بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 آذار 2021 12:01ص إحذروا رقم 18... لبنان إلى أين؟؟ أوقفوا المهزلة!!!

حجم الخط
إنه الرقم 18، احذروه جيداً.. حاولوا أن تستبدلوه أو أن تستعيضوا عنه بأي رقم آخر، أياً يكن التعامل مع لعبة الأرقام. أما كيف ولماذا رقم 18 بالتحديد لأنه على ما يبدو بات يشكل التباساً أو هاجساً أو حتى ما يشبه نذير شؤم عند اللبنانيين، معظم اللبنانيين، بعد أن بات هذا الرقم يشكل سبباً أو مسبباً لكل ما تعيشه الساحة اللبنانية من مآزق سياسية واقتصادية وحياتية وأمنية وغيرها.

إذا ما عدنا إلى حكاية رقم 18، تبدو الصورة أكثر وضوحاً عندما يتراءى لنا جلياً أنه لا يمكن لأحد أن يتخطى سن المراهقة حتى السياسية منها إلا إذا ما تجاوز سن الـ18، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يسمح لأي كان في هذا البلد بأن يحصل على إجازة سوق إلا بعد تخطيه سن 18، وفي بلد كلبنان أيضاً لا يمكن إقرار أي قانون أو مشروع قانون مصيري أو حتى مفصلي يعود بالخير والأمن والاستقرار على البلاد والعباد إلا إذا حصل على إجماع من الطوائف الـ18 في لبنان، وإذا ما أراد الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيل حكومته العتيدة ما عليه إلا أن يطرح ويتمسك بشدة وإلحاح ومع الإصرار والتأكيد على حكومة مهمة أو أخصائيين من 18. ولكي يصل الرئيس المكلف إلى مبتغاه هذا عليه أن يعقد 18 لقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، وهذا ما حصل بين الرجلين، وعقد الاجتماع الرقم 18 «يوم الاثنين الأسود»، واستمر اللقاء الأخير بينهما 18 دقيقة من الجدل والعتاب. أما في طريق العودة من قصر بعبدا إلى بيت الوسط أمضى الحريري 18 دقيقة وهو يقود سيارته بنفسه حيث لم تكن هناك والحمد لله طرقات مقطوعة أو دواليب محروقة، ولم يكد الرئيس الحريري أن يدلي بدلوه من على منصة قصر بعبدا بكلام منفعل وناري حتى ارتفع ضغط اللبنانيين فجأة ووصل إلى 18، أضف إلى ذلك أنه بعد وصول الرئيس الحريري إلى بيت الوسط إثر ذلك اللقاء العاصف، كان لا بد من أن نسمع ونقرأ 18 تغريدة لـ18 من جهابذة السياسة في الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان، ناهيك بالوزراء والنواب والسياسيين، حيث تم نشرها وتوزيعها على ما يقارب 18 وسيلة إعلامية من قنوات تلفزيونية وأثير إذاعات ومواقع تواصل وصحف مكتوبة ووكالات أنباء، أضف إلى ذلك أيضاً أن العدد الحالي للنواب هو 118 نائباً من أصل 128 بعد ان تقدم ثمانية منهم باستقالاتهم من المجلس النيابي ووفاة اثنين.

أياً تكن تلك المعادلة، لا يمكن لأحد عدم الأخذ بعين الاعتبار أن الرقم 18 بات يشكل بحد ذاته قلقاً وإرباكاً لا بل وتشاؤماً يجب العمل على التخلص منه بشكل أو بآخر منعاً لأي صدام أو إشكال، عل وعسى أن يؤمن أي رقم آخر علامة فارقة تبدل المشهد السياسي اللبناني برمته على مختلف الصعد، وهنا لا بد للجميع من أن يجرب حظه مع رقم جديد آخر غير الرقم 18.

أما لماذا الإصرار على حكومة 18، فهذا الأمر غير واضح وغير مفهوم حتى الآن، وما هي الألغاز والأسرار التي تكمن وراء ذلك، فلماذا لا يصار مثلاً إلى اعتماد حكومة تؤلف من 12 أو 14 أو 16 وزيراً إذا ما كانت حكومة الـ20 أو 22 أو 24 وزيراً من شأنها أن تترك تساؤلات أو حساسية ما عند هذاالطرف أو ذاك في ما يتعلق بالثلث المعطل أو النصف زائد واحد أو اقتسام الحصص والمغانم وتوزيع الحقائب على الطوائف والمذاهب والأحزاب والتيارات السياسية، بينما المقصود على حد علمنا حكومة مهمة أو أخصائيين كما أعلن من قبل المعنيين بهذا الشأن أكثر من مرة، وبذلك لا تكون حكومة فضفاضة وحينها بالإمكان تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الخزينة اللبنانية التي هي بغنى عنها في هكذا أحوال وظروف اقتصادية ومالية متعثرة وصعبة للغاية لا بل كارثية بكل ما للكلمة من معنى.

قالها لي مرة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق براين أوركهارت (الذي رحل عن هذا العالم منذ أشهر) خلال وجوده في قاعة الشرف بالمطار إثر زيارة قام بها إلى بيروت، عندما سألته عن رؤيته للوضع في لبنان آنذاك وكان ذلك في مطلع الثمانينيات، قال الرجل باختصار أنتم في لبنان تحتاجون إلى ما يشبه المعجزة لحل مشاكلكم وأزماتكم لإنقاذ بلدكم، وعندما سألته عن السبب أجاب: أنتم 18 طائفة وما يقارب 80 حزباً وحوالى 800 رأي فكيف لأحد أن يجمعكم إلى طاولة واحدة للتفاهم على رأي موحد لحل أزمات لبنان ومشاكله. وكأني بالرجل عندما استذكر كلامه اليوم أنه كان يعني جيداً ما يقول. لكن رغم الصورة القاتمة التي أوحى بها السيد أوركهارت في حينه والتي ارتسمت أمامي من خلال كلامه المعبر، لا أزال على يقين بأن اللبنانيين جميعاً يتجذرون بوطن الأرز لبنان رغم تعدد التناقضات والخلافات والتشنجات بين معظم أبنائه وأطيافه، لا سيما السياسيين منهم، مع التأكيد أيضاً أنه عند تعرض لبنان لأي خطر حقيقي محدق لإزالته عن خارطة العالم عندها «الدم ما بيصير مي» والكل يعود ويلتقي على كلمة سواء حفاظاً وحماية وصوناً لهذا البلد الغريب العجيب بتشعباته وتناقضاته وأطباع أهله وكل ما يتميز به عن غيره من البلدان والأمم.

أما المضحك المبكي على صعيد ما نسمع ونقرأ هذه الأيام كان آخر إبداعات وإنجازات اللجان النيابية المشتركة الثلاثاء الماضي حين اعتمدت أسلوباً جديداً في المناورة والمراوغة «والضحك على ذقون الناس» من خلال تبديل تسمية استعادة الأموال المنهوبة من الخارج بعبارة: الأموال المتأتية من الفساد، وأرسلت مقترحاً بهذا الصدد إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي للبحث بإمكانية إقراره خلال جلسة الاثنين في 29 آذار 2021، مع الإشارة إلى أن هناك معاهدة دولية تضم 90 دولة وانضم إليها لبنان في 2008 للتحري والتعقب عن الأموال المنهوبة، ومع الإشارة أيضاً إلى أن لبنان لم يصدر أي قانون تطبيقي لهذه المعاهدة وهذا ما اعتبره النواب أول قانون تطبيقي على هذا الصعيد.

وهنا يأتي دور القضاء لتحديد ماهية الأموال المتأتية من الفساد، علماً أن هناك عدة قوانين أخرى كانت قد صدرت خلال الفترة الأخيرة عن المجلس النيابي وأقرت، أبرزها الإثراء غير المشروع والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية مكافحي الفساد ورفع السرية المصرفية والتدقيق الجنائي وغيرها من القوانين الأخرى.

أما الخوف كل الخوف هو أن ينضم مشروع القانون الأخير هذا إلى أسلافه من القوانين وأن يبقى حبراً على ورق وينام في الأدراج. وهنا على السلطتين القضائية والتنفيذية تكملة مهمة استعادة تلك الأموال المنهوبة علماً أنه من أبرز المواد التي ينص عليها القانون هو استرداد الأموال التي نهبت سواء أكانت لملكية الشخص المرتكب للفساد أم انتقلت إلى ملكية شخص آخر لكن الأساس في كل ذلك أن يعلن بوضوح أين الأموال المنهوبة أو تلك المتأتية عن الفساد كما سميت في مقترح القانون «المعجزة» وهنا يخشى أن يأخذ هذا المسار 18 جلسة نيابية أو أكثر لتنفيذه عملياً حتى ولو بعد إقراره.

على اللبنانيين جميعاً أن ينتظروا 18 ساعة أو 18 يوماً أو 18 شهراً أو 18 سنة مع تدخل مباشر من 18 دولة ورئيس وسفير لتشكيل الحكومة العتيدة في لبنان من جهة، وبالتالي استعادة 18 ملياراً من الأموال المنهوبة على الأقل إلى الخزينة اللبنانية والشعب اللبناني ومن ثم إحالة 18 من المسؤولين والسياسيين والمصرفيين الفاسدين على الأقل لمحاكمتهم أمام قضاء عادل لا تقل خبرة قضاته والأحكام الصادرة عنهم عن 18 عاماً على الأقل أيضاً وأيضاً.

إذن.. لا ينسى أحدكم أن تحذروا رقم 18، أوقفوا المهزلة!!