بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 شباط 2020 12:01ص الحائط المسدود

حجم الخط
عندما تناهى إلى المسامع بأن الحكومة الجديدة قد تميل إلى الاستدانة أو ستعمل إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي من أجل البدء بمسيرة الخلاص، حلت على الكثيريين من المتنورين مسحة شاملة من التشاؤم و الاحباط بعدما استبشروا خيراً بولادتها. 

منذ تأسيس صندوق النقد الدولي هيمنت واشنطن ودول أوروبا الغربية على قراراته و مقدراته، فأميركا وحدها تبلغ حصتها نحو 18 % من أمواله، بينما تصل مساهمة مجموعة الرأسماليات الغربية مجتمعة إلى 44 % من القوة التصويتية. 

إن عمل الصندوق يقوم على منح القروض بالفوائد لحكومات الدول المحتاجة، فعندما تصل حكومة دولة معينة إلى أزمة اقتصادية حادة تقرر اللجوء إلى الاستدانة منه كحل لمشكلاتها على أن تسدد له الدين المتوجب عليها خلال سنوات معدودة. 

لكن ما يحصل هو أن الصندوق يشترط أولاً خضوع الحكومة التي تستدين إلى توجهاته وشروطه، وهنا تبدأ رحلة سياسة الصندوق وغاياته الغير معلنة بالانكشاف شيئاً فشيئاَ. و بالمناسبة وبتاريخ 17 شباط 2020 قالت صحيفة العرب بأن حزب الله لا يخفي قلقه من خيار اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان جراء اعتباره أن هذا الخيار يستهدفه مباشرةً ويستهدف اخراج لبنان من دائرة النفوذ الايراني وأن الرضوخ لشروط هذه المؤسسة المالية الكبرى سيكون أكثر وقعاً عليه من العقوبات الاقتصادية و المالية التي تفرضها الادارة الاميركية. 

وبتاريخ 14 كانون الاول 2019 شجع تقرير لوكالة فيتش على ابرام اتفاقية بين لبنان وصندوق النقد الدولي كمقدمة لحل الأزمة المالية لكن بالنسبة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن عز الدين فإن كل هذا يعني أن أي مساعدة مالية واقتصادية بالنسبة للحزب أمر مرفوض لأن تلك المساعدات التي ستقدم يفوح منها أريج الشروط والإملاءات. 

لقد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبيل بدء الحراك في 17 تشرين الأول 2019 بأن موسكو تعتبر لبنان الحديقة الخلفية لروسيا وبما أن أحد أهم الأهداف الأمريكية من فرض العقوبات على حزب الله ايقاع لبنان في مهاوي مأزق اقتصادي معيشي اجتماعي، لإرغام الحزب على نزع سلاحه، فكنا ننتظر ونأمل من الدب الروسي الانقضاض وشن الهجوم المضاد ليتسنى لموسكو عبره منح هبات مالية للخزينة اللبنانية تقيل عثرة وطن جبران، ولكن ما سمعناه من سعادة السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين يستحيل أن يبشر بتاتاً باليسر وبخروج الدخان الابيض من دوائر الدبلوماسية الروسية، إذ أنه وبعدما تردد أن موسكو مستعدة لفتح خط ائتماني قيمته مليار دولار للبنان أتى النفي من أوساط السفارة في بيروت، في الوقت الذي أوضح فيه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد لوكالة أخبار اليوم أن روسيا تسعى إلى دعم لبنان، لكن حتى الآن فإن مجالات هذا الدعم تبقى غير محددة بعد، وأماط أبو زيد اللثام بصراحة عندما قال أن لا امكانية لتحويل وديعة مالية روسية إلى لبنان لأن روسيا في الوقت الحاضر ما زالت تخضع لعقوبات أمريكية تعيق تحركها على هذا الصعيد. 

والمعلوم أن روسيا هي أول دولة منتجة للغاز في العالم، وبما أن وزير الصناعة والتجارة الروسي دينيس منتوروف قال بتاريخ 13 تشرين الاول 2019 بأن العلاقات الاقتصادية بين روسيا والسعودية آخذة في التطور وأن الأرقام مع السعودية بلغت مليار دولار في العام 2018 وهي مقبلة على الارتفاع في الأعوام المقبلة، فضلاً عن أن قيمة التبادل التجاري بين موسكو ودول كبرى أخرى مرتفعة للغاية فإن روسيا إن أرادت فهي قادرة بالفعل على انقاذ حديقتها الخلفية لبنان كما أسماه لافروف في حال مازالت تؤمن فعلاً بأنه حديقتها الخلفية و العبرة في التنفيذ، من خلال هبات مالية لا يستهان بقيمتها كي تثبت وبجدارة عن أنها قاضٍ بارع للأمور المستعجلة وشفيعة الأمور المستحيلة و المستعصية بإمتياز ومن دون منازع قبل بلوغ لبنان دركاً متقدماً من الأنهيار وقبل فوات الآوان. من هنا يجب ان تدرك حكومة الرئيس حسان دياب بأن دربها غير مفروش بتاتاً بالورود والرياحين لأنها مستهدفة أميركياً استهدافاً هائلاً، وكانت صحيفة واشنطن بوست قد قالت في عددها الصادر بتاريخ 22 كانون الثاني 2020، وسط تصاعد الاضطرابات الشعبية أن لبنان يشكل حكومة خاضعة حصرياً لحزب الله و للمرة الاولى في حياته، وأوضحت الصحيفة أن حكومة دياب نتيجة ولائها للحزب ستضع لبنان في خطر عزلة عن حلفائه الغربيين التقليديين، فضلاً عن أنه بتاريخ 28/1/2020 قالت صحيفة فريبيكون الاميركية المتخصصة في قضايا الامن القومي الاميركي بأن واشنطن ستغلق جميع المساعدات إلى لبنان و إلى الحكومة اللبنانية التي وصفتها الادارة الأميركية بحكومة حزب الله وأوضحت بأن ادارة الرئيس ترامب اتفقت على وقف المساعدات للحكومة الموالية للحزب في بيروت رغم أن الخارجية الامريكية تعهدت للكونغرس بعدم استفادة الحزب من تلك المساعدات لأنه مصنف أميركياً على قائمة الارهاب. 

لكن رغم ذلك أعلنت واشنطن عن أنها ستتوقف حتى عن تقديم المساعدات الثانوية التي تقتصر على البلديات الغير خاضعة حتى لمناطق نفوذ حزب الله.عملياً ما من أحد قادر على أن يحسد حكومة الرئيس دياب على وضعها لأنها التقطت كرة نار وباتت مجبرة على اطفائها حرصاً على مصداقيتها خصوصاً أن الحرب المشنة عليها هي نتيجة تصنيفها بالموالية لحزب الله، وكل من يغوص في زواريب السياسة اللبنانية يعرف أن الحرب بشكلها الظاهري على حزب الله كانت قد أطلت برأسها بتاريخ 23/4/2018 يوم تقدم النائب الديمقراطي الأمريكي توماس سيوزي و النائب الجمهوري الامريكي آدم لينتزينغر، بمشروع قانون مشترك يرمي إلى نزع سلاح الحزب وقد حظي المشروع بتأييد قوي من اللوبي الصهيوني في أميركا لأن القيِّمين على هذا اللوبي كانوا قد حسموا أمرهم لجهة اعتبارهم أن انتهاء الأزمة السورية سيضعهم أمام موجة من الاخطار التي تجسدها قدرات حزب الله لذا فإن رأس حربة هذا المشروع يتجسد بالدرجة الاولى في نزع سلاح الحزب ونزع شرعيته السياسة من لبنان. 

من هنا وبما ان حكومة الرئيس دياب تشكلت في أوقات عصيبة فهي مطالبة في ظل استمرار العقوبات على الحزب وفي ظل استمرار صمت موسكو حيال ما يجري بعدم التفكير بتاتاً في الاستدانة من صندوق النقد الدولي إذا كانت تحن إلى ذلك فعلاً، لأننا في غنى عن حدوث خلافات حادة مع بعض اطراف الحكومة التي لا ترغب في خيار الاستدانة كحزب ا لله وحركة امل. 

من هنا فإن المطلوب من كل أقطاب الحكومة اتخاذ قرار يقضي بعدم الشروع في رفع قيمة الضرائب على المواد الغذائية و السلع الاستهلاكية والمحروقات، خصوصاً في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 40 % كما تفيد بعض شركات الاحصاءات المرموقة وفي ظل بقاء المصارف مصرة على منح المودعين أموالهم على قاعدة التقسيط المقلق و الموجع الذي ينذر بعودة التظاهرات الصاخبة إلى الشوارع و أعمال الشغب، والاكتفاء برفع الضرائب على أشياء لا تنتمي إلى عالم الكماليات كالدخان والعاب الحظ وصالات القمار و المسارح ودور السينما والملاهي الليلية والمشروبات الكحولية والمنتجعات السياحية الفخمة كالفنادق والمسابح والاندية الرياضية وزيادة المالية على فواتير المطاعم.