبذا، لقد تسبب الهجوم الإيراني بضرب مصالح روسيا والصين، وأدّى إلى توحيد المعسكرات السياسية الداخلية في واشنطن، وتسبب بـ«إطلاق» مساعدات عسكرية أميركية واسعة النطاق إلى إسرائيل (تفوق الـ 10 مليارات دولار)، لاستخدامها خلال الحرب.
على الرغم من سلسلة الإنجازات التي حققتها إسرائيل، فإن تبادُل الضربات المباشر بينها وبين إيران، حتى لو توقف في هذه المرحلة، لا يزال يمثل افتتاحاً لعهد جديد وخطِر من التغيير المحتمل في قواعد اللعبة بين الدولتين. انتقالاً من قوانين حرب الظلال واستخدام الوكلاء، إلى قتال مباشر وهائل، سيلاقي البلدان مصاعب في إيفائه حقه بسبب قدرات التدمير المتبادل التي يملكانها.
في أعقاب الهجوم الذي شنّته، تبدو إيران مستعدة لإظهار قوتها والعمل «بعدوانية غير مسبوقة» ضد إسرائيل ودول أُخرى في المنطقة. تدرك هذه الدول أن دورها آتٍ، في حال لم يتم كبح إيران التي تحظى بدعم روسي وصيني. هذا الكبح يأتي بصورة خاصة من جانب الولايات المتحدة، وإذا لم يتم ترميمه بتهديد عسكري صادق، فإنه سيتحول إلى واقع. مثل هذا السيناريو قد يدفع إيران إلى تخطّي الخطوط الحمراء على صعيد برنامجها النووي أيضاً، على غرار تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عسكري، أو بذل جهود متجددة من أجل تطوير سلاح نووي.
لا مصلحة لإسرائيل في الانجرار إلى حرب مباشرة مع إيران، بل إن مصلحتها تتمثل في الحفاظ على نظام الضغط العالمي على إيران وتشديده، وصولاً إلى الحؤول دون امتلاك الأخيرة سلاحاً نووياً، ومن أجل وقف عدوانها، إقليمياً، وفي الوقت نفسه، من مصلحة إسرائيل التركيز على جهود إطلاق سراح المخطوفين في غزة، وعودة سكان البلدات الواقعة على الحدود مع لبنان إلى منازلهم، واستغلال الفرصة الاستراتيجية المستجدة في الإقليم.
من أجل الدفع قدماً في اتجاه تحقيق هذه الأهداف، يتعيّن على إسرائيل أن تبادر إلى التحرك من أجل تغيير الاتجاه الاستراتيجي، الأمر الذي من شأنه إنقاذها من المأزق، ويحفظ الاصطفاف الدولي الواقف خلفها في أعقاب الهجوم الإيراني، وفي مركز تحقيق الأهداف هذا، ينبغي التركيز على التالي:
إنهاء الحرب في غزة: يتعيّن على إسرائيل أن تعلن استعدادها لوقف الحرب في مقابل عودة جميع المخطوفين. أمام مثل هذه الخطوة فرصة معقولة لإطلاق صفقة تبادُل، ولوقف القتال في القطاع (مع الإدراك أن «حماس»، إذا طال الوقت أو قصر، ستوفر لنا سبباً لمواصلة تجديد المعركة الهادفة إلى تفكيك سلطة التنظيم الإدارية وقدراته العسكرية).
السعي للتوصل إلى تسوية في الشمال: في أعقاب وقف القتال في قطاع غزة، من المحتمل أن يتوقف القتال الدائر في الشمال أيضاً، وسيتم فحص إمكان إبعاد حزب الله عن الحدود في إطار تسوية سياسية.
إحياء عمليات التطبيع: بناءً على الخطوتين السابقتين، ستتمكن إسرائيل من استغلال الفرصة للتنسيق مع واشنطن بشأن الدفع في اتجاه خريطة طريق للتطبيع مع السعودية؛ وترجمة تحوّل الاصطفاف الإقليمي السريع الحامي لإسرائيل في وجه الهجوم الإيراني، من المستوى العملياتي إلى المستوى السياسي، وهو إنجاز سيؤدي إلى عزل طهران، إقليمياً. إن الاصطفاف العربي والدولي من أجل تحقيق هذه الأهداف متعلق بالاستعداد الإسرائيلي للسماح لحركة «فتح» والسلطة الفلسطينية «المجددة» بأن تكونا جزءاً من الحل، ومن «اليوم التالي للحرب» في غزة.
كل ما سبق، يسهل على إسرائيل حشد تحالف إسرائيلي - عربي - أميركي يتمثل هدفه في ترويج بديل معتدل ومقبول من سلطة «حماس» في القطاع، وإدارة معركة شاملة ضد التنظيم، تشمل محاربة مصادر تمويله ودعمه السياسي، إلى جانب التسوية مع مصر فيما يتعلق بإغلاق مسارات التهريب الحدودية مع غزة.
خلاصة القول إن المواجهة مع إيران في سنة 2024 هي بمثابة تذكير مهم للحكومة الإسرائيلية بهوية التهديد الحقيقي الأخطر لأمن إسرائيل وازدهارها، والذي يمثله كلٌّ من إيران وحزب الله، أكثر من «حماس» في غزة، وخصوصاً بعد أن تلقّت «حماس» ضربات هائلة. وعلى هذا الأساس، على الحكومة الإسرائيلية إعادة تحديث أهداف الحرب والأولويات في الجبهات المختلفة، والتي تم تحديدها في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتعزيز التحالف الإقليمي والحلف مع الولايات المتحدة من أجل التعامل مع النظام «المتطرف» في إيران، ووقف تسلّحه النووي.
المصدر: قناة N12
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية