صحافة أجنبية

21 شباط 2024 12:01ص من إعلام العدو: الدخول إلى رفح سيشكل كارثة

حجم الخط
إسحق بريك

لا يمكن تحقيق النصر في الحروب عبر المعارك التكتيكية، ولا في العملية الخاطفة الاستثنائية، التي تم خلالها إنقاذ اثنين من المخطوفين من قلب رفح. ما من شك في أن جنودنا قاتلوا بشجاعة منقطعة النظير، وخاطروا بحياتهم، وأبدوا قدرات مهنية من الدرجة الأولى. لكن هذا غير كاف. فنحن بحاجة إلى سياسة استراتيجية بعيدة المدى، تأخذ في الحسبان المخاطر التي قد تترتب على دخول قواتنا إلى رفح، وبحسب هذه المخاطر، يُتخذ قرار بشأن ما الذي سنفعله وكيف. إن الرغبة في تقويض «حماس» بأي ثمن ليست كافية.
فيما يلي بضعة أسئلة، سأقوم من خلالها بعرض المخاطر التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، قبل الدخول إلى المخيمات في رفح:
هل تُعتبر محاولة نقل 1.4 مليون لاجئ إلى أماكن آمنة، بالاستناد إلى الإدراك أنه يُحظر استخدام السلاح الناري بين هؤلاء اللاجئين، هي أمر واقعي؟ وما الذي سنفعله إذا قرر كثيرون البقاء في أماكنهم؟ كيف سنقاتل «حماس» عندما ترتفع احتمالات التسبب بالأذى لكثيرين من الغزيين غير الضالعين بالحرب، الأمر الذي قد يثير حنق العالم ويؤدي إلى إيقافنا فوراً؟
إذا ما نجحنا في نقل 1.4 مليون لاجئ إلى أماكن آمنة، بالاستعانة بمكبرات الصوت والمكالمات الهاتفية والمنشورات التي تُلقى عليهم من الجو، حسبما قال رئيس الأركان، فهل جرى التفكير في احتمال إطلاق «حماس» رشقات نارية في الهواء تسبب هلعاً جماعياً؟ قد يموت الآلاف دهساً تحت الأقدام، ونحن سنتحمل المسؤولية على كاهلنا كاملة. ماذا لو قرر كثيرون الذهاب في اتجاهات أُخرى غير تلك التي حددناها؟ نحن نتحدث عن 1.4 مليون نسمة، والتحكم في انتقالهم من مكان إلى آخر يمثل مشكلة كبيرة.
إذا حدثت الفوضى التي تحدثت عنها أعلاه، فإنها ستتسبب بأزمة إنسانية، وإسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً لقاء ذلك أيضاً، ويتمثل هذا الثمن في وقف الأعمال القتالية.
حتى لو تمكنّا من تجاوُز العقبات المذكورة أعلاه بأمان، فمن الواضح أنه يوجد من ضمن اللاجئين الـ 1.4 مليون الآلاف من «إرهابيي حماس»، وربما عشرات الآلاف منهم، الذين فرّ بعضهم من شمال قطاع غزة وجنوبه إلى رفح، إلى جانب مَن كان موجوداً منهم دائماً في رفح. أليس من الواضح لأصحاب القرار أن هؤلاء، في معظمهم، سينضمون إلى رحلة اللاجئين إلى الأماكن الآمنة، وسيكون من المستحيل تمييزهم من اللاجئين العاديين؟
كيف سيتم منع «إرهابيي حماس» من الاستيلاء على المساعدات الإنسانية في المناطق الآمنة التي سيتم نقل 1.4 مليون لاجئ إليها، كما جرى سابقاً في رفح؟
من منا يضمن أن الآلاف من «مخربي حماس»، المنخرطين في صفوف الـ 1.4 مليون لاجئ، لن ينتقلوا من المنطقة الآمنة نحو الأنفاق، عبر فوهات الأنفاق المنتشرة في كل مكان في قطاع غزة، وعندها سنراهم مجدداً في مدينة غزة، وجباليا، والشجاعية (كما يفعلون منذ اليوم)، وفي خانيونس أيضاً؟
ألم يأخذ أصحاب القرار في الحسبان أن اشتداد القتال مع حزب الله في لبنان بسبب دخولنا إلى رفح، سيتطلب نقل قواتنا من القطاع إلى الحدود الشمالية، وتخفيف وجودنا العسكري في غزة؟ لقد أدى سحب قواتنا من مدينة غزة إلى عودة «حماس» واللاجئين إلى المدينة؛ هذا سيحدث أيضاً في خان يونس والمخيمات الوسطى. وبسبب التخفيض الكبير لعديد قوات الذراع البرية الإسرائيلية على مدار العشرين عاماً الماضية، في خمس فرق، وفي قوات أُخرى، لا يملك الجيش الإسرائيلي فائضاً من القوة البرية، وعندما يسيطر على قطاع واحد، فإنه سيضطر إلى تخفيض قواته في قطاع آخر.
هل أخذوا بعين الاعتبار إمكان أن يؤدي دخول الجيش الإسرائيلي إلى مخيمات رفح، خلال شهر رمضان، إلى إشعال منطقة الضفة الغربية؟ من أين سيجلبون قوات لحماية المواطنين [المستوطنين] اليهود هناك؟
السؤال الأهم هنا هو: كيف سيتصرف المصريون، إذ لا يوجد حتى هذه اللحظة أي اتفاق معهم بشأن سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلاديلفي وإغلاق الأنفاق المؤدية من سيناء إلى قطاع غزة. منذ أعوام عديدة، تم استخدام هذه الأنفاق لتهريب المعدات العسكرية والذخائر والعبوات المتفجرة، والصواريخ المضادة للدروع، ووسائل إنتاج الصواريخ، وغيرها. المصريون غير مستعدين لسدّ الأنفاق من جهتهم، لأنهم يدّعون عدم وجود أنفاق. سيبدو الأمر كما لو أننا لم نحقق أي إنجاز في الحرب حتى الآن، لأن «حماس» ستنمو مجدداً عبر السنوات المقبلة، بواسطة الوسائل القتالية التي تمر عبر هذه الأنفاق تحت محور فيلاديلفي، وهي أنفاق متصلة بمئات الأنفاق من الكيلومترات الممتدة عبر قطاع غزة.
تهدد مصر بتعليق معاهدة السلام مع إسرائيل إذا ما بدأ الجيش الإسرائيلي بتحرّكه في أراضي رفح. وقد يؤدي القتال هناك إلى إغلاق طريق المساعدات الرئيسية إلى القطاع، وبالتالي وقوع أزمة إنسانية غير مسبوقة.
إن الانجرار إلى أزمة في العلاقات مع مصر قد يؤدي إلى اضطرابات في جميع الدول العربية التي وقّعت معاهدات سلام، مثل الأردن والإمارات، وهكذا، ستنتهي حربنا بالخسائر من جميع الجهات.
نضيف إلى ما تقدم، وضعنا المزري، في نظر العالم أجمع، وخصوصاً في دول أوروبا وأميركا: لقد دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى فرض حظر على شحنات الأسلحة الواصلة إلى إسرائيل بسبب العدد الهائل للضحايا المدنيين في معارك غزة. أمّا هولندا فقد توقفت عن إرسال قطع غيار لمقاتلات الـF35 بأمر صادر عن محكمتها. وهناك كثير من شركات الطيران في العالم التي أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل، والعالم بأسره يضيّق الخناق علينا حتى قبل دخولنا إلى مخيمات رفح. قد نتحول إلى دولة معزولة كما لو كانت مجذومة تحت الحجر الصحي، وسنفقد كثيراً من إنجازاتنا التي من دونها، لن نتمكن من تحقيق النمو مرة أُخرى.
يتمثل الحل الذي يجب علينا الدفع في اتجاهه، في الاتفاق على عودة المخطوفين، الأمر الذي سيتيح لنا الخروج بكرامة من الوضع الذي وضعنا أنفسنا فيه، وإعادة المخطوفين إلى منازلهم أحياء. لا ينبغي لنا أن نسمح لحركة «حماس» بالعودة إلى مراكمة قوتها من جديد، ولا بد من إنشاء إدارة مدنية دولية، مترافقة مع قوات شرطة، لتحل محل حكومة «حماس».
لو واصل المستويان السياسي والعسكري السير في مسارهما غير العقلاني، فسيتعين عليهما، في غضون أشهر قليلة، أن يشرحا للشعب الإسرائيلي لماذا لم يتحقق الهدفان المعلنان للحرب: هزيمة «حماس» واستعادة المخطوفين أحياء، بعد أن نكون قد دفعنا ثمناً باهظاً يتمثل في مئات الجنود القتلى منذ اجتياحنا القطاع.

المصدر:هآرتس
اعداد م . د . ف