صحافة أجنبية

2 شباط 2024 12:01ص من إعلام العدو: وقف إطلاق النار في غزة يمكن أن يسرّع العملية السياسية إزاء لبنان

حجم الخط
تسفي برئيل

إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن قراره بشأن الرد بقوة على الهجوم على القاعدة الأميركية في الأردن في يوم الاثنين، والذي قُتل فيه 3 جنود أميركيين، أدى إلى رد عملي. لقد أعلنت ميليشيات حزب الله في العراق، الموالية لإيران «رسمياً «، أنها ستتوقف عن مهاجمة أهداف أميركية «كي لا تُحرج الحكومة العراقية». من جهتها، أوضحت الولايات المتحدة أن الرد سيحدث، وأنه «سيجري الحكم على الميليشيات، بحسب أفعالها، وليس أقوالها». وسارع قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي إلى الإعلان أن بلده لا يسعى لتوسيع الحرب، «لكنه سيردّ على أي تهديد ضد إيران». هو قال ضد إيران، وليس ضد أذرعها، كأن ما يجري هو مواجهة «خاصة» بين الميليشيات وبين الولايات المتحدة، ولا علاقة لإيران بها.
يواصل الحوثيون في اليمن مهاجمة السفن في البحر الأحمر، وكذلك تتواصل المواجهات على الجبهة اللبنانية، كالعادة. هذا «الروتين» ينتظر الآن اتفاق المخطوفين ووقف إطلاق نار طويل، يمتد بين 6 أسابيع وشهرين. هذه الفترة الزمنية هي أكثر من هدنة إنسانية، ويمكن أن تنضج خلالها مسائل سياسية تتخطى ساحة القتال في غزة.
يبدو «توزيع العمل» في كل محور واضحاً. حزب الله يشتبك مباشرة مع إسرائيل، والحوثيون والميليشيات الشيعية في العراق يتعاملون مع الحزام الأمني الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، بينما إيران لا تدفع ثمن تشغيل أذرعها عن بُعد. ويحرص توزيع العمل هذا على عدم الخروج عن حدود حرب منخفضة القوة، وبذلك يسمح للتنظيمات، التي لا تنتمي إلى دول، بالعمل كجبهة واحدة مع «حماس»، وفي الوقت عينه، هو لا يقدم ذريعة للولايات المتحدة وإسرائيل من أجل الدخول في حرب واسعة النطاق على عدة جبهات.
لو أن هذه الأمور تجري في لعبة كومبيوتر، حيث يجب على كل طرف أن يجمع نقاطاً من خلال ضربات تكتيكية، فإن هذه المناوشات يمكن أن تستمر بحجمها الحالي من دون حسم. لكن كما قال حسن نصر الله في أحد خطاباته «الكلام هو للميدان»، لكن الميدان ليس فقط غارات ومسيّرات وقصفاً مدفعياً ومصابين. الضغوط السياسية في بيروت، وفي القدس وبغداد وصنعاء وواشنطن، تتصاعد وتطالب بنصيبها من إدارة المواجهات.
في حالة لبنان، الجبهة التي توجد فيها الإمكانية الأعلى لنشوب حرب، فإن مجموعة الضغوط تربط بين قرى في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية في بيروت، وبين المسيحيين والشيعة، وبين مسعى انتخاب رئيس للجمهورية والحكومة، وبين الفيتو الذي وضعه حسن نصر الله على أي اتفاق، أو مفاوضات سياسية، ما دامت الحرب في غزة مستمرة. في الهدنة السابقة التي رافقت إطلاق المخطوفين والأسرى، أوقف حزب الله النار هو أيضاً، ثم استأنفه بعد انتهاء وقف إطلاق النار.
منذ ذلك الوقت، توسعت دائرة المواجهات، وعمّقت إسرائيل هجماتها في داخل لبنان، ودمرت مبانيَ كثيرة في القرى الجنوبية، وأصابت أهدافاً عسكرية ومدنية في عمق لبنان، بينما أدخل حزب الله إلى المعركة صواريخ دقيقة من طراز فلق 1 و2 التي لم يستخدمها حتى الآن، وأصاب منشأة للمراقبة الجوية في جبل ميرون، فضلاً عن مهاجمة كريات شمونة ومستوطنات أُخرى. لا تزال معادلة إطلاق النار تحافظ على خطوط الحدود «المتفق عليها»، ولم تصل بعد إلى حرب واسعة النطاق وهجمات كثيفة على لبنان كله، وإطلاق صواريخ بعيدة على عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
في هذه الأثناء، ينتظر المشهد السياسي في لبنان حدوث انعطافة. في يوم الثلاثاء، اجتمع سفراء الدول الخمس، السعودية وقطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة، التي أخذت على عاتقها إنقاذ لبنان من الأزمة السياسية والاقتصادية، مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
يوجد توتر غير معلن بين السفراء أنفسهم، ليس بسبب المسائل الجوهرية، بل أيضاً بسبب مَن يقود العملية. السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون تنافس السفير السعودي وليد البخاري الذي يتصرف بصفته صاحب البيت. في مواجهتهما، يحرص السفير الفرنسي هرفيه ماغرو على موقف بلده الذي يعتبر نفسه الراعي الأول للبنان. وكذلك قطر، الشريكة في مشروع الغاز اللبناني المؤجل، فإن لديها ما تقوله.
وعلى ما يبدو، إن بارقة الأمل الضئيلة التي برزت في الاجتماعات السابقة بشأن التوصل إلى اتفاق سياسي تبددت، والأمور بدت أقل تفاؤلاً مؤخراً...
إن وقفاً لإطلاق النار في غزة يمكن أن يقدم لنصر الله الذريعة المناسبة لوقف معارضته القيام بخطوات سياسية ما دامت الحرب مستمرة، وسيشكل بذلك فرصة للتوصل إلى صفقة لانتخاب رئيس للجمهورية. ويمكن أن تشكل الهدنة فرصة أيضاً للدفع قدماً بمفاوضات بشأن ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، واستكمال هذه المفاوضات يمكّن، على الأقل نظرياً، من تطبيق القرار 1701، وخصوصاً الجزء المتعلق بنشر الجيش اللبناني قواته على طول الحدود مع إسرائيل، خطوة لم ينفّذها لبنان حتى الآن، بحجة أنه لم يتم الاتفاق على خط الحدود الدولية، وأن الخط الأزرق الذي جرى ترسيمه مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في سنة 2000، ليس خط الحدود الدولية.
وسيكون لوقف إطلاق النار تأثير مهدىء أيضاً في الحوثيين، الذين تسببوا بالضرر الاستراتيجي الأكبر، والذي يمكن الشعور بتداعياته جيداً في عدد من دول المنطقة، كما سيساعد على استكمال المفاوضات لإنهاء الحرب في اليمن. وقف إطلاق نار طويل لمدة 6 أسابيع، أو أكثر، يشكل فترة زمنية كافية تسمح بالدفع قدماً بخطوات سياسية، وهو سيجبر الإدارة في واشنطن على استغلاله من أجل استخدام كامل قوتها الدبلوماسية كي تبلور مع الدول العربية، في الأساس مصر وقطر والسعودية، آليات لإدارة فلسطينية في القطاع. والهدف الطموح الأساسي لهذه الخطوة، هو الإلغاء الكامل، أو على الأقل، تقليص الحاجة إلى استئناف القتال بحجمه الحالي عند انتهاء وقف إطلاق النار. وسينتقل التحدي من الحاجة إلى التخطيط لـ»اليوم التالي للحرب» إلى التخطيط لليوم التالي لوقف إطلاق النار.

المصدر هآرتس
اعداد م . د . ف