بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

18 آذار 2024 12:00ص من إعلام العدو .. لا يجب الإنجرار إلى حرب لبنان الثالثة

حجم الخط
إيهود أولمرت

يوم 12 تموز/يوليو، قُدت حكومة إسرائيل لاتخاذ قرار الرد العسكري الواسع، بعد هجوم حزب الله على جنود الجيش في منطقة الحدود مع لبنان، بالقرب من بلدة «زرعيت». في بداية هجوم حزب الله، سقط عشرة جنود كانوا في مركبات غير مدرعة. وفي الوقت نفسه، جرى قصف صاروخي على جميع مناطق الشمال، من الشرق إلى الغرب.
عقدت حكومة إسرائيل اجتماعات مستمرة، وقررت أن هجوم حزب الله يستوجب رداً واسعاً، يعرّف قواعد اللعبة من جديد على الحدود الشمالية، ويضع حداً لهجمات حزب الله التي لا تنتهي، وشوّشت روتين الحياة في المنطقة. يوم 14 آب/أغسطس، بعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، في أعقاب قرار مجلس الأمن رقم 1701.
حرب لبنان الثانية، حسبما اتُّخذ قرار تسميتها، أدت إلى نقاشات حادة في إسرائيل. أغلبية المجتمع الإسرائيلي كانت على قناعة بأن الحرب كانت فاشلة، وأدت إلى ضرر كبير في قدرة الردع العسكرية الخاصة بنا. خبراء في الاستراتيجيا العسكرية، ومحللون سياسيون، وجنرالات سابقون، وأيضاً منافسون سياسيون، انتقدوا الحرب وغياب صورة النصر الحاسمة والواضحة في نهايتها، وكذلك المناورة البرية في الـ48 ساعة الأخيرة، والتي رأى كثيرون من المحللين أنها غير ضرورية، وأيضاً الإخفاقات في تفعيل قوة الجيش البرية.
حتى إن رئيس هيئة الأركان السابق موشيه يعالون، ادّعى أن دخول 3 كتائب عسكرية إلى داخل لبنان في نهاية الحرب كانت «خطوة إعلامية فاسدة من أجل الوصول إلى صورة نصر».
عملياً، منذ وقف إطلاق النار في لبنان يوم 14 آب/أغسطس 2006، وفي أعقاب القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن، سيطر 15 ألف جندي من الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، وتمت إضافة 12 ألف جندي من قوة «اليونيفيل»، تضمنت جنوداً من جنسيات أوروبية متعددة. حزب الله قام بإخلاء الجنوب اللبناني، وانسحب إلى ما وراء نهر الليطاني، على بُعد عشرات الكيلومترات عن الحدود مع إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدار 17 عاماً، كانت الحدود الشمالية الإسرائيلية الأكثر هدوءاً، والأكثر تأميناً وردعاً، مقارنةً ببقية المناطق الحدودية لإسرائيل مع مجتمعات معادية في شمال - شرق سورية، وأيضاً في الشرق، حيث المناطق التي تحتلها إسرائيل، وطبعاً قطاع غزة.
محاولات حزب الله خرق القرار 1701، ونقل أدوات قتالية إلى داخل لبنان، واجهت ردوداً حادة من طرفنا. شحنات السلاح عبر الطريق البري، من إيران وتركيا وسورية، قصفتها إسرائيل. وعملياً، على عكس ما يحاول اليوم طرحه الذين يريدون الحرب، تنظيم حزب الله تراجع إلى خط نهر الليطاني واختفى من المنطقة الحدودية أعواماً.
تبدو حرب لبنان الثانية اليوم إنجازاً استراتيجياً، حتى لو ما زال يتحدث بعض منتقديها عن فشلها. سكان الشمال الذين يعيشون منذ أعوام طويلة على خط النار، واستمتعوا بالهدوء، أنا على قناعة بأنهم يشتاقون إلى الأيام التي كانت فيها المنطقة الشمالية منطقة مزدهرة.
كريات شمونة المخلاة والفارغة من السكان في هذه الأيام، تتمنى العودة إلى تلك الأيام، حين كانت الملاجئ مهجورة. الشبان في سن الـ17 عاماً اليوم، وُلدوا وكبروا في كريات شمونة وجميع المناطق الشمالية، لم يبيتوا ليلة واحدة في الملجأ، إذ كانت الملاجئ مقصد العديد من الأجيال من أبناء المنطقة قبل تلك الحرب بسبب القذائف والصواريخ التي كانت تسقط عليهم بين الحين والآخر.
في هذه الأيام، قامت الحكومة بإخلاء كل البلدات الشمالية. عشرات الآلاف من السكان المحليين أُرغموا على الانتقال إلى مناطق بعيدة عن الحدود، والمنطقة الآمنة ليست جزءاً من الأراضي اللبنانية، بل موجودة في داخل الأراضي الإسرائيلية والحياة في إسرائيل.
الآن، نحن نقف أمام قرار له أبعاد استراتيجية: هل ننجرّ إلى مواجهة مباشرة وشاملة مع حزب الله، أو نبحث عن الحل عبر المفاوضات من أجل الوصول إلى ترتيبات تمنع الانجرار إلى مواجهة عسكرية عنيفة تتوسع في الجبهة الشمالية، وتعيد الهدوء الذي شهدته هذه الجبهة أكثر من 17 عاماً؟
في سنة 2006، قُدت دولة إسرائيل إلى حرب لبنان الثانية. الآن، في سنة 2024، أوصي بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة يمكن الامتناع من شنّها.
التصريحات العدوانية الصادرة عن نصرالله، من الملجأ الذي يمكث فيه منذ 17 عاماً، لا يمكنها إخفاء الحذر النسبي في تصرفاته. من الواضح لنصرالله أننا أيضاً نرى جيداً تخوّفه من المواجهة المباشرة- الحرب الشاملة- التي ستندلع في حال لم تتوقف الاستفزازات من طرف حزب الله.
إذاً، ما الذي يمكن القيام به ؟
أولاً، أوصي قيادات الدولة- رئيس الحكومة، ووزير الدفاع، والقيادة العليا- بإنهاء مرحلة التهديدات ضد حزب الله. هذه التهديدات لا تبث الثقة بالنفس، ومن غير المتوقع أن تستطيع إعادة السكان إلى بيوتهم. هناك احتمال أن تؤدي هذه التهديدات والتحذيرات، كما الظهور المستمر للمتحدثين باسم الحكومة في الإعلام لإصدار تصريحات قتالية، إلى تشجيع حزب الله على الاستمرار في إطلاق القذائف على الشمال- ويمكن لتبادل إطلاق النار هذا أن يجرّنا إلى معركة شاملة- يمكن تفاديها.
على عكس «حماس»، التنظيم «الإرهابي» الذي لا يملك غطاءً سياسياً، فإن حزب الله أيضاً تنظيم «إرهابي»، لكنه يعمل في إطار دولة لبنان، ويجب عليه الأخذ بعين الاعتبار الخطر الكامن في توسيع جبهة القتال، الذي يمكن أن يؤدي إلى دمار مناطق سكنية لجزء كبير من المجتمع الذي يعيش التنظيم فيه، ويحتاج إلى دعمه. لذلك، يرى الخبراء لدينا أن عمليات حزب الله تشير إلى أن لا رغبة لديه في استعمال صواريخ بعيدة المدى. عندما يطير الصاروخ الأول من لبنان إلى منطقة المركز، وتُفتح حرب وحشية، ستؤدي إلى ضرر كبير في مناطق واسعة في إسرائيل، كانت خارج نطاق النار حتى الآن، لكن بكل تأكيد، سيكون الدمار الذي سيلحق بالبنى الاستراتيجية في لبنان كبيراً جداً. ستُدمّر الضاحية التي دُمّرت كلياً في حرب لبنان الثانية، وهو ما سيؤدي إلى هروب مئات الآلاف من سكان الجنوب اللبناني إلى المركز، الأمر الذي سيفكك الدولة.
لحزب الله مصلحة في الامتناع من توسيع القتال - ولنا أيضاً.
الطريق إلى تحقيق ذلك، بعد وقف تبادُل التهديدات من الطرفين، هي إعادة الترتيبات التي كانت بيننا وبين لبنان في مجال النقاط الخلافية على الحدود بين الدولتين.
على الرغم من لهجة نصرالله العدائية ، فإن القرار 1701، الصادر عن مجلس الأمن، يمكن أن يكون أساساً جيداً لترتيبات مع لبنان، تعيد الوضع في لبنان إلى ما كان عليه خلال سنوات، بعد انتهاء حرب 2006.
وفعلاً، لإسرائيل مصلحة أيضاً في تطبيق القرار 1701. صحيح أن بنيامين نتنياهو انشغل، بعد حرب لبنان الثانية، بالتحريض ضد حكومتي، كأن هذا القرار كان وصفة للخضوع، لكنه يعلم جيداً أن حزب الله انسحب، حينها، إلى ما وراء خط الليطاني البعيد عن الحدود مع إسرائيل. ضُعف حكوماته هو ما فتح الطريق لعودة حزب الله إلى مناطق قريبة من الحدود، وأدى في نهاية المطاف إلى إجلاء كثيرين من سكان الشمال عن بلداتهم، بمبادرة من الحكومة.
إسرائيل لا تستطيع، ولا يجب عليها أن تسمح لهذا الواقع بالاستمرار. كل يوم يبقى فيه سكان الشمال خارج منازلهم هو يوم هزيمة عسكرية وسياسية لإسرائيل، ولا يجب التصالح مع هذا الواقع.
السؤال هو: هل الطريقة الوحيدة لتغيير هذا هي مواجهة عسكرية شاملة ؟ في رأيي، لا. علينا صوغ  خطة حلّ لقضايا الحدود التي تتعلق بمزارع شبعا وقرية الغجر، وللخط من 1923، وبحسبه، تم إقرار خط وقف إطلاق النار من سنة 1949، الشبيه بالقرارَين 425 و 426، الصادرَين عن الأمم المتحدة في سنة 2000، بعد خروجنا من لبنان.
وبالإضافة إلى هذه القضايا كلها، هناك خلاف بيننا وبين لبنان بشأن 13 نقطة على طول خط الحدود. يجب إدارة مفاوضات بشأن هذا كله، بمشاركة الولايات المتحدة، ودعم مجلس الأمن، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ترتيبات تسمح بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701، ويؤدي إلى عودة حزب الله إلى ما بعد الليطاني، ونزع السلاح من الجنوب اللبناني في المطلق.
من الواضح لي أن مجموعة الزعران المسيانيين التابعة لبن غفير وسموتريتش وداعميهم، وتسيطر اليوم على الحكومة، سترى في ذلك هزيمة إسرائيلية بسبب ما يبدو أنه تنازُل إسرائيلي عن قضايا الحدود. وهم سيتهمون كل مَن يدعم ذلك بالخيانة والخضوع.
لكن يجب التذكير بأن منطقة الجنوب اللبناني ليست جزءاً من أرض إسرائيل التاريخية التي التزمت حكومة نتنياهو الحفاظ عليها إلى الأبد. هذا هو «الكارت» الذي علينا استعماله من أجل الامتناع من الانجرار إلى حرب إضافية، سيكون ثمنها مؤلماً جداً لإسرائيل - وستكون من دون أي جدوى، ولا حاجة إليها.

المصدر:هآرتس
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية