صحافة أجنبية

13 شباط 2024 12:01ص من إعلام العدو: نتنياهو غير قادر على الحسم

حجم الخط
إيهود باراك

بانقضاء الشهر الرابع من الحرب، تحققت إنجازات مهمة للجيش، فضلاً عن الوحدة الملهمة التي سادت صفوف مقاتلي الجيش. إلى جانب ذلك، يوجد في إسرائيل اليوم فراغ قيادي على المستوى السياسي، ومراوحة في مجال اتخاذ قرارات مصيرية، وأجواء تعكّر العلاقات بين القادة، وهجوم من وزراء على كبار ضباط الجيش، وارتباك في التواصل مع الولايات المتحدة. لا يمكن إدارة حرب تسعى لتحقيق «النصر المطلق» بهذه الطريقة.
نحن نخوض أعقد حروبنا منذ «حرب التحرير». لقد كانت قياداتنا في تلك الحرب، وعلى رأسها بن غوريون، بحجم التحدي. أمّا التحدي اليوم، فيبدو أكبر من قيادة بنيامين نتنياهو بضعفين، أو بثلاثة.
يجب على إسرائيل تحقيق استعادة المخطوفين، وتفكيك قدرات «حماس»، سواء أكانت إدارية أم عسكرية. وعليها أن تتمكن من تنسيق توقعاتها ونياتها مع الولايات المتحدة، من أجل ضمان استمرار إمداد الذخائر والإسناد في مجلس الأمن، إلى جانب الحؤول دون تدهور الأوضاع نحو مواجهة إقليمية، ومن أجل ضمان الدفاع عن مصالحنا الإقليمية في «اليوم التالي للحرب».
حتى الآن، لم نتمكن من تحقيق أي هدف من أهداف الحرب: فالمخطوفون لا يزالون في قبضة «حماس» التي تسيطر على رفح، وعلى توزيع المساعدات الإنسانية، كما أنها حاضرة في جباليا والمناطق التي انسحب الجيش منها. صحيح أننا تمكننا، على الصعيد العسكري، من «كسر» كتائب «حماس»، باستثناء الكتائب العاملة في رفح، إلّا إن خلاياها ستواصل ملاحقة قواتنا بالنيران في جميع القطاعات القتالية.
توجد ثلاثة أمور على المحك، يجب الحسم بشأنها بشكل عاجل:
- التوصل إلى صفقة تبادُل شاملة.
- إخراج المساعدات الإنسانية من قبضة «حماس».
- البتّ بمستقبل السيطرة على رفح ومحور فيلاديلفي.
أمّا فيما عدا ذلك، وما يتعلق بـ «اليوم التالي للحرب»، فهناك حاجة إلى اتخاذ قرار استراتيجي، إمّا عبر اختيار مبادرة بايدن، وإمّا اختيار رؤيا بن غفير وسموتريتش. في هذه المواضيع، جميعها، كان من المفترض أن تحسم الحكومة موقفها منذ الأسبوع الأول. لقد عاد رئيس هيئة الأركان وأعضاء الكابينيت الحربي إلى الدعوة إلى اتخاذ قرارات بشأن هذه المسائل، مراراً وتكراراً، وتم رفض طلبهم. إن تجاهُل هذه المطالب لم يكن له علاقة بمسائل إدارة الحرب، بل إن سببه الأساسي هو الحاجة إلى الحفاظ على الائتلاف الحكومي.

المخطوفون

ضمان تحرير هؤلاء واجب وطني وعملي وأخلاقي. صحيح أن هذا ليس أهم من القضاء على تهديد «حماس»، لكنه واجب مُلح بصورة كبيرة، ولذا، هو في رأس سلّم الأولويات الزمني. يقول نتنياهو إن تحقيق الانتصار سيستغرق شهوراً، وليس أعواماً. ويتحدث رئيس هيئة الأركان عن شهور طويلة، وربما سنة أو أكثر، أمّا غانتس فقد صرّح مؤخراً بأن الأمر قد يستغرق أعواماً. ويبدو أن نحو ثلث المخطوفين فارق الحياة حتى اليوم، ولذا، من الضروري العمل فوراً في هذا الصدد. إن الإخفاق في التوصل إلى صفقة لتحرير المخطوفين سيحفر في وجداننا الجمعي، كوصمة عار على جبين القيادة والمجتمع بأسره، وعلى مدار أجيال.
إسرائيل دولة سيادية، ومن حقها عدم الموافقة على مقترح قد يضر بكثيرين، لكن ما هو المنطق الكامن خلف وضع «خطوط حمراء» من الواضح مسبقاً أنها ستزول في لحظة الامتحان؟ («ثلاثة سجناء فلسطينيين في مقابل كل مخطوف إسرائيلي»، يقول الرجل الذي وافق على تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني في مقابل جندي واحد). ما هو المنطق في التصريح بأننا لن نتوقف، بعد إطلاق سراح المخطوفين، إلى أن نقتل جميع زعماء «حماس»؟ (حسبما صرّح الشخص الذي أوقف 6 مخططات عملياتية تهدف إلى القضاء على قيادات «حماس»). من الشرعي، حقاً، أن تسعى إسرائيل لقتل هؤلاء، لكن علينا أن نهتدي بالمقولة الشهيرة في أفلام الويسترن: «إن كنت تريد إطلاق النار، فأطلق النار. لا تثرثر»!

«حماس» والمساعدات الإنسانية

حين تتولى «حماس» توزيع 60% من المساعدات الإنسانية، فهذا يعني أنها هي المسيطِرة على غزة. ولذلك، فإن أيزنكوت وغانتس مُحقان في مطالبتهما بالعثور على طرف غير «حماس» (أو الأونروا) ليتولى مسؤولية توزيع المساعدات، وخصوصاً في رفح. إذا كان هناك حاجة إلى تخفيض نسبة السلع الداخلة إلى القطاع بصورة كبيرة، إلى حين التوصل إلى تسوية كهذه، فإن هذه الخطوة هي الصحيحة لفعل ذلك.

رفح ومستقبل السيطرة على محور فيلاديلفي

لو كان لدينا حكومة جدية، لكانت أوضحت منذ اليوم الأول أهداف الحرب، واستوعبت معانيها، ولكانت فكرت في إمكان شن هجوم موازٍ، مع بداية التحرك البري في رفح، واختارت الاستيلاء على محور فيلاديلفي، بدلاً من أن تكون اليوم مطالَبة بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة. ليس من الواضح ما إذا كان مثل هذا التنسيق سيتحقق، وهو من شأنه اليوم الاصطدام بالحل المتعلق بـ»اليوم التالي للحرب». مجدداً، هذا هو ثمن التكاسل. يُحتمل أن نطبّق في رفح حلاً عملياتياً جزئياً من خلال توغلات برية، وهجمات جوية دقيقة الإصابة. أمّا الحل الشامل بشأن رفح وفيلاديلفي، فقد يؤجل إلى حين التوصل إلى تسوية شاملة في إطار «اليوم التالي للحرب».

«اليوم التالي للحرب»

كان يجب مناقشة «اليوم التالي» منذ اليوم الأول للحرب. وعدم فعل ذلك كان تراخياً. أضرار ذلك هائلة فعلاً منذ اليوم، وأتمنى أن نتمكن من إصلاحها. منذ بضعة أسابيع، جرى طرح مقترح بايدن أمام إسرائيل، ونُشرت النقاط الأساسية منه هذا الأسبوع في مقالات كلٍّ من توم فريدمان في الـ«نيويورك تايمز»، وديفيد إيغنتيوس في الـ«واشنطن بوست».
بحسب هذين الصحافيين، ستقوم الولايات المتحدة، وخلفها «محور المعتدلين»، بدعم تسوية، من أهم مبادئها: أن «حماس» لن تحكم غزة، وستحلّ مكانها في السيطرة المدنية الكاملة «سلطة فلسطينية مجددة» تكون ملتزمة بالاتفاقيات التي وقّعتها السلطة مع إسرائيل، ويتم فيها تمثيل الضفة والقطاع، باستثناء ناشطي «حماس». وتقدّم الإمارات والسعودية الدعم المالي لهذه السلطة في مجال إعادة الإعمار، وفي ترميم البنى التحتية. وتساعد مصر في تأهيل قوات الشرطة وإنفاذ القانون. وتجري بلورة قواعد عمل تتسق مع الحاجات الأمنية لإسرائيل. توقّع السعودية اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، وتحصل في المقابل على عدة أمور، من ضمنها حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، بما يضمن أمن المملكة. كل ذلك بشرط موافقة إسرائيل مسبقاً على عملية سياسية، هدفها إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة وغزة، بحيث لا يمكنها تهديد إسرائيل، وتعمل بدعم من «محور المعتدلين»، من أجل تغيير المواقف، ومدفوعة بروح التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة.
لقد ورد أن هذا المقترح ينطوي على سؤال موجّه إلى نتنياهو: هل ستختار أن يتم ذكرك في كتب التاريخ كمتسبب بأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، أم أنك مَن حقق انعطافة تاريخية إيجابية من أجل ضمان أمن إسرائيل في المنطقة؟
ولكن، لأسباب تتعلق بالعام الانتخابي في الولايات المتحدة، والحاجة إلى حصول الموافقة على التحالف مع السعودية في مجلس الشيوخ على أغلبية كبيرة تضم جمهوريين، فإن هذا المقترح لن يكون سارياً بعد انتهاء شهر آذار/مارس القريب.
هذا الاقتراح طموح، وأفترض أنه لو طُرح قبل بدء الحرب، عندما كانت حكومة لبيد هي التي تمسك بزمام الأمور مثلاً، لكان الأمر يستحق نقاشاً معمقاً، حتى لو كان هناك كثير من النقاط، وجلّها نقاط أمنية، تستوجب استيضاحاً وتفاهمات. لا توجد ضمانات لاستجابة بقية الجهات في الإقليم للمقترح، ولا توجد ضمانات أن بايدن سيتمكن من تمرير التحالف مع السعودية في مجلس الشيوخ. بل يُحتمل أن هذا ما سيدفع إيران إلى التفكير في استخدام حزب الله في الشمال لإحباط هذه المبادرة، كما فعلت «حماس» في السابع من تشرين الأول/أكتوبر لإحباط عملية التطبيع مع السعودية.

تلافي الحسم خيار لا يقلّ سوءاً

إن المشاعر السائدة لدى الجمهور الإسرائيلي اليوم، هي مشاعر الألم الشديد، والغضب الهائل، والشعور بالإهانة، والسعي للانتقام، والشعور بأن العرب، جميعهم، «حماس»، وأنه ما من فرصة في التغيير إلى الأبد. هذه ردات فعل إنسانية ومفهومة، لكن مسؤوليتنا تتمثل في النظر إلى ما هو أبعد من ذلك أيضاً. علينا أن نتذكر أننا كنا نظن هذا في السابق إزاء كلٍّ من مصر والأردن، والآن، لدينا اتفاقات سلام معهما. علينا أن نغمض عيوننا ونفكر في مدى خطورة حالتنا اليوم لو لم نوقّع معاهدات سلام مع هذين البلدين. وكم من المهم عدم تهديد هاتين المعاهدتين في إطار ردّ غير محسوب على أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
الواضح هو أنه علينا حسم موقفنا اليوم: هل تذهب إسرائيل في اتجاه مبادرة بايدن، حتى لو كانت إجابتها «نعم، ولكن» وحتى لو كانت هذه الـ»لكن» كبيرة؟ أم أنها تتجه نحو تحقيق رؤيا بن غفير وسموتريتش، ونتنياهو الذي ينحني أمام أهوائهما؟ إن بايدن ينتظر الرد. هناك مَن يخشون، بالاستناد إلى تجربتهم في الماضي، من أن يحاول نتنياهو التغرير بالجانبين، بهدف الخروج من الحصار السياسي إلى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة: أن يحاول، بالإنكليزية، إقناع الإدارة بأنه مستعد لمناقشة المقترح بجدية (إذ يقول «نعم، ولكن عليكم أن تدركوا مدى صعوبة الأمر»)، بشرط ألّا ينتقده الأميركيون في العلن. وفي موازاة ذلك، سيحاول الهمس في آذان بن غفير وسموتريتش بالعبرية: «لا تتركا الحكومة، عليكما الاعتماد عليّ! لقد أطلقت خطابي في جامعة بار إيلان [المؤيد لحلّ الدولتين في عام 2009]، وخدعت كيري، وتلاعبت بأوباما، ولم يحدث شيء. سنتغلب على بايدن أيضاً».
إن رؤيا بن غفير وسموتريتش، اللذين يتصرفان كما لو كان نتنياهو عبداً عندهما، ستؤدي إلى كارثة قومية تحدّث عنها كثيرون أكثر من مرة. لكن الامتناع من الحسم، كما يفعل نتنياهو، سيجعل إسرائيل عالقة في غزة، في موقف ضعيف ومزمن وعميق، مع فرص نشوب الحرب في مواجهة حزب الله في الشمال، واندلاع موجات «الإرهاب» في الضفة الغربية، وفي حالة شقاق مع الولايات المتحدة التي قد تعترف بدولة فلسطينية من دون وجود تفاهمات مع إسرائيل، حسبما لمّح وزير الخارجية البريطاني كاميرون، ومع فرصة تقويض «اتفاقيات أبراهام» ومعاهدات السلام مع مصر والأردن، ويُحظر أن نسمح بحدوث هذا.

ما الذي علينا فعله؟ انتخابات الآن!

كان السابع من تشرين الأول/أكتوبر الحدث الأسوأ في تاريخ البلد. لقد حاربنا مدة 120 يوماً، وهذه الحرب هي الأطول منذ سنة 1948. نتائج هذه الحرب جزئية وإشكالية. صفقة المخطوفين التي على الأبواب ستؤدي إلى وقف إطلاق نار يتراوح ما بين 45 و90 يوماً. بعده سنخوض قتالاً طويلاً، وسنكون نحن مَن يقرر ما إذا كنا سنجدد القتال. نحن مُلزمون اتخاذ القرار الأهم في الحرب، وهو قرار تم تأجيل البت به حتى اليوم بتراخٍ وعدم مسؤولية: إسرائيل إلى أين في «اليوم التالي للحرب». هل هي ذاهبة في اتجاه مقترح بايدن؟ أم إلى رؤيا بن غفير؟ أم إلى اتجاه ثالث؟ ما هو هذا الاتجاه، وهل هو قابل للاستدامة؟ آن أوان الحسم في الاتجاه الذي علينا اتخاذه، ومَن يقودنا إلى هناك. لقد فقد نتنياهو ثقة الشعب بصورة تامة، فهل من المعقول أن يقوم قبطان تايتانيك بتخليصنا من الغرق؟ وأين هو الآن مَن قال إن «حياة الأمة ليست رحلة بقاء فردية لرئيس حكومة ما»؟ وحدها الانتخابات هي التي ستشير إلى مَن سيقودنا، وإلى الطريق الصحيحة.
بحسب فهمي للأمور بات من اللائق أن يقول رؤساء معسكر الوسط (لبيد، وغانتس، وأيزنكوت) بصوت واضح: «نعم، ولكن»، لمقترح بايدن. هذه الـ»لكن» ستكون ذات وزن ثقيل. إن التحفظات والشروط كثيرة وصعبة، لكن وحدها هذه الـ»نعم، ولكن» الواضحة، هي ما سيضمن إعادة إسرائيل إلى أفق عمل حقيقي ومستدام، وإلى أرض الواقع الإقليمي، بصورة توقف تدهور مكانة إسرائيل، وتعيدها إلى مكانة التفوق الأخلاقي التي كانت ضرورية وستبقى، والتي تضررت بصورة عميقة في أيام حُكم نتنياهو.

المصدر: قناة N12
اعداد: م. د. ف