بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الثاني 2019 06:02ص السقوف العالية تجعل التراجع صعباً والإنتظار طويلاً والساحات حاضرة

حجم الخط
كان من الطبيعي أن تسقط أوراق تكليف النائب والوزير الأسبق محمد الصفدي تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما رفضها الشارع المنتفض أولاً، ولم يتوافر له الدعم السياسي الكامل ثانياً، ولم تتم موافقة معظم القوى السياسية الوازنة على تشكيل حكومة تكنوقراط ثالثاً.

فبرغم إعلان الرئيس سعد الحريري موافقته على اقتراح تسمية الصفدي وتعهده بدعمه، إلاَ ان التطوّرات المتلاحقة أظهرت ان اسم الصفدي غير جدّي أو على الأقل غير مقبول شعبيا وسياسيا وضمن طائفته، التي اجمعت قيادتها السياسية والدينية على التمسّك بتسمية الحريري لشكيل الحكومة. فدار الفتوى أيّدت إعادة تكليف الرئيس المستقيل، ورؤساء الحكومة السابقون فؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي رفضوا تسمية الصفدي، بل ان سلام اعتذر لأسباب قالها علناً تتعلق بالعلاقة مع الوزير جبران باسيل، وتمسّك الرؤساء الثلاثة بإعادة تسمية الرئيس الحريري، لأسباب عدة: ميثاقية تمسّك بها الخصوم قبل الحلفاء باعتباره الأول في طائفته. وشكلية من حيث تمسّكهم أيضا بتشكيل حكومة تكنوقراط بعد التجارب المريرة لحكومات التوافق السياسي. وسياسية لجهة دعم الحريري بوجه خصومه ومحاولات مصادرة دوره وصلاحياته كما عبّروا مراراً.

لذلك جاء موقف الوزير الصفدي بالاعتذار عن تحمّل المسؤولية، بمثابة رد الكرة الى الحريري ليتحمّل المسؤولية، كما جاء بيان المكتب الإعلامي للحريري بالرد على مواقف وتسريبات التيار الوطني الحر بمثابة موقف متصلب يدلّ على تمسّكه بشروطه لتشكيل حكومة تكنوقراط، وقبل ذلك تمسّكه بصلاحياته بتشكيل الحكومة. لكن رد الصفدي على بيان الحريري أمس، أثار أسئلة حول مدى جديّة تسمية الحريري للصفدي، الذي اعتبر ان الحريري لم ينفذ وعده له بالدعم المطلوب. وهل كانت تسمية الصفدي مناورة أوجس نبض سياسي أو للحرق باكراً؟. وأسئلة حول مدى استعداد الحريري لتلقف الكرة مجدداً والسير بتوافق جديد يؤمّن تشكيل الحكومة من جهة، ونيلها تغطية من القوى السياسية ومن القوى الشعبية في الشارع من جهة أخرى؟. وهل ان الحريري رمى اسم الصفدي مع علمه المسبق انه غير قابل للتسويق بحيث يعود الجميع للمطالبة بتكليفه؟

حسب المعلومات المتوافرة، لا زال الحريري ينتظر أمراً ما. ربما موافقة القوى السياسية على مطلبه بتشكيل حكومة تكنوقراط، وهو أمر بات محسوما رفضه، وربما مبادرة «انتحاري» ما لقبول التكليف لتأليف حكومة تكنو-سياسية يرفضها بعض الشارع ويتردد البعض الآخر حيال القبول بها أو لا زال يناقش فكرتها. ولذلك ترى المصادر المتابعة «ان القصة طويلة»، وليس سهلا التوافق على اسم الشخص الذي سيتم تكليفه، طالما ان تمام سلام أبلغ المعنيين رفضه المنصب، وورقة الصفدي احترقت سياسيا وفي الشارع فور طرحها، ولم يظهر «الانتحاري» الذي يمكنه ان يُرضي الأطراف السياسية والشارع معاً. 

وتضع المصادر ما يجري في إطار حرب التسريبات والمصادر وتبادل الاتهامات عن تأخير التكليف والتأليف، ما يعني ان الخلافات القائمة لا تزال تحول دون التوافق على أي مخرج. وكما ان القصر الجمهوري لا زال ينتظر التوافق على اسم الرئيس المكلف وحكومة التكنو-سياسية، لا زال الحريري ينتظر القبول بشروطه. ويبدو ان الانتظار سيطول لأن السقوف باتت عالية سواء من طرفي الأزمة السياسية أو من الممسكين بحراك الشارع، ولن ينزل أحد بسهولة عن الشجرة العالية التي تسلّقها طالما ان كل طرف يعتبر انه سجل نقطة على الطرف الآخر، وبدأ كل طرف يحشد انصاره في الساحات لتسجيل نقاط قوته السياسية والشعبية. 

 بالموازاة، ثمّة من يخشى أن يستمر اللعب بالوضع الاقتصادي والنقدي الهش أصلاً، واستخدام هذه الورقة لمزيد من الضغط السياسي لتحقيق الأهداف المرسومة للبعض، فيما ذكرت مصادر أمنية لـ «اللواء» ان قوى الأمن الداخلي في جهوزية تامة لتنفيذ التدابير الأمنية ولكنها تنتظر قرار جمعية المصارف بفتح أبوابها. فهل يطول الانتظار أيضاً؟.