بيروت - لبنان

اخر الأخبار

صحافة أجنبية

13 آذار 2024 12:00ص من إعلام العدو - لنعد إلى رشدنا قبل أن نفقد تأييد الولايات المتحدة

حجم الخط
يوسي ميلمان

الكلمة التي كانت مهيمنة على قاعة المحاضرات هي الإبادة الجماعية، وإلى جانبها أوصاف مكملة، مثل «القتل العشوائي للأطفال». كان الجو مشحوناً، وما كان يجب أن يكون مداخلة قصيرة مع أسئلة وأجوبة، تحول إلى حوار طرشان، وانتهى بمغادرة ثلث الحاضرين بطريقة استفزازية.
قبل عدة أيام، تلقيت دعوة إلى إلقاء محاضرة بشأن حرب إسرائيل في غزة، في جامعة أوجليثروب في أتلاتنا في ولاية جورجيا. الجهة الداعية كانت المنظمة الطلابية اليهودية «هيلل»، كانت المحاضرة مفتوحة أمام الحضور، الذين بلغ عددهم أكثر من 50 طالباً ومدرساً، ثلثهم أعضاء منظمات طلابية راديكالية.
منذ البداية، أوضحت أنني صحافي وكاتب، ولست ناطقاً بلسان أحد، وأننى لا أؤيد الحكومة الإسرائيلية، أو الحرب في غزة، وأنني كتبت منذ بداية الحرب مقالات انتقدت فيها الحكومة وسلوك الجيش في غزة. وطلبت من جمهور الحاضرين، كجمهور مثقف يطمح إلى إغناء معلوماته، إبداء انفتاح وعدم الانجراف وراء الأخبار والنظريات الكاذبة.
وصفت ما جرى في 7 أكتوبر بقدر ما استطعت: الهجوم «الوحشي» لأكثر من 3000 عنصر من مسلحي «حماس» على مستوطنات مدنية قريبة من الخط الأخضر المعترف به في القانون الدولي، وليس على مستوطنات مقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة. ورويت كيف قُتل «بدم بارد» أكثر من 800 مدني من الرجال والنساء والأطفال، من الإسرائيليين والأجانب، ومن اليهود والمسلمين والمسيحيين، وسقط أكثر من 230 جندياً وجندية في المعارك، وخُطف إلى غزة 259 شخصاً، بينهم جثامين...
لكنني أيضاً لم أخفِ أن 30 ألفاً من سكان غزة، بينهم 12 ألف طفل قُتلوا جرّاء قصف الجيش الإسرائيلي، وأن نحو 70% من المنازل تضررت، وأكثر من مليون شخص هُجروا من منازلهم وتحولوا إلى نازحين يسكنون في مدن من الخيام، أغلبيتهم على حافة الجوع، ويعانون جرّاء نقص في الغذاء والمياه والكهرباء.
حاولت أن أشرح وجود فارق بين حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وأنني من مؤيدي فكرة الدولتين، وبين «حماس»، الحركة التي لا تعترف بدولة إسرائيل وحقها في الوجود، وحق اليهود في تقرير مصيرهم، وتسعى لإقامة «دولة شريعة» على أرض فلسطين بالكامل، «يديرها رجال دين وفق قوانين الشريعة». حينها، قام طالب وعرّف نفسه بأنه يهودي من المثليين، وقال إن إسرائيل ترتكب جريمة جماعية بحق شعب غزة. وعندما قلت له أنه لو كان في دولة «حماس»، «لحُكم عليه بالموت بسبب ميوله الجنسية»، قام وغادر القاعة بغضب.
طالبة قالت إن أهلها من الناجين من الجريمة الجماعية في رواندا قبل 30 عاماً، قرأت لي تعريف الإبادة الجماعية «القتل عن تصميم مسبق لمجموعة كبيرة من الأشخاص من شعب معين، أو من عرق معين، بهدف تدمير هذا الشعب، أو هذه المجموعة». أجبتها بأن تعريفها كان دقيقاً، ولفتتُ نظرها إلى عبارة عن «تصميم مسبق»، وقلت لها إن التصميم المسبق هو ما يميز الجريمة الجماعية بحق أبرياء، والإبادة الجماعية. وتابعت أن الأتراك ارتكبوا إبادة جماعية خلال الحرب العالمية الأولى، والنازيون فعلوا ذلك باليهود في الحرب العالمية الثانية، وهذا ما جرى في الحرب العرقية في رواندا. وأضفت أن إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين بتصميم مسبق، على الرغم من وجود أصوات في اليمين المتطرف، وحتى في الحكومة، تدعو إلى مثل هذا القتل العشوائي. ويبدو أنني قلت أكثر من اللازم، فغادر ثلث الحاضرين القاعة بغضب.
جامعة أوجليثروب هي من الجامعات الصغيرة المعروفة بسمعتها الجيدة، وبأنها من الجامعات الليبرالية المرموقة في هذه الولاية التي كانت قبل عقود غارقة في العنصرية والتمييز. وما جرى في المحاضرة هو مجرد لمحة بسيطة عن العداء والكراهية لإسرائيل في داخل حرم الجامعات ووسط جيل الشباب، جيل المستقبل.
قبل 30 عاماً، كتبت مع الصحافي الأميركي دان رافيف كتاب «شركاء في العمل»، حاولنا فيه شرح الشراكة غير البديهية بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل. يومها، كان هناك مَن يقول إنه كلما ابتعدنا عن ذكرى المحرقة، وبسبب التغيّرات الديموغرافية في الولايات المتحدة، كلما ضعفت مكانة إسرائيل. السكان البيض من أصل أوروبي، الذين كانوا يشكلون في سنة 2000 نحو 71% من مجموع السكان، انخفضت نسبتهم إلى 57%. كان يتعين على زعماء إسرائيل الانتباه إلى هذه التغييرات منذ ذلك الوقت، لكنهم ظلوا نائمين على أمجاد العلاقات الوثيقة، وخصوصاً الشراكة الاستراتيجية والعسكرية والسياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن الحقد على إسرائيل بسبب حربها على غزة هو فقط رأس جبل الجليد الذي تقترب منه إسرائيل التي ترفض الاقتناع بأن العالم، وحتى الولايات المتحدة، يتغيران. وإذا لم نعد إلى رشدنا بسرعة، فستجد إسرائيل نفسها دولة معزولة، مصابة بالجذام، وستخسر تأييد أهم دولة داعمة لها، والتي من دونها، لا يمكن ضمان جوهر وجودها.

المصدر:هآرتس
اعداد: مؤسسة الدراسات الفلسطينية