صحافة أجنبية

29 كانون الثاني 2024 12:00ص من إعلام العدو .. قرار محكمة لاهاي انتصارٌ لحركة المقاطعة «والفضل» لنتنياهو !

حجم الخط
ألوف بن

قبل نحو عام ونصف، عشية الانتخابات التي فاز فيها بولايته السادسة، لخّص نتنياهو حياته وعمله في كتاب مذكراته الذي صدر تحت عنوان «بيبي [الاسم المتداول لنتنياهو]- قصة حياتي». من الصعب أن يتخيل المرء سيرة ذاتية مرّ عليها التقادم التاريخي بهذه السرعة. إن أي كتاب مستقبلي عن نتنياهو سيركز على حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر وآثارها. منذ الآن، بات هذا التاريخ قصته، قصتنا جميعاً: هذه الكارثة التي جلبها نتنياهو على رأس الدولة، ستُحفظ في الذاكرة على أنها حدث مؤسّس في سيرته الذاتية، وفي تاريخ إسرائيل. إن كل ما قاله، أو فعله نتنياهو قبل هذا التاريخ، سيتم حصره في الفصل التمهيدي، وسيتم تدريسه في حصص التاريخ تحت عنوان «العوامل والدوافع التي أدت إلى وقوع المأساة».
إنه لمن المثير للاهتمام حقاً ما إذا كان نتنياهو يعذّب نفسه الآن بسؤال ما إذا كانت خطيئة حياته هي إصراره على البقاء على الكرسي، والعودة إلى السلطة، بدلاً من توقيع صفقة الإقرار بالذنب التي اقترحها عليه المستشار القضائي السابق للحكومة، أفيحاي مندلبليت [التي تضمن عدم قضائه حكماً بالسجن، في مقابل تخلّيه عن منصبه]. هل هناك خلف هذا القناع الشعبي الذي يوحي بالقناعة التي لا حد لها، إنسان يعترف بأخطائه؟ إنسان يدرك أن انتصاره الساحق في الانتخابات الماضية، وتأليف «حكومة اليمين الكاملة» قادا إسرائيل إلى حافة الإبادة؟
يوم أمس (الجمعة)، تلقى نتنياهو ضربة أُخرى متمثلة في قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي وافقت على النظر في دعوى جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة. من الصعب على المرء أن يجد العزاء في تجنُّب القضاة المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار. إن قرار هؤلاء القضاة  يُظهر أن إسرائيل متهمة بصورة واضحة بارتكاب جرائم إبادة، وتحذّرها من تشويش الأدلة، وتطالبها بالتبليغ عن حسن سلوكها، وتذكر بالاسم بعض قادتها (رئيس الدولة هرتسوغ، ووزير الأمن غالانت، ووزير الخارجية كاتس) كمحرضين على ارتكاب الإبادة الجماعية. صحيح أن نتنياهو كان أكثر حذراً من هؤلاء في تصريحاته، ولم يسمح لنفسه بالانجرار خلف مقولات تحريضية، لكن مسؤوليته الشاملة واضحة أمام القضاة الذين يقتبسون وعوده بخوض حرب طويلة الأمد.
لقد تم تأجيل البت بما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية إلى الأعوام القليلة المقبلة، لكن تكفي العودة إلى السوابق والمراجع الواردة في الحكم لكي نفهم بمَ تقارن المحكمة الدولية حملة «السيوف الحديدية: إنها تقارنها بمجزرة سربنيتسا [المجزرة التي حدثت في البوسنة والهرسك في سنة 1995]، ومجزرة الروهينغا في ميانمار [2016]، أو اجتياح روسيا لأوكرانيا. يا لها من مفارقة تاريخية: إن نتنياهو، بالذات، الذي يعدّ في إسرائيل الزعيم الأكثر تجنباً لاستخدام القوة وخوض الحروب، موجود على القائمة التي تضم بوتين، وميلوسوفيتش، وحكّام ميانمار. إذا فازت دعوى جنوب أفريقيا، وقررت المحكمة أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، فسيضاف اسم نتنياهو إلى قائمة أسوأ الأشرار عبر التاريخ.
إن الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية يُعتبر الانتصار الأكبر لحركة المقاطعة التي تنفي شرعية وجود إسرائيل. وهو يفوق بألف مرة قرار الأمم المتحدة الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية؛ والتظاهرات التي تجتاح جامعات الولايات المتحدة ، أو عروض المقاطعة التي نفّذها روجر ووترز وأصدقاؤه. الآن بالذات، أي بعد أن هوجمت إسرائيل وتعرّض مواطنوها «للمجزرة، والاغتصاب، والخراب، والخطف»، بصورة غير مسبوقة، باتت الدولة مشتبهاً فيها بارتكاب الجريمة الأكبر ضد الإنسانية، في نظر المجتمع الدولي. أما الإذن الضمني الذي أصدره القضاة بمواصلة الحرب، فقد يتحول إلى فخ لن يؤدي إلا إلى مزيد من الأدلة التي تدين إسرائيل في المستقبل. ومع ذلك، حتى لو تم وقف إطلاق النار عمّا قريب، فإنه حتى الآن، لم يكشف بصورة كاملة أبعاد القتل والخراب التي تسببت بها في غزة، وستضطر إسرائيل إلى مواجهة عواقبها الوخيمة.
 
هزيمة مزدوجة

لقد بدأت حكومة نتنياهو الراهنة طريقها بإعلانها أن «للشعب اليهودي الحق الحصري، وغير القابل للجدل، في جميع أرجاء أرض إسرائيل (البند رقم 1 في المبادئ التوجيهية الأساسية للحكومة). وبلغة عبرية بسيطة: لا يملك الفلسطينيون أي حقوق في البلد، حتى لو كان ذلك في غزة. لقد أمِل نتنياهو، ومعه اليمين أيضاً، على ما يبدو، بأن الحركة الوطنية الفلسطينية التي قاتل اليمين ضدها طوال عمره، هي الآن في مرحلة تراجُع، وربما ستقضي على نفسها بنفسها. إن خطاب نتنياهو في اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة الذي عُقد في أيلول/سبتمبر الماضي، والذي تحدث فيه عن بشرى قُرب تحقيق سلام مع السعودية، من دون «فيتو» فلسطيني، يبدو، في نظرة إلى الوراء، احتفالاً مبكراً بالنصر، أبكر بكثير من اللازم، وهو ما شجّع «حماس» على تنفيذ هجمتها بعد نحو أسبوعين. إن حق الشعب اليهودي في هذا البلد ليس حصرياً، كما تدّعي الحكومة. وقد أوضحت محكمة لاهاي أن للفلسطينيين أيضاً حقوقاً تستحق الحماية.
لقد بدأ نتنياهو مسيرته المهنية من خلال خطاباته النارية في الأمم المتحدة. وبدلاً من تعزيز مكانة إسرائيل بين الأمم، كما وعدنا في كتابه الأول الصادر تحت عنوان «مكان تحت الشمس»، لقد أودى بإسرائيل إلى مصاف الدول المجرمة والقاتلة. هذا الرجل الذي اتهم إيران بالتحريض على ارتكاب جرائم إبادة جماعية، واعتاد التلويح بصور من معسكرات الإبادة النازية، أودى بإسرائيل الآن إلى قفص الاتهام بالبند نفسه.
صحيح أن إسرائيل ليست معزولة، حتى بعد 113 يوماً من القتال، إذ تواصل الولايات المتحدة دعمها، وأعلنت أنها ستزود سلاح الجو الإسرائيلي الذي يهاجم غزة بالطائرات، والمروحيات، والذخائر. لكن هذا ليس كافياً. وكما قال بن غوريون: إن مصير إسرائيل يعتمد على أمرَين: قوتها، واستقامتها. في السابع من تشرين الأول/أكتوبر،أصبح واضحاً للجميع أن قوة إسرائيل أقل بكثير مما كنا نعتقد، ويوم أمس، تعرضت استقامتها أيضاً لضربة موجعة. إن المسؤول عن هاتَين الهزيمتَين هو القائد الذي تفاخر بأن فترة ولايته أطول من فترة ولاية مؤسس الدولة.
المصدر
هآرتس
اعداد م . د . ف