بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيلول 2022 08:06ص أيلول يُعَمّق جراح اللبنانيين: أين مراجعة الذات؟

حجم الخط

لم يكن ينقص لبنان اليوم سوى السجالات الأخيرة التي حملها شهر أيلول كما كل في عام والتي تختصر أزمته الوطنية الكبرى الناتجة عن تناقض مكوناته وهي المسبب الأول لكارثته الاقتصادية الغارق فيها.

مناسبات ثلاث شهدها هذا الشهر الذي يطوي صفحته، أدت دورها في إعادة رسم التاريخ اللبناني الحديث، مثلما تختصر في كل عام الخلاف الداخلي الجذري في النظرة الى الوطن والى شهدائه بما يُعَمّق الجراح وبما يشير الى خلاف اكثر استفحالا حول الهوية الوطنية وخياراتها وأولها الصراع العربي الإسرائيلي.

نعيش اليوم الذكرى الـ 40 لانطلاقة "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" بأطيافها المختلفة بعد ساعات على احتلال جيش العدو الإسرائيلي العاصمة العربية الثانية بعد القدس العام 1982.

جاء هذان الحدثان المفصليان على أثر ثالث لهما تمثل في اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب حديثا حينها بشير الجميل.

ففي شهر أيلول من كل عام يستعيد اللبنانيون انقساماتهم الجذرية في النظر الى طبيعة الكيان الجامع لهم، وهو انقسام لا يغيب لحظة إلا أنه يتخذ مما حدث في هذا الشهر قبل عقود أربعة دوماً مناسبة لتعميق الفجوة بين المكونات اللبنانية التي جُمعت في هذا الكيان قبل نيف و100 عام.

على أن ذكرى أليمة تضاف الى ما حصل في أيلول ألا وهي المجزرة الوحشية في صبرا وشاتيلا. وشكلت هذه الذكرى قبل أيام في 14 من الشهر الحالي مناسبة جديدة لتظهير الخلافات مع ما رافق احتفال حزب "الكتائب" بالذكرى الأربعين لاغتيال رئيسه الأسبق في الأشرفية.

خلال الاحتفال علت النبرة السياسية الى درجة استُعيدت معها لغة التفرقة من قبل البعض بين اللبنانيين واستحضار "لبناننا ولبناننهم" والحديث عن الآخر الذي "لا يشبهنا". طبعا يجري ذلك في كل عام من دون لجوء اليمين اللبناني ومن بينهم "الكتائب" لمراجعة ضرورية، من باب النقد الذاتي الجريء، لكل ما حدث في الحرب التي يعتبر هذا اليمين أنه دُفع إليها دفعا لصد توطين فلسطيني مزعوم في لبنان بدلا من العودة الى فلسطين.

ومن دون الغرق في استعادة مسؤوليات ذاك الزمان، فإن مراجعة من هذا النوع بالغة الأهمية على أن تكون شبيهة بالتي أقدم عليها بعض اليسار الذي شكل رأس حربة في اندلاع الحرب، (محسن إبراهيم مثالاً الذي كان أحد اثنين أطلقا "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" وانتقد في العام 2005 استباحة البلد للسلاح الفلسطيني واستسهال اعتماد لغة السلاح سبيلاً للتغيير)، من شأنها التخفيف من وقع أي خطاب طائفي يؤجج النفوس كما أججها أخيراً.

ومثلما أن المراجعة ضرورية وهامة للمستقبل، فإن التخلي عن التهديد بالتقسيم لعدم التشابه مع الآخر والحديث المكتوم عن الكميّة والنوعيّة (وهو حديث لم يعد له معنى)، سيدفع الأخصام (الأعداء) إلى إعادة الحديث المقابل، في هجوم عكسي، عن التفوق الأخلاقي في الحروب وعن طبيعة دور المقاومة في وجه إسرائيل وما حققته من تحرير وحفاظ على النفوس. ولا نتحدث هنا عن مقاومة دون غيرها، وطنية كانت أم علمانية أم إسلامية، فتحرير العام 1985 لمعظم الجنوب اللبناني لم يحمل مجازر من هذا النوع كما تحرير بيروت العام 1982 ومن بعدها الجبل وصولاً إلى باقي الأجزاء من الجغرافيا اللبنانية.

هذا كان لبّ السجال الأخير بين الكتائبيين والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله عند تذكير الأخير بدور "الكتائب" من دون تسميته وطبعا دور "القوات اللبنانية"، بمذبحة صبرا وشاتيلا تحت الحراب الإسرائيلية ومقارنة ذلك مع تحرير العام 2000 في وجه الحراب نفسها. وطبعا جاء هذا الحديث لعزل أية محاولة من قبل القوات والكتائبيين للحديث عن رئيس مواجهة للحزب وسط الكلا المتكاثرم عن المرشحين للرئاسة.

على أنه سيكون من غير المفيد استعادة مصطلحات الحرب حتى لو كانت ردا على التهديد بالطلاق الذي أطلقه رئيس "الكتائب" سامي الجميل، علما ان طلاقا كهذا من شأنه تدمير البلد على الجميع.

في المقابل سيكون من المفيد استثمار فرصة انخراط "الكتائب" في معارضة المنظومة السياسية حتى لو كان بعد الحرب وفترة ما أحد مكوناتها، لجعلها مناسبة للحوار يدعو إليها بعض هذا اليمين الذي تورط في الحرب والذي يدعو "الكتائب" و"القوات اللبنانية" الى الشروع في حوار مع "حزب الله" يدغدغ هواجسه كون الحزب يقارب القضايا اليوم، وأولها رئاسة الجمهورية، برؤية مختلفة عن السابق حين كان الداعم الأساس لوصول العماد ميشال عون الى الرئاسة.

كما ان "الكتائب"، وهو الحزب الأعرق بين المكونات الرئيسية في البلد، ما زال متمسكا بإتفاق الطائف، وهو حزب ميثاقي كما كان الرئيس أمين الجميل يردد كثيراً، ما يضع على كاهله مهمة التصدي للدعوات التقسيمية التي لا تفعل سوى في استفزاز الآخر. وفي المقابل التشديد على وحدة اللبنانيين وراء الطائف الذي في حال تعديله أو استبداله سيكون ذلك على حساب المسيحيين قبل غيرهم، بغض النظر عن إمكانية هذا الأمر من عدمه.

واللبنانيون اليوم أكثر حاجة الى هذا الحوار وسط أكبر أزمة اقتصادية تمر بالبلاد، يقارب قضايا رئاسة الجمهورية والإستراتيجية الدفاعية واستجلاب المساعدات الخارجية وأيضا استثمار نتائج ترسيم الحدود البحرية، والأهم: صياغة عقد سياسي وإجتماعي بين اللبنانيين يجنبهم الإقتتال على فتات موائد الآخرين.