بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 شباط 2024 12:06ص الأميركيون يراهنون على الوقت للخلاص من نتنياهو

مساعٍ لوحدة فلسطينية تُفشل "اليوم التالي" إسرائيلياً

حجم الخط

تُطرح أسئلة كثيرة في غاية الأهمية عن طبيعة الحكم في قطاع غزة ما بعد الحرب على القطاع، لا تزال أجوبتها غامضة غموض الحرب ومآلاتها.

ترتبط الأجوبة بطبيعة المرحلة المقبلة نفسها في المنطقة بما يرتكز على التسوية التي ستقوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي ستأتي مهما طالت.

فالإدارة الأميركية، الديموقراطية اليوم وحتى الجمهورية على افتراض وصولها مستقبلاً، تريدان حكومة إسرائيلية تمتلك جرأة خوض مفاوضات جديّة مع الفلسطينيين لإحياء "مفاوضات السلام" تحقيقا لـ"حل الدولتين". وفي واشنطن يريدون التخلص من اكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا، إذا لم تكن الأكثر تطرفا على الاطلاق منذ قيام الدولة العبرية، على طريق إيجاد "حل" للنكبة الفلسطينية، ليس حبا بالفلسطينيين بل رغبة في تحقيق الحلم الأكبر بسلام إسرائيلي عربي.

الأمر معقد جدا، وأولى خطواته دوليا إيقاف الحرب على غزة الذي لن يكون تقليديا.

فوقف النار رسميا لن يكون كذلك، إلا ان الأميركيين يبغون تكريسه أمرا واقعا عبر هدن طويلة تجعل من الصعب على الإسرائيلي استئناف عدوانه بهذا الشكل القائم حاليا. بكلام آخر تنفيس الهجمة العسكرية عبر الوقت.

ثم ان نقاطا كبرى تُبحث في المفاوضات الباريسية حول شرط حركة "حماس" بتبييض السجون الإسرائيلية من المعتقلين، ووقف التجويع وانسحاب الجيش المحتل وعودة اللاجئين من غزة وقبل ذلك إدخال المساعدات بكثرة..

الهدفان اللذان وضعتهما الحكومة الاسرائيلية في القضاء على "حماس" واسترجاع الرهائن، والنقيض الذي عبّرت عنه الحركة، لن يتحققا بالكامل، وسيستطيع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إدعاء النصر مع إبداء "حماس" واقعية يُعمل على بلورتها عربيا ودوليا.

لكن نتنياهو خسر فعلا بمجرد عملية 7 أكتوبر، وهو اليوم يلملم خسارته ويقلص الكارثة على كيانه، بينما تستطيع "حماس" القول بانتصار بمجرد بقائها على قيد الحياة وتحريرها جزءا وازنا من أسراها.

برفضه الدولة الفلسطينية، ينقل نتنياهو الحديث إلى ما بعد غزة، تحديدا إلى مستقبل الصراع الذي يراه هو ويمينه صراع وجود.

والجمهور الإسرائيلي الذي ينحو براديكالية نحو اليمين، يرى أيضا ما يحدث بوصفه صراع وجود، ويؤيد، باستثناء من يتعاطف مع الرهائن لدى "حماس"، العملية العسكرية في غزة حتى القضاء على الحركة. وطبيعة هذا الجمهور تهدد أي اعتراف مستقبلي بدولة فلسطيني.

"حماس" تتراجع عن المشهد

من ناحيتها، إرتضت "حماس" بعدم الظهور بمظهر الحاكم المستقبلي في القطاع الذي سيُضم حكمه إلى الضفة الغربية تحت لواء السلطة الفلسطينية، على أن يُعترف به رسميا وعالميا وهو ما يُعمل عليه في دوائر القرار الدولية والعربية.

والحال أن تجنب الحكم ضرورة للحركة بعد التعثر فيه ورفضها من قبل معظم المجتمع الدولي رغم التعاطف مع مأساة غزة.

هنا بالذات سترتسم صياغة الحكم المقبل.

أوسلو.. ثم تدمير المفاوضات

في الماضي، تحديدا منذ سقوط حزب "العمل" الإسرائيلي أيام قوة اليسار في إسرائيل، بدأ العد التنازلي لـ"السلام" بين الفلسطينيين والاسرائيليين بعد قليل على توقيع اتفاق أوسلو العام 1993، الذي للمناسبة، تجاهل القضايا الكبرى للحل النهائي وتركها للحل النهائي مثل القدس واللاجئين والمستوطنات، وقضايا اخرى مثل الأمن والحدود والمياه.

فقد راهن الفلسطينيون على "وضع الرِّجل" في أرضهم، ضمن مقولة "خذ وطالب" على طريق تحقيق دولتهم استنادا الى القرارات الدولية. لكن مع اغتيال زعيم حزب "العمل" إسحاق رابين العام 1995 على يد اليمين المتطرف، ثم سقوط خليفته وصائغ أوسلو معه، شيمون بيريز، نتيجة اهتزاز ثقة الإسرائيليين به على اثر عمليات حركة "حماس"، ووصول اليمين الاسرائيلي ورمزه الصاعد نتنياهو، بدأ الانحدار الكبير الذي تخللته الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000...

كان للانقسام الفلسطيني بين الحركتين الكبريين، "فتح" وحماس"، ضرره العميق على القضية الفلسطينية، وبينما تصاعد تأييد "حماس" لدى الفلسطينيين لمقاومتهم وجديّتهم، لم يعد لـ"فتح" دورا كالسابق في الوقت الذي وُسمت فيه السلطة الفلسطينية (ونواتها من "فتح") بمآثر الحكم والابتعاد عن الصراع..

من ناحيتها، فإن نشوة "حماس" بالشعبية والسيطرة عسكريا على غزة والحكم، إتضح أنها وهمية بلا الشركاء التاريخيين، وأصبح على الجميع التعلم من الماضي لتوحيد الصف في سبيل إبقاء القضية حيّة وسط ظروف صعبة جدا داخليا وخارجيا.

وبما أن الوحدة الفلسطينية هي التي تحفظ الشريك الفلسطيني، خاصة برعاية عربية، بما يُفشل المخطط الإسرائيلي بإسقاط الشريك في المفاوضات وجعل الأراضي الفلسطينية بلا حكم، لا بل تهجير الفلسطينيين، من المقرر أن تحتوي "منظمة التحرير الفلسطينية" "حماس" و"الجهاد الإسلامي" على ان تصبح المعارضة في إطار البرلمان الفلسطيني الذي يُعرف بالمجلس الوطني على الأرض الفلسطينية المحررة بعد انتخابات شفافة.

إصلاح السلطة

ثمة أولوية أيضا في موازاة كل ذلك تتمثل في الإصلاح الداخلي والتحديث لتتماشى مع إعادة الإعمار الهائلة التي يتم الحديث مع العرب ودول العالم في شأنها.

وبذلك تُقذف الكرة نحو الملعب الإسرائيلي حيث تراهن الولايات المتحدة الأميركية على إسقاط نتنياهو، ناهيك عن أولئك على يمينه، في سبيل إيصال قيادات إسرائيلية تقبل بحل الدولتين وتقبل بالمفاوض الفلسطيني، فلا حل سوى بذلك الذي من شأنه أن يسقط خطة نتنياهو الجهنمية "لليوم التالي" في غزة.

على أن الحرب لا تزال طويلة حتى لو تخللتها هدن طويلة هي الأخرى، و"حماس" التي تلقت ضربة عسكرية لا تزال قادرة على المقاومة. أما الشعب الغزاوي، فكما يصل من غزة، تعرض لمأساة، لكنه رافض للاستسلام مهما كان الثمن.