بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 آب 2022 12:00ص 19 رئيساً عرفهم لبنان منذ 1926 بينهم ستة في زمن الانتداب - 9 -

اتفاق الطائف أنهى فراغاً لـ409 أيام.. والهراوي رئيساً بعد اغتيال معوّض

إلياس الهراوي إلياس الهراوي
حجم الخط
حدّدت المادة 73 من الدستور المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وفق النص الآتي: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، مما يعني انه مع حلول الأول من أيلول المقبل، يمكن لرئيس مجلس النواب أن يحدّد جلسة انتخاب الرئيس الجديد في لبنان.
منذ أول رئيس للجمهورية في العام 1926 في زمن الانتداب الفرنسي (1918-1943)، حتى الآن عرف لبنان 19 رئيسا كان أولهم شارل دباس وآخرهم ميشال عون.

منذ منتصف ليل 22/ 23 أيلول 1988، كانت مرحلة جديدة في تاريخ لبنان السياسي، حيث غادر الرئيس أمين الجميل قصر بعبدا بعد شكّل حكومة عسكرية برئاسة العماد عون، تاركاً «الوضع في ظل حكومتين» لتشهد البلاد مزيداً من الانقسامات والشرذمة، لم تفلح كل المحاولات لرأبها وكان أبرزها المحاولة العربية التي دعت رئيسي الحكومتين سليم الحص وميشال عون الى تونس، لكنها لم تتوصل الى نتيجة عملية، وفشلت اللقاءات والمبادرات الحوارية للوصول الى حل وكان أبرزها في 17 آذار 1989، حيث عقد لقاء في بكركي ضم حشداً كبيراً من النواب والسياسيين.
قرار إنهاء الأزمة اللبنانية ومؤتمر الطائف
في 23 آذار 1989 عقد مؤتمر القمة العربية غير العادية في الدار البيضاء، وكان واضحاً من انعقاد هذا المؤتمر ان قرار إنهاء الأزمة اللبنانية قد اتخذ ووجب إقفال ملفها نهائياً، وجاء في مقررات القمة انه تقرر تشكيل لجنة عربية ثلاثية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والملك المغربي الحسن الثاني، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد مهمتها مساعدة لبنان على الخروج من أزمته وإنهاء معاناته الطويلة، وإعادة الأوضاع الطبيعية إليه وتحقيق الوفاق الوطني بين أبنائه ومساعدة الشرعية اللبنانية القائمة على الوفاق وتعزيز جهود الدولة اللبنانية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وبسط سلطة الدولة اللبنانية كاملة على جميع التراب اللبناني بهدف حماية أمتها واستقرارها بنوابها وسلطتها الفعلية ومؤسساتها المركزية على كامل التراب اللبناني، تمهيداً لإعادة إعمار لبنان وتمكينه من استئناف دوره الطبيعي ضمن الأسرة العربية. وهكذا باشرت اللجنة العربية عملها وأوفدت الأخضر الإبراهيمي لبدء المساعي والاتصالات مع كل أطراف الأزمة اللبنانية، فأصدرت في مطلع شهر أيلول 1989 قرارات بدعوة النواب اللبنانيين الى الاجتماع في الطائف في الثلاثين من شهر أيلول 1989، بعد أن أعلنت وقفاً لإطلاق النار ورفع الحصار البحري المتبادل وفتح مطار بيروت الدولي والإشراف على وقف إطلاق النار. وفي 17 أيلول وصل الابراهيمي وبدأ مساعيه، وكان مؤتمر الطائف الذي بدأ أعماله صباح 30 أيلول 1989 بحضور 68 نائبا من أصل 73 نائبا وانتهى بإنتاج وثيقة الوفاق الوطني.
كان قسم من النواب الذين حضروا مؤتمر الطائف، غادروا الى باريس، ومن هناك قرّر «نواب باريس» عدم المشاركة في جلسة مجلس النواب، إلا بعد عودتهم الى منازلهم، وعلى أن تتم الانتخابات في المقر الرسمي لمجلس النواب في بيروت. وبالتالي فان خلافات وتفسّخات بدأت في صفوف النواب الموجودين في باريس، وبدا النائب رينيه معوض وحيدا في رغبة متابعة المسيرة والاقدام على انتخاب رئيس جديد ومعه صديقه بيار حلو وحده، بينما كان الآخرون بين رافض ومتردد، فاستنجد معوض بالرئيس حسين الحسيني الذي كان في بيروت يحضّر لإجراء الانتخابات الرئاسية.
انتخاب معوض في مطار القليعات
سارع الرئيس الحسيني بالحضور الى باريس، وبعد اجتماعات طويلة ومضنية تقرر أن يتابع النواب المسيرة التي بدأوها، وحدّد موعد الانتخاب، بينما كان مكان عقدها مجهولا, ووحده الرئيس الحسيني كان يعلم بمكان إجرائها. وأُعدّت طائرتان لنقل النواب من باريس الى لبنان، وعلى متن إحدى الطائرتين كان الرئيسان الحسيني ومعوض وعدد من النواب، وكان النائب السابق ادمون رزق كما يؤكد النائب السابق البير منصور «يجلس في المقعد الأمامي في الصف الأول وبدأ بالكتابة. احترنا في بادئ الأمر، ثم دنونا منه، فإذا به يعدّ خطاب الرئاسة لما بعد الانتخاب، وكان الرئيس معوض يطلّ عليه من حين إلى آخر ليتفقّد مسار الخطاب»، وفيما النواب صاروا في هذه الأجواء أبلغهم الرئيس الحسيني على تعبير البير منصور «انهم متجهون الى مطار القليعات، حيث أعدّت الترتيبات لإجراء الانتخابات الرئاسية».
بعد 409 أيام من الفراغ الدستوري عقد مجلس النواب في 5 تشرين الثاني 3 جلسات في مطار القليعات في شمال لبنان، دامت ساعة وربع الساعة، فانتخب في الجلسة الأولى السيد حسين الحسيني رئيسا لمجلس النواب بأكثرية 52 صوتا، ووجدت خمس أوراق بيضاء، وانتخب النائب البير مخيبر الذي كان غائبا عن الجلسة نائبا لرئيس المجلس بأكثرية 53 صوتا، ووجدت 4 أوراق بيضاء وورقة ملغاة، وفي الجلسة الثانية أقرّت وثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في الطائف، وسجل عدد من النواب بعض التحفّظات.
بعد ذلك، بدأت الجلسة الثالثة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، فنال النائب رينيه معوض 35 صوتا، والنائب جورج سعادة 16 صوتا، والنائب إلياس الهراوي 5 أصوات، وعلى الأثر جرت الدورة الثانية، سبقه إعلان من سعادة والهراوي بانسحابهما، ففاز معوض بأغلبية 62 صوتا ووجدت 6 أوراق بيضاء وغياب 14 نائبا، وبالمناسبة يروي المرحوم الدكتور سمير صباغ انه كان في تلك الفترة في دمشق، حيث التقى في حينه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، الذي أعلمه ان معوض سيكون رئيسا إذا جاء بكتاب تأييد من الرئيس سليمان فرنجية.
وأثناء وجود صباغ في باريس يلتقي بمعوض الذي يسأله عن لقائه بخدام، فيسرد له ما سمعه من خدام، فما كان من معوض إلا أن أخرج رسالة من جيبه، تبيّن انها من الرئيس فرنجية الذي أيّد وبارك انتخاب معوض.
اغتيال رئيس الجمهورية ونجاة الحسيني والحص 
صبيحة عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1989 عزم الرئيس معوض على استقبال المهنئين في القصر الحكومي في الصنائع، وبعد انتهاء الاحتفال، انتقل الرؤساء معوض والحسيني والحص الى التشاور في تأليف الحكومة الجديدة، خلافا لما كان مقررا، وهو أن يتوجهوا سويا الى منزل الرئيس معوض للتشاور هناك، فكان هذا التشاور إنقاذ للرئيسين الحسيني والحص، إذ ان مؤامرة الاغتيال كانت مُعدّة للجميع دفعة واحدة بحيث ينهار كل شيء: الاتفاق والشرعية والوطن.
وهنا عادت البلاد الى دوامة التفتيش عن رئيس جديد.
الهراوي بدلاً من عبيد 
بعد اغتيال الرئيس معوض، اعتقد الجميع بعد رفض النائب الراحل بيار حلو أن يكون رئيسا للجمهورية، ان جان عبيد هو الرئيس البديل، خصوصا أن نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام اتصل يومها بالرئيس رفيق الحريري في باريس، طالبا منه إحضار جان عبيد إلى دمشق بسرعة.
وفي مساء 23 تشرين الثاني 1989 وصل عبيد الى دمشق مع الحريري على متن طائرته الخاصة، وفي الليلة نفسها أيضا، وصل النائب إلياس الهراوي بصحبة ميشال المر الى دمشق، وانتهت الطبخة الرئاسية لمصلحة إلياس الهراوي.
(انتهى)