بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 نيسان 2021 12:02ص الفرقة 16... سويسرا الشرق.. وهيبة أبو وجيه..

حجم الخط
هل أطلقت فعلاً صفارة تشكيل الحكومة العتيدة في لبنان؟ وهل ذللت العقبات التي طالما اعترضت تشكيل مثل هذه الحكومة على مدى ما يقارب الخمسة أشهر الأخيرة أي منذ تكليف الرئيس سعد الحريري بهذه المهمة، وبالتالي هل بات من المتوقع أن يشهد شهر نيسان الحالي ولادة ولو قيصرية لحكومة اخصائيين أو تكنوسياسية أو مهمة، سمها ما شئت، هذا في حال صحت التوقعات والمعلومات في هذا السياق، عندها لا بدّ من طرح السؤال الأهم: من هي الجهة الإقليمية أو الدولية الفاعلة أو المؤثرة، التي أطلقت تلك الصفارة التي انتظرها اللبنانيون طويلاً وعانوا ما عانوه في حياتهم اليومية والمعيشية والاقتصادية نتيجة فقدان الثقة بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة الجديدة، مما يؤخر إصدار المراسيم حتى الآن، كما غياب التوافق بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على هذا الصعيد؟

نعم، انه السؤال الذي يطرح على كل الشفاه والألسن من قبل جميع اللبنانيين، لماذا التأخير حتى الآن في تشكيل الحكومة الجديدة، ومن هو المسؤول عن هذا الأمر، ولمن ستوجه أصابع الاتهام في حال فشل المساعي والجهود المبذولة حالياً على أعلى المستويات من أجل إنجاز ذلك بأي شكل من الأشكال؟

الا أن الأهم من كل ما يجري وراء الكواليس وفي الغرف المغلقة هو تبيان المؤشرات والدلالات التي توحي بقرب التأليف، مع عدم إغفال إمكانية التعثر والعرقلة وحصول مفاجآت قد تؤثر على المساعي المبذولة على هذا المسار.

فبحسب المعطيات المتوافرة من المراجع المختصة والمسؤولة ان حلحلة ما تلوح في الأفق بالنسبة للحكومة الجديدة، وقد بدت ملامح ذلك جلية منذ زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأخيرة إلى قصر بعبدا ولقائه بالرئيس ميشال عون، وما حمله من طروحات على هذا الصعيد، وكان ذلك بمثابة المؤشر الأول، أضف إلى ذلك الكلام الواضح والصريح للسفيرة الأميركية دوروثي شيا لوسائل إعلام محلية، حيث شكل كلامها «بوصلة» يُمكن من خلالها الاستناد إليه لقراءة المشهد الحكومي المستجد، لا سيما قولها ان الجهود يجب أن تثمر تقدماً يؤدي إلى تشكيل الحكومة الجديدة، زد على كل ما تقدّم الزيارة الأخيرة للواء عباس إبراهيم إلى العاصمة الفرنسية التي اتخذت في ظاهرها طابعاً أمنياً، الا انه لا يُمكن فصلها عن المبادرة الفرنسية تجاه لبنان لا سيما بموضوع تشكيل الحكومة، علماً ان تلك المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة وتفعل فعلها إقليمياً ودولياً ومحلياً أيضا، كما وان كلام البطريرك مار بشارة بطرس الراعي المطالب دائماً بوجوب الاتفاق والتقارب بين الرئيسين عون والحريري لإنجاح تشكيل الحكومة وفق الدستور والأصول المرعية الاجراء، كل هذه المؤشرات تأتي في «كفة»، يُقابل ذلك تجديد إدارة الرئيس نبيه برّي «لمحركاته» وتشغيلها بعد توقف طويل، والبدء بإخراج «أرنب تلو الارنب» من جعبته بحنكته السياسية لتدوير الزوايا وإيجاد مخارج وحلول قد تكون مقبولة من كل الأطراف السياسية في لبنان على أساس «حكومة الـ24» توزع على «ثلاث ثمانات» لا يكون لأحد فيها ثلث معطّل أو نصف زائد واحد، ووفق توزيع الحصص والحقائب بشكل متوازن «لا يموت فيه الديب ولا يفنى الغنم»، مع الإشارة إلى ان الرئيس برّي قد يحتاج إلى شراء كميات كبيرة من الجزر «لتغذية أرانبه واشباعها مع العلم ان أسعار الجزر غالية جداً هذه الايام». على أمل أن لا يلتهم السياسيون الفاسدون في لبنان كل الجزر من أمام الأرانب بعد ان التهموا الأخضر واليابس، ولم ولن يتركوا وسيلة الا واعتمدوها لسرقة وحجز أموال المودعين في المصارف كما تهريب الأموال المنهوبة إلى خارج لبنان وايداعها في حساباتهم الشخصية هناك، والتي باتت معروفة بالأسماء والتواريخ والتحويلات والارصدة والمصارف بوضوح.

كما وقد أتى كلام السيّد حسن نصر الله الاخير الأربعاء الماضي بشأن تشكيل الحكومة كإشارة واضحة لها دلالاتها أيضاً على صعيد بذل الجهود من قبل كل الأطراف المعنية لإزالة الصواعق والمطبات والتوجه نحو ولادة حكومة جديدة في لبنان.

أما فيما يتعلق بالمعطيات الإقليمية والدولية تجاه لبنان ومبادراتها بشأن تسهيل تشكيل الحكومة، لا بدّ من التوقف ملياً عند الكلام الأخير لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان كما لمسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي أيضاً وغيرهما من المسؤولين الدوليين لحث الأطراف السياسية في لبنان للإسراع بتشكيل الحكومة والتوافق في ما بينهم على هذا الأمر تمهيداً للانطلاق بتنفيذ الإصلاحات المنشودة إقليمياً ودولياً بدءاً بالتدقيق الجنائي واستعادة الأموال المنهوبة من الخارج، ومن ثم القضاء على الفساد وكف أيدي الفاسدين عن التحكم بمفاصل الأمور في وطن الأرز لبنان.

ولمن كان ينتظر كلمة السر من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن وادارته الجديدة بالنسبة لمنطقة الشرق الاوسط ولبنان بالتحديد، يبدو انتظارهم سيطول، لأن بلاد العم سام منشغلة هذه الايام بأمور أكثر أهمية بالنسبة لها على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة الخلاف مع روسيا والصين، إضافة إلى الملف الإيراني والاتفاق النووي وتداعياته وما استجد من توقيع اتفاقيات بين الصين وإيران لمدة 25 عاماً في مجالات عديدة وتأثير ذلك على فعالية الدور الاميركي في المنطقة، عدا انشغالها بالوضع الصحي الناتج عن أخطاء وتداعيات وباء كورونا.

يبقى الأهم في كل ما تقدم هو هل سيستطيع كل من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري إعادة بناء الثقة المفقودة بينهما؟ ومن أين سنأتي «بالكيمياء» التي باتت بدورها تشكّل حاجزاً كبيراً بين الرجلين لا بدّ من ازالته لتأخذ الأمور مجراها من جديد، انطلاقاً من الحاجة الملحة للتوافق بينهما ولو بالحد الأدنى والعمل على إنقاذ لبنان مما هو عليه الآن من تخبط وتعثر وانهيار اقتصادي ومالي ونقدي واجتماعي وسياسي وأمني وصحي..

كل ذلك يدفعنا لكي نعود إلى سنوات خلت لا لشيء الا لتبيان كيف كان هذا البلد ينعم بكل مقومات الأمن والاستقرار والبحبوحة والازدهار قبل أن تعصف به رياح الخلافات السياسية والفساد والصفقات والسمسرات والسرقات لتحوله من بلد كان مقصداً يلجأ اليه القاصي والداني من مشارق الأرض ومغاربها إلى بلد يئن من آلامه والاوجاع والجراح دون ان يجد من سياسييه ومسؤوليه وحكامه من يبلسم له تلك الجراح حتى يكاد يدخل في ما يشبه «الموت السريري» حالياً.

فمن بلد كان يُطلق عليه «سويسرا الشرق» وكان مطاره الدولي يصنف كرابع مطار في العالم مطلع السبعينيات تحط وتقلع من على ساحاته ومدارجه الطائرات العائدة لكبرى شركات الطيران العالمية، ومن بلد كانت السياحة فيه توازي البترول الذي تتغنى به معظم الدول النفطية، ومن بلد كان مستشفى الشرق ومستشفياته تعتبر منتجعات صحية يأتي إليها البعيد والقريب من كل حدب وصوب، وفي بلد كانت مصارفه ملجأ يكاد يكون وحيداً لحفظ الثروات والرساميل والأموال العربية والأجنبية كما لودائع اللبنانيين المقيمين والمغتربين وغيرهم ووضعها بالحفظ والصون دون أي خوف أو هواجس عليها، وفي بلد كانت عملته الوطنية تتباهى بقيمتها الشرائية وتوازي الدولار ان لم نقل انها كانت تتفوق عليه احيانا، وفي بلد كان فيه الاقطاع السياسي رغم كل سيئاته يعرف كيف يمارس اللعبة السياسية بإحتراف وحنكة ودهاء دون المس بمقدرات ومقومات الدولة النقدية والمالية والاقتصادية لا سيما أموال المودعين في المصارف من اللبنانيين وغيرهم، وفي بلد كان صيفه يستقطب السيّاح والمغتربين ومحبي لبنان من كل أنحاء العالم، كما كان الاشتاء فيه يتباهى بالأبيض الناصع من ثلجه ليتحول إلى موسم «سياحة التزلج» بإمتياز، وفي بلد كان شرطي السير يقف ببزته العسكرية التي توحي بالأمان والاطمئنان لكل المواطنين على حدّ سواء «والله يرحمك يا أبو وجيه»، ومن لم يرَ يوماً شرطي السير أبو وجيه وأمثاله أو يعرفهم عن كثب وكيف كانوا يديرون دفة تنظيم حركة السير على مفترق الطرق ان في بشارة الخوري أو غيرها كأنهم لا ولن يعرفوا أو يتعرفوا في يوم من الأيام على حرفية وإخلاص أولئك الرجال في عملهم. وفي بلد كان فيه ما يعرف «بالفرقة 16» تعتبر بمثابة القوة الضاربة التي تفرض هيبتها وسيطرتها على الأرض بسرعة فائقة، حيث كانت بسياراتها السوداء «الستايشن» والقبعات الحمر، ورجالها المشهود لهم بالخبرة والنخوة وقبضايات ذاك الزمن الغابر بمقدورهم إلقاء القبض على المخالفين أيّاً كانوا ومهما علا شأنهم وبسط الأمن والاستقرار في البلد.

هذا الواقع المرير الذي نعيشه في ايامنا الحالكة هذه يدفعنا للتحسر على تلك الأيام الجميلة والخيّرة، ونقول رزق الله على أيام الفرقة 16 وعلى هيبة أبو وجيه وعلى لبنان سويسرا الشرق. على أمل كل الأمل ان تحصل معجزة ما تعيد لبنان إلى ما كان عليه من عزٍ واستقرار وبحبوحة وازدهار.