بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الأول 2023 12:00ص الإعلام الحرّ بلا ألف ولام

حجم الخط
تُكابد الحريّة أيضاً وأيضاً لتقزيمها شعاراً يتيماً، لأن ضحاياها مفكّرون وكتّاب كبار وأساتذة جامعيون ونخب وصحافيات وصحافيون يمتهنون كشف الفضائح والفساد المستشري والأسرار لتلاقيهم المضايقات والترهيب والإعتداءات والإحتجازات والسجون وحتى الإغتيالات التي أصابت وتُصيب أهل الكلمة لتظهر كلمة «الحرية» بين أيدي رسّامي الكاريكاتور جثثاً مكتوبة بالألوان تنضح بالدماء. ذكرت الصحافيات تحديداً تقديراً لنهضة البارعات في التعبير والكتابة والتغيير وتعرضهن للعنف والتهديد الجسدي وتحقيرهن السخيف في حقول الإنترنت.
لماذا الإستهلالية هذه؟..
لأن الأمين العام للأمم المتّحدة أخبرنا مشكوراً ونحني رؤوسنا معه جميعاً تخليداً لـ67 صحافيا شهيدا تمّ قتلهم في الـ2021 رموز حريّة الصحافة ونقد الديمقراطية والعدالة والحرية وإمكانية التفكير بربط تلك الحرية بحريّة الإنسان وحقوقه المخنوقة في خزائن الأنظمة أو الطافية فوق مستنقعات الشعارات والسرقات والسجون والأحلام والأماني المستحيلة في تاريخ القول والكتابة والرأي الحر في العالم.
وهنا ملاحظات لبنان حيث الإعلام سلطة السلطات:
1- جاء في اتّفاق الطائف 1989 توصية بـ«إعادة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع في لبنان». سألت رئيس مجلس النواب حسين الحسيني بصفتي كنت في مجلس إدارة تلفزيون لبنان 1991، عن معنى «إعادة التنظيم»، لأنّ إعلامنا لم يكن يوماً منظّماُ إطلاقاً من قبل ليعاد تنظيمه، بل هو إعلام توزيع شاشات جوائز ترضيةٍ على الأحزاب والميليشيات والطوائف باغتصاب حقوق الدولة اللبنانية في البث الفضائي الذي كان يجب أن يسري قانوناً حتى آخر آب/أغسطس 2012، لكنّ محطّة الـ «أل بي سي» كانت أوّل من خرق هذا الحق الفضائي وتجاوزته في البث.
2- حظي الإعلام بالقسط الأكبر من اهتمام الأشقاء العرب في «ندوة فندق الكارلتون» بيروت، وباتت معضلة إعادة تنظيمه مسألة تتخطى في مسؤولياتها قدرات الدولة التقليدية. طرحتُ في تلك الندوة السؤال:
«كم نحن قادرون، ونحن نتكلم عن حرية الإعلام، على إنتاج مواد إعلاميّة، سليمة المضمون واللغة والأهداف أو انتقائها وفق معايير تربوية وسياسيّة واجتماعيّة ووطنية واضحة. وهل ستظلّ الساحة اللبنانية فالتة، أو يجب أن نضع قانوناً لضبط هذا الانفلات. ألم نصل بعد إلى وضع معايير تليق بمستقبلنا؟... أخشى تجاه الانهيارات البادية في الأفق أن نكون في لبنان نربّي أجيالاً فاقدة اللغة والهوية خلافاً لما ورد في الهوية التي ارتضيناها في الدستور... لذا أقترح إنشاء مجلس أعلى للإعلام على غرار فرنسا يضبط الإعلام المرئي والمسموع...» ( 24/11/1989).
3- تقدّمت بدراسة مفصّلة حول مشروع إنشاء «المجلس الوطني للإعلام المرئي المسموع في لبنان»، مستنداً إلى التجربة الفرنسية التي كنت قد تابعت بعض آليّاتها في باريس واطّلعت على القوانين المتّصلة بعمله وهيكليّته وعلاقاته مع الصحافة وطرائق تنفيذ قوانينه، ثم قمت مديراً للفرع الأول لكلية الإعلام (5-22/11/1994) وبدعوة رسمية من فرنسا للتباحث والتوافق باعتماد D.E.S.S في علوم الإعلام والإتصال الدبلوم التي تمّ تطبيقها في الجامعة اللبنانية، إلى زيارات أخرى لمحطات التلفزة الفرنسية والمجلس الوطني الممثّل بالسيدة «د. مريامي» و«ل. جاكومي» للإطّلاع على طرائق مراقبة المجلس لبرامج وسائل الإعلام الفرنسية وآلياته، والأصول والسلطات المعتمدة في احترام اللغة والقيم الفرنسيّة والمشاهدين وكيفيّة صيانة المعايير المعتمدة.
كان استلهام التجربة الفرنسية حيّزاً قد يكفل الحرية الغنية بمعانيها الدقيقة ومضامينها القانونية والعمليّة، لكن...
4- عند صياغتنا لقانون تنظيم البث في لبنان، كان الدكتور ألبير منصور وزيراً للإعلام، وجاء السطر الأوّل من القانون كالتالي: «الإعلام المرئي المسموع في لبنان حرّ» بلا ألف ولام. وجاءت الكارثة عندما تمّ ربط المجلس بأصفاد استشارية تُتبعه لسلطات مجلس الوزراء عبر وزير الإعلام وكانت النتيجة توسيع مساحات الساحات الإعلامية/ السياسية بما تجاوز فرنسا والخيال في رسم حدود الحريّات.
5- ليست حريّة الصحافة بخيرٍ أبداً. أوّلاً لأنّها ما زالت تحيا باسمها البريطاني أعني «صاحبة الجلالة» في العديد من برامج الإذاعات والشاشات العربية المتنوعة لكنها تمشي خلف الأحصنة، ولأنّها تُخلي ثانياً أمكنتها وسلطاتها التقليدية الرتيبة بالإخبار والإنباء وتنقاد عبر محيطات من التحوّلات السحرية والكسب المادي لما كان يُعرف بالرسالة الإعلامية. هناك فرق بين الإعلام والمعلومة التي تشدّ الإنتباهات وتُبطن الأسرار مهما جاء شكلها محكية أو مكتوبة أو مرسومة أو بإشارات وتلميحات. المعلومة باتت الشائعة الحرة المطلقة حاملة الإيقاعات المتعددة التي تُقلق الحكّام والحكومات، وتغدو وكأنها تكتسب تكدّس فوقها أسواق الموضة عبر الكلمات التي تُشبه أسواق الثياب والمجوهرات والعطورات أعني الأزياء الدائمة التحول.
6- يحتفل العالم سنوياً بـ«اليوم العالمي لحريّة الصحافة» في 3 أيّار/مايو، تلك الحريّة التي تعنينا شرفاً ولو باتت من دون ثياب في لبنان وغيره من البلدان المتشاوفة بديمقراطياتها أو أنها فقدت أو تفقد سياداتها وحدودها ومسؤولياتها والقوانين، لكن أهم ما ننتظره، صعوبة قيادة تهور الحرية فوق حفافي الوطن الذي يعاني سقوطه النهائي وتلاشيه في البؤس يوماً إثر آخر في بلد الـ«ميديا ستيت» التي أرى الصحافة فيه «سلطة السلطات» لا السلطة الرابعة.