بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

16 نيسان 2024 12:00ص من إعلام العدو .. خطر نتانياهو على الدولة مستمر رغم تلقِّيه طوق نجاة من بايدن

حجم الخط
يوسي فيرتر

جاء الهجوم الإيراني الضخم بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل، والذي غيّر قواعد اللعبة، ليشكّل اللبنة الأخيرة التي تسقط من الجدار المهيب لـ«سيّد الأمن» [اللقب الذي يسبغه أنصار نتنياهو عليه] . هذا الرجل الذي لطالما تفاخر بـ «ارتداع حماس» وتخويف حزب الله، والذي وعدنا بأن حكومته وحدها هي التي ستوفر «الأمن التام والشامل»، هذا الرجل الذي لطالما تبجّح بكونه «مستوى مختلفاً من القادة»، و»حارس أمن إسرائيل»، ضم إلى قائمة إخفاقاته الاستراتيجية يوم أمس الأول (السبت)  ما يمكننا أن نطلق عليه اسم «ليلة المسيّرات».
هل تذكرون اللقب الذي منحه نتنياهو للحكومة السابقة؟ «عندما يشم الإرهاب رائحة الضعف، فإنه يرفع رأسه». من المثير للاهتمام الآن أن نعرف ما الذي يفكر فيه الرجل بشأن «معيار رفع الرأس». ولنكن أكثر دقة: رفع الرؤوس، من غزة إلى بيروت، ومن صنعاء إلى طهران، في أيامنا هذه.
مَن قال إن نتنياهو لا يتحمل المسؤولية؟ لقد كتب في تغريدة له في ساعة مبكرة من الصباح، قائلاً «لقد اعترضنا، وكبحنا، ومعاً سننتصر». مضيفاً إلى تغريدته «إيموجي» يمثّل علم إسرائيل. هذا هو نتنياهو نفسه الذي قال في عزّ الانقلاب القضائي إن في إمكان إسرائيل أن تتدبر أمرها من دون سربَين، أو ثلاثة أسراب من الطائرات [بعد احتجاجات طيّاري الاحتياط]، لكن لا يمكنها تدبُّر أمرها من دون حكومة. وهذه، بالمناسبة، هي الحكومة نفسها التي حرّض أعضاؤها ضد طيّاري سلاح الجو («فليذهبوا إلى الجحيم»، شتمهم الوزير شلومو كرعي، في حين طالبت الوزيرة ميري ريغف بحبسهم). وهذا هو نتنياهو نفسه الذي قام قبل عام، في مقابلة له على القناة 14 بتوصيف تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية التي تفيد بتصاعُد احتمالات نشوب حرب، بأنها «مبالغة».
في إسرائيل، وُلد أطفال، وترعرعوا، وتجندوا للجيش، وتخرجوا بدرجة البكالوريوس، ولديهم انطباع أن شخصاً واحداً فقط قادر على مواجهة التهديد النووي الإيراني. وها نحن اليوم في مواجهة إيران كدولة تقف على عتبة النادي النووي، وتشعر بما يكفي من الثقة بنفسها لإطلاق كمية هائلة من الصواريخ والمسيّرات في اتجاه إسرائيل، على الرغم من تهديد جو بايدن «Don’t». إن ما دفع «حماس» إلى شنّ الهجوم في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان التصور القائل إن إسرائيل، في ظل حكومة نتنياهو - بن غفير، هي دولة ضعيفة ومنقسمة، وحلفها مع الولايات المتحدة صار متراخياً أكثر من ذي قبل. أمّا اليوم، فإسرائيل متورطة على أكثر من جبهة، وعلاقاتها بالولايات المتحدة تنحدر مجدداً، لأن نتنياهو يعود، مراراً وتكراراً، إلى الانحياز إلى ائتلافه الحكومي. لهذا السبب بالذات، ارتفع منسوب جرأة الإيرانيين. المسار واضح هنا: كلما طالت فترة حكم نتنياهو، كلما ظهرت إسرائيل بشكل أضعف. ولأسفنا الشديد، هذا ليس مجرد تصوّر وهمي.
«قل إنك انتصرت، وأنهينا الحادثة»، هكذا نصح بايدن نتنياهو في وقت مبكر من الصباح، بعد أن صار حجم الإنجاز جلياً: لقد تم اعتراض 99% من نحو 350 صاروخاً وطائرة مسيّرة، لم يتبقّ سوى أقل من نصف عام على الانتخابات الرئاسية، وفي وقت عاد بايدن ليتقدم على دونالد ترامب مجدداً، فإن حرباً إقليمية هي آخر ما يحتاج إليه الرئيس. في حين تقف، في مقابل نصيحة بايدن الرزينة، القاعدة الانتخابية اليمينية التي تثير الفوضى، كعادتها. وهو لم يفوّت أي فرصة من أجل تعزيز التحالف الإسرائيلي الأميركي السنّي ضد إيران، والذي أثبت نفسه ليلة الثالث عشر من هذا الشهر.
في المقابل، يدفع كلٌّ من بن غفير وسموتريتش إلى حرب شاملة ستخلق الفوضى وتسفر عن آلاف القتلى، فضلاً عن الدمار والخراب، من أجل تحقيق خطة الحسم: ضم الضفة الغربية، وإعادة الحكم الإسرائيلي إلى الأراضي المحتلة، واستعادة المجد الغابر في غزة. بحسب تصريح بن غفير: «لقد أتينا لكي نبنيها، ولكي نبني أنفسنا فيها». أمّا «التوجيه» الذي يطلب من الوزراء الامتناع من إطلاق تصريحات بشأن المسألة الإيرانية، فلم يصدر عن ديوان رئيس الوزراء إلا بعد أن قام المهووسان بإشعال الحرائق وتاجرا الحرب، بإطلاق تصريحاتهما بهذا الشأن. كأنهما كانا [بن غفير وسموتريتش] يستخفان بالتوجيه، أو كأنهما يستخفان بمن صدر عنه التوجيه.
يجب علينا أن نستنشق، بقوة، رائحة السلام الموقت في علاقات إسرائيل بجيرانها المعتدلين، وفي علاقاتها بالعالم المستنير، بقيادة الولايات المتحدة. فهذه الرائحة سرعان ما ستتبدد، وسرعان ما سنفوّت فرصة جديدة لترميم مكانتنا الهشة، ونخلق واقعاً مختلفاً ما، نلقي فيه كل شيء إلى القمامة، بدءاً من تساؤلنا «ما الذي يتوجب علينا فعله بغزة»، وصولاً إلى نسيج علاقاتنا في الشرق الأوسط بأسره.
في الوقت الذي صمم نتنياهو لنفسه، باختياره، مستقبلاً يكون فيه أسيراً لمهووسي اليمين المتطرف، فلا داعي لنتوقُّع أنه سيختار الموقف الصحيح. الافتراض الأكثر منطقية هو التالي: سيعود بايدن ليعضّ على ناجذيه غيظاً بسبب نتنياهو في أقرب فرصة، ونحن سنعود إلى الطرقات المسدودة التي تمثل حياتنا على هذه الأرض: رفح التي لا تعرف الكلل، والعزلة الدبلوماسية، والشمال الذي يحتضر، و«الإرهاب» في الضفة، والاقتصاد المنهار. في ظل هذا كلّه، لعلّنا نعزّي أنفسنا باستذكار مقولة أفيغدور ليبرمان «لا شيء يمكنه أن يهددنا».
لكن لا تقلقوا، فـشأبو علي» الشرق الأوسط، الذي انكشفت مؤخرته أمام أنظار الجميع في 7 تشرين الأول/أكتوبر في «غلاف غزة»، وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر على الحدود الشمالية، وفي 13 نيسان/أبريل أمام إيران، سيظل يقول لنا أنه الوحيد القادر على تحقيق النصر. وسيكون هناك مَن يصدقونه أيضاً. سيكون هناك مهرّجو بلاط يرتبط رزقهم ببقائه في الحكم، وسينثرون فوق رؤوسنا الهراء، ويرتدون قبعات مزينة بالشعارات. سيكون هناك محللون أمنيون وسياسيون يعملون، على مدار الساعة، على محاولة خلق سردية، مفادها أن الجيش هو المسؤول عن إخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أمّا انتصار الثالث عشر والرابع عشر من نيسان/أبريل، فهو من صُنع نتنياهو.
يوم أمس، انتشرت على واحدة من مجموعات تليغرام المؤيدة للمذكور أعلاه، صورة مصنوعة بالفوتوشوب للقيصر. كان لون بشرته برونزياً، وكانت نظرته حادة كما لو كانت سيفاً قاطعاً. كان يحمل في يده درعاً يحمل نجمة داود كبيرة، كسلاح. وحوله أسود صامدون. مَن لا يخاف من هذه الصورة؟ في المقابل، غابت الصور المقرفة التي نشرها أوري مسغاف يوم السبت في فايسبوك، والتي تظهر فيها شاحنات تحمل معدات سرية إلى ڤيلّا سيمون فلايك [أحد الأثرياء] في القدس، وكما نعرف جميعاً، يوجد فيها ملجأ نووي يستخدمه آل نتنياهو خلال الحرب. لقد أكدت لنا هذه الصور مجدداً أن هذين الزوجين هما الزوجان الأجبن في الشرق الأوسط. كان هناك دولة كاملة تعيش في ظل التوتر، وتخاف من الصواريخ البالستية التي ستترك أثرها في مراكز المدن وتقتل المدنيين، في حين آثر الزوجان نتنياهو الاختباء في ملجأ مريح تحت رعاية الملياردير الجديد الذي وقع عليه اختيارهما لكي يستضيفا نفسيهما لديه.
لقد قتلنا فضولنا بشأن ما كان مخبّأ هناك في خزان الشاحنة العملاقة؟ هل كانت غرفة سيطرة وتحكُّم متنقلة؟ أم كانت صناديق شمبانيا؟ ربما خزانة فساتين للطوارئ، أو محل حلاقة ذرّي؟ لا أحد سيعرف حقاً.

المصدر:هآرتس
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية