بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2023 12:00ص أنا البيروتي

حجم الخط
هذا المقال نُشر في جريدة «اللواء» بتاريخ 5 حزيران 2008، وأعيدُ نشره دون أي تعديل من منطلق التذكير إن نفعت الذكرى.
اسمحوا لي، بعد أن التقطت أنفاسي من هول ما حصل، وقبل أن تجف دماء «ضحايا» بيروت (الذين لا يستحقون المواساة أو كلمة اعتذار أو أن يقال عنهم أنهم «شهداء»)، وقبل أن تنضج «طبخة» التسويات وتوزيع الحصص والمغانم والمكاسب، وقبل أن يطوي النسيان (لدى البعض) صفحات ما حدث (أسوة بما حصل في اجتياح بيروت 1982)، أن أقول ما يلي بكل وضوح وصدق واقتناع:
أنا البيروتي أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن المسيح بن مريم هو كلمته، وأن مريم بنت عمران هي خير نساء العالمين، وأن الحسن والحسين إبنا الخليفة الإمام علي بن أبي طالب هما سبطا رسول الله وريحانتاه وسيّدا شباب أهل الجنة.
أنا البيروتي اُشهدُ الدنيا بأسرها دون أي تردد وبدون أدنى شك، أن الحركة الصهيونية هي شرّ مطلق وأن إسرائيل هي عدوة الله وعدوة لبنان. واُشهدُ الدنيا أن سوريا هي شقيقة مميزة للبنان بحكم التاريخ والجغرافيا والأواصر العائلية، هي كذلك في السرّاء والضرّاء، وبغض النظر عن صفاء العلاقات أو تعكيرها، وفي ظل وجود تمثيل ديبلوماسي أو غيابه. واُشهدُ الدنيا أن إيران (وأية دولة أخرى) هي صديقة للبنان طالما اعترفت بنهائية عروبته واستقلاله وسيادته ولم تتدخل في شؤونه الداخلية ولم تتضارب مصالحها مع مصالحه.
أنا البيروتي أعلن أن الهوية البيروتية ليست بحكم محل الولادة، ولا هي من واقع سجلات الأحوال الشخصية أو بفعل لعبة نقل محل الإقامة، بل هي في الهوى والنزعة والثقافة والممارسة والإنسجام والتجانس وحسّ الإنتماء و«النَفَسْ البيروتي».
أنا البيروتي أعلن أنني أصبت حين أصيب أخي البيروتي، وأنني استُبحت حين استبيح أخي البيروتي، وأنني أهنت حين أهين أخي البيروتي، وأنني وإياه استُهدِفنا في صدقية عروبتنا وإسلامنا.
أنا البيروتي توقعت (دون جدوى) اعتذاراً أو إلتفاتة لياقة تجاه بيروت وأهلها، «لكن يَرضى القتيل وليس يرضى القاتل»، فقد حدث العكس ويتوقعون مني الإعتذار عن مواقفي وأن أسعى لطلب المسامحة والتوبة والمغفرة!
أنا البيروتي أعلن أن مبادئي ليست للمساومة، وأن مشاعري هي ملكي وحدي وهما ليستا للتجيير لأي من القيادات السياسية أو الدينية، وليستا سلعة في سوق اللقاءات والإتفاقيات والمؤتمرات، وأنني قد أسامح ولكن حتماً لا يجوز أن أنسى.
أنا البيروتي أتمنى على المسؤولين كافة أن يختاروا عاصمة جديدة ينقلونها إلى المكان الذي يرغبون فيه، ربما ينتهي البيارتة من مشاعر الحقد والحسد الذي يرافق مقولة أن بيروت «هي بنت الست بينما المناطق بنت الجارية»، وربما ننتهي من الإشكالية الكامنة في نظرة بعض اللبنانيين إلى بيروت على أنها للجميع لأنها «العاصمة» (حين يرغبون في العمل والاستثمار والسكن والاستشفاء والدراسة)، ثم بقدرة قادر تنقلب نظرتهم فتصبح بيروت مجرّد «مدينة» لفئة معينة (حين يطالب البيارتة بحق إعادة إعمار ما تهدّم وتعويضهم عن الأضرار وحلّ مشكلة المهجرين ومعالجة نقص المدارس وغيرها من الخدمات والأمور الحياتية). وحين تأخذون العاصمة بعيداً عنا أيها السادة وتعيدون إلينا مدينتنا بيروت، ربما حينئذ تصبح للبيارتة فرصة للعمل في مدينتهم، وتتاح لهم الأولوية في وظائف بلدية بيروت ومصلحة مياه بيروت ومحافظة مدينة بيروت، وأفضلية العمل في المؤسسات والجمعيات الأهلية المسجّلة في بيروت، والأهم من ذلك كله أن يتمكن أبنائهم وأحفادهم من السكن في مدينة بيروت، إضافة إلى أحقية وحصرية تمثيل البيارتة لنبض بيروت وفكر بيروت ومواقف بيروت، من دون أي ادّعاء أو تطفّل أو مصادرة من الآخرين.
أنا البيروتي أستشهد بالتاريخ لأعلن أن ما من أحد غالب بيروت إلّا غلبته وأذابته في نسيجها، أو لفظته وأطاحت به.
أنا البيروتي أعلن للملأ أن جرحي عميق، وغضبي مستعرّ كامن، وأنني احتفظ لنفسي بحق الرد (ضمن روحية رقيّ وثقافة وحضارة وانفتاح بيروت) على ما تعرضت له من استباحة وترويع (وفق خطة مدروسة ومبرمجة واستباقية، وعن سابق تصور وتصميم)، وسأردّ بالشكل الحضاري المناسب، والحجم المناسب، والوقت المناسب.
وأخيراً، في حين كان محالاً أن تطال يد الغدر نفوس أهالي بيروت وأرواحهم وأفئدتهم، فإن رياح بيروت وشمسها وغبارها ستتكفل بتطهير قلب بيروت وشوارعها وأزقتها وحيطانها من الأعلام والشعارات والصور المستحدثة، والتاريخ الذي لا يرحم سيتكفل بسمعة وفضح دور الغزاة وجحافلهم.
إحذروا غضب الحليم..