بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 أيلول 2020 07:23ص العلاقات اللبنانية - الفرنسية خلال 100 عام (2/2) حافظت فرنسا على دور «الأم الحنون» ووقفت إلى جانب لبنان في الأزمات

الرئيس الفرنسي ماكرون خلال تفقّده لمرفأ بيروت أمس الأول الرئيس الفرنسي ماكرون خلال تفقّده لمرفأ بيروت أمس الأول
حجم الخط
ثانياً: العلاقات بعد استقلال لبنان:

ورث اللبنانيون عن الانتداب الفرنسي الطائفية السياسية بكل أشكالها وأوصافها ومساوئها. كما ورثوا دستور بلادهم الذي أدخلوا عليه تعديلات أساسية وجوهرية؛ كان أبرزها التعديل الذي وضعوه في مدينة الطائف عام 1989، والذي جعلوا فيه أعضاء مجلس النواب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وجعلوا من رئيس الجمهورية حَكَماً لا حاكماً، فبعد أن كانت تُناط السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية وهو يتولّاها بمعاونة الوزراء أصبحت في اتفاق الطائف تُناط بمجلس الوزراء الذي يتولّاها مجتمعاً. كما جعلوا من رئيس الحكومة، الذي يسمّيه رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادا إلى استشارات نيابية ملزمة، رئيساً لمجلس الوزراء والذي يدعوه للانعقاد ويضع جدول أعماله، وينسّق بين الوزراء، ويتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة، ويجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها.

أما التعديل الأهم فكان تعديل 8 تشرين الثاني عام 1943، الذي أعطى للبنان استقلاله، وحرّر الدستور من جميع تبعات نظام الانتداب حيث ألغيت جميع المواد التي كانت تربط لبنان بهذا النظام.

والحقيقة ان استقلال لبنان لم يتحقق بالكامل إلا بعد أن جلا آخر جندي فرنسي عن أراضيه في 31 كانون الأول عام 1946.

ولمّا خرج الفرنسيون من لبنان تركوا وراءهم مؤيّدين وعملاء وشركات مالية وتجارية ومؤسسات تربوية عريقة كجامعة القديس يوسف التي كانت فرعاً من جامعة ليون الفرنسية.

لهذه الأسباب وغيرها ظلّ الفرنسيون يحنّون إلى هذا البلد الصغير الذي كان من صنع أيديهم، والذي كانوا لا يزالون يعتبرونه من مناطق نفوذهم السياسية في المنطقة العربية، ويسارعون إلى دعمه والوقوف إلى جانبه كلما تعرّض إلى هزّة أمنية أو اقتصادية أو سياسية..

ففي عام 1968، وحينما اعتدت إسرائيل على مطار رفيق الحريري الدولي، وحطّمت الأسطول الجوي للبنان الذي كان رابضا على أرض المطار ويتألف من 13 طائرة مدنية، سارع الجنرال شارل ديغول إلى إدانة هذا الاعتداء، وإيقاف صفقة السلاح التي كانت الحكومة الفرنسية قد عقدتها مع تل أبيب، رافضا تسليمها 50 طائرة ميراج، لأن الطائرات الحربية المغيرة كانت من صنع فرنسا ومن النوعية ذاتها.

وأيضا في عام 1982، وحين بدأت إسرائيل باجتياح أراضي لبنان، بادر الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران بإدانة إسرائيل منذ اليوم الأول لهذا الاجتياح، وأصدر في 14 حزيران من العام نفسه بيانا طالب فيه إسرائيل رسميا بإيقاف غاراتها وعدوانها على لبنان دون تأخير، معلناً استعداد بلاده على تلبية أي نداء من الحكومة اللبنانية للمساعدة في الحفاظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه واستقلاله.

وكذلك في عام 1996، وعندما باشرت إسرائيل عدوانها على لبنان، يوم 11 نيسان «بإسم عناقيد الغضب»، سارعت الحكومة الفرنسية إلى إرسال وزير خارجيتها السيد شاريت إلى لبنان للقيام بوساطة بينه وبين إسرائيل. ولم يغادر الوزير الفرنسي بيروت إلا بعد أن أوقفت إسرائيل عدوانها على لبنان في 26 من الشهر نفسه، وذلك بموجب اتفاق وقّعت عليه كل من فرنسا وسوريا ولبنان وإسرائيل، يحفظ للمقاومة حق الدفاع عن الأراضي اللبنانية ومهاجمة القوات الإسرائيلية المتواجدة في لبنان، كما يحفظ لإسرائيل حقها في ضرب المقاومة اللبنانية من دون التعرّض للسكان المدنيين.

وآخر المواقف الفرنسية المعبّرة تجاه لبنان، الموقف الذي اتخذه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد الانفجار الضخم الذي حدث في مرفأ بيروت مساء 4 آب من عام 2020، إذ سارع في 7 من الشهر نفسه إلى الحضور بنفسه إلى لبنان على رأس وفد رسمي كبير، تضامنا مع شعب لبنان الجريح. ثم عقد، لدى عودته إلى باريس، عبر وسائل الاتصال الحديثة، مؤتمراً اقتصاديا لمساعدة لبنان، وأرسل إلى بيروت سفينة حربية فرنسية على متنها أكثر من 700 جندي فرنسي، للاضطلاع بأعمال الإغاثة، وأوفد إلى لبنان وزيرة الدفاع، تحسّساً منه بالمسؤولية التاريخية التي تحملها فرنسا تجاه مستعمرتها السابقة. وقد يكون رئيسها قد شعر بخطر ما يتهدّد لبنان، وأن عدواناً على مرفأ بيروت قد حصل.

وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في بيروت قال ماكرون: «إن فرنسا مع الشعب اللبناني اليوم وغداً ولن تتركه أبداً، وفي هذه الحالة الطارئة كل الطاقة الفرنسية هي للبنان. وأرسلنا عددا من الطائرات وقدّمنا مساعداتنا في كافة المجالات».

وأضاف الرئيس الفرنسي: «في الساعات المقبلة هناك طائرات جديدة ستأتي إلى لبنان مع فرق طوارئ للمساعدة في البحث عن المفقودين وللتحقيق في القضية، وأن الأولوية الآن تكمن في دعم الشعب اللبناني من دون أي شرط، لا سيما لجهة دعم الإصلاحات في عدد من القطاعات: كالطاقة والأسواق المالية والقطاع المصرفي ومكافحة الفساد وإطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ومواصلة أجندة «سيدر»..

وختم قائلاً: «لقد قلت للجميع بكل صراحة انه يعود إلى المسؤولين في السلطة، وللشعب الذي يتمتع بالسيادة أن يضعوا هذه الإصلاحات موضع التنفيذ، وهي ترتدي بالنسبة إليّ طابعاً طارئاً بشكل استثنائي، كما تشكّل بنود عقد سياسي جديد لا مفرّ منه».

واعترافاً منّا بالجميل نقول لفرنسا شكراً، ولكن في الوقت عينه يحق لنا أن نسأل الرئيس الفرنسي الذي دعا إلى عقد سياسي جديد في لبنان، هل هذا العقد هو على شاكلة العقد الذي وضعه أسلافه للبنان يوم كانوا منتدبين عليه، وغلّبوا فيه طائفة على طائفة، ومنحوا امتيازات كثيرة للطائفة التي كانت تدين لهم بالولاء؟!

ونسأله أيضاً: هل هو على استعداد للضغط على زعماء البلاد للتخلّي عن مكتسباتهم الطائفية ومراكزهم التي يشغلونها؟

إن إلغاء الطائفية السياسية هو مطلب لمعظم أهالي لبنان. فهل طلب الرئيس الضيف من رئيس جمهوية لبنان تشكيل الهيئة التي نصّ عليها اتفاق الطائف - الذي وُضع منذ أكثر من أربعين عاماً - والتي تكون مهمتها الإعداد لإلغاء الطائفية السياسية؟

إنّ لبنان يا فخامة الرئيس ليس جزءاً من الجمهورية الفرنسية، بل هو جزء من بلاد الشام والعالم الإسلامي، فإذا كنت تريد فعلاً لهذا البلد أن ينعم بالأمن والأمان والاستقرار، فما على فخامتك، وعلى بقية الدول الكبرى إلّا أن تعيد الحقّ إلى نصابه، وأن تعيد فلسطين إلى أهلها، وأن تسمح لشعب لبنان وللشعوب العربية والإسلامية الأخرى بالنهوض والوحدة وبذلك لا بغيره ينعموا بالأمن والأمان والاستقرار.

عضو اللقاء الإسلامي الوحدوي