بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 أيلول 2023 12:00ص ألم يحن الأوان بعد لمساءلة المسؤولين عن الانهيار؟؟؟

حجم الخط
فتح التقرير الأوّلي الذي أعدَّته شركة ألفاريز بنتيجة عمليَّة التدقيق الجنائي التي أجرتها على حسابات مصرف لبنان كوَّةً واسعةً في جدار التَّعتيم الذي كان يحيطُ بما يحصل داخلَ مصرف لبنان، كوَّةٌ يمكن أن تكون كافيةً للولوج عبرها لسبر أغوار الفساد المالي الذي عشعش داخلَ أروقة المصرف على مدى ثلاثين عاماً، أقول يمكن لأن توافق المصالح ما بين السياسيين وأصحاب المصارف وكبار النافذين في الدَّولة يُضاعفُ حجم المُعوقات، ويزيدُ من جمهور عدمِ الراغبين في كشف الحائق وملاحقة المتورطين بالفساد، ورغم ذلك أقول أن العدالةَ آتيةٌ لا محالة. ولكن كي لا تُطعن العادلة من أهلها مرِّتين، أشيرُ إلى أنه أضحى لزاماً على الجهاز القضائي فتح باب التَّحقيق الجزائي على مصراعيه ليطال مجمل الارتكابات التي تسبَّبت بالانهيار المالي والمصرفي ولنَّقدي.
ولأن التاريخ لن يرحم، أنبِّه إلى أن تَقصير المعنيين في تحريك هذا الملف ومتابعته حتى خواتيمه أو سوء إدارتهم له، سيكون له انعكاساتٌ أخطر وقعاً على الشَّعب والوطن من الارتكابات الجرميَّة موضوع الملاحقة، والتي يبدو أنه لم يعد أمام المسؤولين عنها من مفر سوى وضع عجلاتها على سكَّة المسارات القضائّيَة ووفقاً للأصول، وخاصَّةً أن الارتكابات تنطوي على اختلاس وهدر للمال العام وإساءة استعمال السُّلطة، واعتماد سياسات وهندسات ماليَّة مشبوهة، وتبديد أموال عامَّة بصورة غير قانونيَّة... الخ، علاوة على أنها ساهمت في تسريع وتيرة الانهيار الشَّامل الذي يعاني منه الشَّعب اللبناني.
لقد نجح الحاكم السَّابق لمصرف لبنان بوسامته وهدوئه ودهائه في تصوير نفسه لدى الرأي العام والسياسيين أنه هالة ماليَّة ونقديَّة غير مسبوقة، ما مكَّنه من الاستفراد في السِّياسات النَّقديَّة، وحال دون كشف ارتكاباته، ومساوئ سياساته النَّقدية المدمرةِ وقراراته الخاطئة وتعاميمه المُرتجلة قبل فوات الأوان، بل دفعهم بنهايَة المطاف للتواطؤ معه وتوفير الحماية له، نظراً للخدمات والتَّسهيلات الماليَّة التي قدَّمها لهم، وهذا ما يفسِّر كل مظاهر الحماية السياسيَّة والقضائيَّة التي حظي بها مؤخَّراً. ورغم ذلك، لم تجد نفعاً المُحاولات التَّضليليَّة التي مورست لإخفاء ضلوعه وتورُّطه مع آخرين في عدد من السُّلوكيَّات الماليَّة التي يحظرها القانون ويعاقبُ عليها، وكذلك الأمر بالنسبة لمحاولات طمس الحقائق، وإعاقة تحريك الملفَّات الجزائيَّة التي فتحت في عدَّة بلدان غربيَّة، أو التَّقليل من شأنها. وأضحت ملاحقته وشركائه بمثابة مسلَّمة أو تحصيل حاصل، بغض النَّظر عما إذا كانت ملاحقتهم وجاهيًّاً أم غيابيًّا؛ الفارق الوحيد في الأمر هو أن الجهاز القضائي اللبناني والقضاة المعنيين سيتحمّلون وزر فراره ومحاكمته غيابيًّا ونجاته من العقاب إن حصل ذلك.
السُّؤال الذي يطرح ذاته اليوم، ماذا بعد تحريك الملف بحق رياض سلامه وشركائه؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال، وتوخيًّا للتَّجرُّدِ والموضوعيَّة، لا بدَّ من التَّأكيد على أن رياض سلامة ليس المُرتكب الوحيد، وليس الأخطر من بين المُرتكبين، إذ ثمَّة أشخاص آخرين كثر ينبغي ملاحقتهم بالتَّوازي مع ملاحقته وشركائه الذين كٌشِفت هويَّاتُهم، وباقي الشُّركاء الذين لم تكشف هويَّاتهم بعد.
إن محاولة إلباس الحاكم السَّابق للمصرف المركزي ثوب إبليس، تمهيداً لتحميله وزرَ الانهيار والاكتفاء برجمه دون باقي المتورطين، ما هي إلّا ذرٌّ للرماد في العيون، بغرض تضليل الرأي العام وحرف الأنظار عن حقائق الأمور، وتمهيداً لتمكين الزُّمرِ التي توالت على السُّلطة منذ ثلاثة عقود من التَّملُّصِ من تبعات سياساتها المدمِّرة وخروقاتها للدستور وانتهاكها للقوانين النَّافذة، وتبذيرها للثّرَوات الوطنيَّة ونهبها لخيرات الدَّولة وتبديدها لأموال المودعين في المصارف.
إن تحقيق العدالة الجنائيَّة وفق الدستور اللبناني تقع على كاهل الجهاز القضائي حصراً، وبالتالي ستكون سمعة هذا السِّلك وقضاته على المحك، ولا يتصورنّ أحدٌ أنه ستتاح فرصة أفضل للقضاء اللبناني لكي يثبتَ ذاته، ويستعيد هيبته، بتحقيق العدالة وإحقاق الحق وإعادة الحقوق لأصحابها، وخاصَّةً أن القضايا المطروحة في هذا الإطار، لم يسبق أن شهدت المجتمعات البشريَّة ولا الدُّول، قديمها وحديثها، قضايا جزائيَّة - ماليَّة بأهميَّتها.
إن تحقيق العدالة بتجرُّد وإنصاف يستوجب عدم حصر الملاحقة بالجرائم المنسوبة للحاكم وشركائه، بل يستوجب إطلاق المُلاحقات في كافَّة الارتكابات وبحقِّ من أعلنت أسماؤهم كمشتبه فيهم أو ممن لم تكشف هوياتهم بعد، وإظهار الحقائق كاملة وتمهيداً لمساءلة جميع المُرتكبين الذين ينبغي مساءلتهم عن الانهيار.
إن حالة الانهيار المُتعدِّد الأوجه التي يشهدها لبنان اليوم هي نتاج التَّماهي في صراعٍ محموم على السُّلطة، وتقاسم المغانم بين النافذين سياسيًّاً، لذا نرى أن تحمَّلَ مسؤوليَّتها يقعُ في المقام الأول، السياسيين النَّافذين أي الرموز المُتحكمين في اللعبة السِّياسيَّة في لبنان منذ ما يقارب ثلاثة عقود، لأن الباقين بمثابة أتباع لهم أو مندوبين عنهم، سواء كانوا وزراء أو نوَّاب أو موظَّفين يشغلون مناصب وظيفيَّة رفيعة، يقتصر دورهم على تنفيذ توجيهات أولياء نعمتهم الذين نصَّبوهم أو سمّوهم لتبوؤ المناصب التي شغلونها ولو لقاء منافع شخصيَّة، وأن مواقفهم وقراراتهم كانت من وحي الإملاءات التي كانت تُملى عليهم؛ وفي المقام الثاني في تحمُّلِ المسؤوليَّة يأتي مجلس النُّواب باعتباره المؤسَّسة المعنيَّة بالمصادقة على الموازنات السَّنويَّة وقطع الحساب في أونها، وقد تخلَّف عن القيام بهذا الواجب لسنوات عديدة متتالية؛ وفي المقام الثالث تقع مسؤوليَّةُ مجلس الوزراء كونه المولجُ في تبنّي وإقرار الموازنة سنويًّا وإحالتها إلى المجلس النيابي لمناقشتها والتَّصديق عليها، وفي المقام الرابع يأتي دور وزارةُ الماليَّة المسؤولة عن بلورة السّياسات الماليَّة وعرضها على مجلس الوزراء لمناقشتها وتبنّيها، وترجمتها في الموازنات السَّنويَّة، وفي هذا الإطار يعتبرُ الوزير مسؤولاً، مع العاملين في الوزارة عن إعدادها وعرضها على مجلس الوزراء الذي بدوره يجري بعض التَّعديلات عليها، ومن ثم يحيلها إلى المجلس النيابي ضمن المهلة المُحدَّدة دستوريّاً لمناقشتها وإقرارها، وكذلك الأمر بالنِّسبة للحساب الختامي وقطع الحساب الذي يتوجب إقراره في نهاية كل سنة ماليَّة، هذا الخلل مكَّن الحكوماتِ المتعاقبة من التَّلطي خلف مبدأ الصَّرف وفق القاعدة الإثني عشريَّة، ولو بصورة مُخالفة لروحِيَّته؛ وبعدهم تقعُ مسؤوليَّة حاكميَّة مصرف لبنان (الحاكم ونوابه)، وبعدها مسؤوليَّةُ كل وزير أو موظَّف أقدم على الانفاق خارج إطار بنود الموازنة، ولم يتوخَّ المصلحة العامَّة من عمليات عقد النَّفقاتِ والصَّرف، أو وافق على ذلك الانفاق وكان بإمكانه وقف عمليَّة الصَّرف غير القانونيَّة.
إن الدَّولة والرموز السياسيَّة والمُتنفذين فيها كانوا أسرى نظام تحاصصي مدمِّر، تحكَّمت به المنافع الشَّخصيَّة والمصالح الفئويَّة، لذا لم يتورَّعوا عن تطبيق اتِّفاق الطَّائف على خلاف الرُّوحيَّة التي قام عليها، وتفريغ الدستور من مضامينه وآليَّاته، والإشتراك في تعطيل الاستحقاقات الدُّستوريَّة وإحداث الشُّغور في المؤسسات الدستوريَّة وتعطيلها، وشلِّ القطاع العام وأفساده بزرع عملائهم فيه بعيداً عن أية معايير وظيفيَّة، وخرق القوانين، وأثقال القطاع العام بجحافل من المُتعاملين غير الكفوئين، وأفراز نمطٍ ميليشياويٍّ في تسيير مرافق القطاع العام بتغلغلهم في مختلف إدارات الدَّولة ومؤسَّساتها وأجهزتها ومجالسها وهيئاتها وصناديقها. والأخطر من ذلك، أنه رغم علمهم النافذين بخطورة التَّماهي بالسِّياسات التَّعطيليَّةِ والاستِدانة الماليَّة، تعمَّدوا تجاهل كل الإنذارات التي كانت توحي باقتراب موعد الانهيار الذي بدا أنه حالٌّ لا محالة، وأصرّوا على إنكار حالة الإفلاس التي أوصلوا الدَّولة إليها، واستنكفوا عن اتِّخاذ أيَّة خطوات إصلاحيَّة بغرض تصويب الأداء السيِّاسي عامَّةً والمسارات الماليَّة على نحو يعيد التَّوازن إلى الماليَّة العامَّة. وأبدوا عجزاً في تبنّي خيارات مجدية في تعاملهم مع الأزمات أو إدارتها وفق منهجيَّات علميَّة.
مجلس النُّواب هو من أفسد الأعمال الرِّقابيَّة، بتقاعسه عن درسِ ومناقشة وإقرار الموازنات السَّنويَّةِ للدَّولة وفق المهل المُحدَّدةِ دستوريًّا، كما عن تخلّفه عن إقرار قطع الحساب بنهاية كل سنة ماليَّة، الأمرُ الذي أتاح المجال للحكومات في الصَّرف خارج إطار الموازنات السَّنويَّة، تحت عنوان الصَّرف على قاعدة الإثني عشريَّة على امتداد السَّنة على خلاف روحيَّة المبدأ الذي يحصر الصَّرف وفق هذا المبدأ بفترة وجيزة لا تتعدى الشَّهر الأول من السنة ولحين إقرار الموازنة الخاصَّة بها، كما أتاح المجال للمبالغة في الإستدانة رغم العجز السنوي المتراكم في الموازنة، خلافاً لروحيَّة النص الدستوري الذي يوجب أن يكون الصَّرف وفق الاعتمادات الملحوظة في الموازنة، وعدم تراكم الدين، الأمر الذي حرم مجلس النواب من القيام بواجبه الرقابي، كما أعاق عمل الهيئات الرقابيَّة عن مزاولة دورها في هذا الإطار، وبخاصَّة ديوان المحاسبة، والتَّفتيش المالي، الأمر الذي حال دون التَّحقُّق من حسن تنفيذ الموازنات السنويَّة، والوقوف على مدى قانونيَّة استخدام الأموال العامة وصرفها في الوجهة الصَّحيحة. هذا قبل الأزمة، أما بعد الأزمة فمسؤوليَّته تتمثل في عدم مواكبته للمستجدات، وخاصَّة لجهة عدم إقراره لقانون الكابيتال كونترول، فور انكشاف الأزمة، تجنُّباً لتهريب كبار المتمولين والمتنفِّذين لأموالهم التي كانت مودعة في المصارف إلى الخارج، وعدم إقراره لقانون يرعى آليَّةَ التَّعامل ما بين المصارف والمودعين لديها، الأمر الذي كان جنَّبنا انهيار القطاع المصرفي والكثير من المشاكل الأمنيَّة المرتبطة، كما عدم إقراره لقانون يضمن أموال المودعين في المصارف، الأمر الذي كان حال دون الفوضى التي حصلت في تهريب الإيداعات وصرف ما هو خاص بالنَّافذين على سعر 1500 ل.ل. وتحويلها إلى فريش دولار، كذلك عدم إقراره لقانون يحدُّ من تهريب السلع والمواد المدعومة، كما لم يبادر إلى إجراء التعديلات القانونيَّة اللازمة لتحديث النِّظام الضريبي، والحد من التَّهرب الجُمركي.
الحكومات المتعاقبة بدورها مسؤولة لكونها لم تعتمد سياسات ماليَّة رشيدة تحاكي التَّوازن في الموازنات السَّنويَّة، ولتخلُّفها عن إعداد الموازنات السَّنويَّة في مواعيدها الدستوريَّة، وكذلك الأمر بالنِّسبة للحساب الختامي الذي يوضح مجمل الإيرادات والنَّفقات عن السنة الماليَّة الفائتة، كما اعتمادها لسياسة الإفراط في الإقتراض بالعُملات الصَّعبة على نحو مبالغ فيه، يفوق قدرة الدَّولة على الإيفاء بها، وصرف تلك الأموال وفق معايير التَّحاصص بين المتنفذين في السُّلطة، كذلك لاعتمادها سياسات إنفاق باذخة وتبذيريَّة، الأمر الذي زاد من حجم المديونيَّة العامَّة إلى مستويات قياسيَّة، وأخيراً لتقاعسها عن وضع إطار محدَّد لسياسات مصرف لبنان النَّقدية تجنُّباً لتبنّي سياسات نقدية غير مؤاتية، ولإصراره على تجميد سعر الصرف رغم كلفته الباهظة، وقيامه بهندسات ماليَّة خدمة لبعض المصارف المحظيَّة، كما تداركاً للتعاميم العشوائيَّة التي استفاد منها أصحاب المصارف وميسوري الحال لا الفقراء، وهي مسؤولةُ لعَدم إشرافها على عَملِيَّاتِ التَّدقيق المالي المحاسيبي التي تخضع لها حِسابات المصرف المركزي، ولضمانِ إجرائها على وجهٍ من الشفافة والفعَّالة، وكذك لإصرارها على التَّمديد التِّلقائي للحاكم السَّابق لولاياتٍ متعاقبة امتدَّت لقرابة الثلاثين عاماً.
وزارة الماليَّة تعتبرُ مسؤولةً باعتبارها المسؤولة عن رسم السِّياسات الماليَّة للدَّولة بما يحفظ استقرارها المالي وفق ما تمليه خصوصيَّة الأوضاع التي تمرُّ بها، وتحديد ملامح الموازنات السَّنويَّة على ضوء مقارنة جموع الجبايات بجموع الإنفاق؛ وهي مسؤولةٌ بأشخاص وزراء الماليَّة المتعاقبين بالإضافةِ إلى المدراء والموظَّفين المسؤولين عن إعدادِ الموازنات ومراقبة عقد النَّفقاتِ والصَّرف، لعدم إنجازهم الموازنات السَّنويَّة ورفعها إلى مجلس الوزراء ضمن المهلِ الدستوريَّة، كما عدم حرصهم على التَّناسب ما بين الإيرادات والنَّفقات؛ كذلك لموافقتهم على صرف الاعتمادات من قبل الوزارات خلافاً لأحكام قانون المحاسبة العموميَّة الذي يوجبُ الاستناد إلى موازنات مُقرَّة مُسبقا، لا إلى مشاريع موازنات، وكذلك لتخلّي وزراء الماليَّة عن صلاحيَّاتهم في ما خص السِّياسات النَّقديَّة والتي يوجب أن تقرَّرَ بعد التَّنسيق ما بين الوزير وحاكم مصرف لبنان، الأمر الذي أدّى إلى تفرّد الحاكم بها، وتبنّي خيارات نقديَّة خاطئة، كما لتخلّيهم عن دور الوزارة الرقابي، والذي يخوِّلهم وقف صرف أية اعتمادات خارج إطار بنود الموازنة، وتهميش دور مراقبي عقد النَّفقات، ما حال دو تمكين الوزراء أنفسهم من الإطلاع على مكامن هدر المال العام، كما حال دون إحالتهم للمُخالفات إلى المراجع القضائيَّة المختصَّة لملاحقة المرتكبين أو الضالعين فيها، وأخيراً لإحجامهم عن اتِّخاذ خطوات ماليَّة تصحيحيَّة فاعلة وإن اقتضت إعادة هيكلة مالية ونقدية، ولاستنكافهم عن الاستفادة من الفرص التي أتيحت للبنان، والتي لو أحسن استغلالها لكانت كفيلةً بالنُّهوض به من كبوته الماليَّة مُستفيداً من حجم الودائع المُستقطبة، واستثمارها في مجالات منتجة بدلاً من حصر استثمارها في سندات الخزينة بفوائد مُرهقة لها. 
حاكميَّة مصرف (أي الحاكم وأعضاء المجلس المركزي) وتكمنُ مسؤوليَّتها في اعتماد سياسات نقديَّة خاطئة، وخضوعها لإملاءات بعض السياسيين والتَّماهي في سياسة تمويل الدَّولة لثلاثة عُقود، وموافقاتها المُتكرِّرة على تخصيص مؤسَّسة كهرباء لبنان بسلفات خزينة لتغطية عجزها المالي، ولرفعها لمعدَّلِ الفائدة إلى مستويات قياسيَّة مقارنةً مع النِّسب المُعتمدة دوليًّا. ولا نغفل مسؤولية مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي، لامتناعه عن إبداء أيَّة اعتراضات على السِّياسات النَّقديَّة التي اعتمدتها حاكميَّة مصرف لبنان، رغم مخالفتها لروحيَّة قانون النَّقد والتَّسليف وما تنطوي عليه من هدر للمال العام.
الوزراء والموظَّفون يتحمّلون مسؤوليَّة إنفاقهم غير المجدي، وخاصَّة ما كان يجري خارج إطار بنود الموازنة، وبعيداً عن مقتضيات المصلحة العامَّة، وجميع المسؤولين عن عمليات الصَّرف وعقد النَّفقات، وأولئك الذين أبدوا موافقاتهم عليها في الوقت الذي كان يفترض بهم وقف عمليات الصَّرف التي كانت تتم بصورة غير قانونيَّة، وفي طليعتهم العاملون في ديوان المحاسبة والتفتيش المالي ومراقبي عقد النَّفقات في شتى الوزارات.
كل هذه الإيضاحات نضعها بتصرف عموم الشَّعب اللبناني للإطّلاع عليها وبناء مواقفه تجاه المسؤولين عن الانهيار على أساسها.