بيروت - لبنان

اخر الأخبار

31 كانون الثاني 2024 12:01ص القرار القضائي الذي كشف حقيقة العدو

حجم الخط
إن محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة التي تتولّى الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول طبقا لأحكام القانون الدولي، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية يحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
عاشت جنوب أفريقيا الفصل العنصري منذ زمن طويل، وفي القرن الماضي كان مؤسّسها الجنرال سماتس صديقا لمؤسّس الصهيونية العالمية تيودور هرتزل وقد تشابها في ارتكاب جريمة مصادرة الأراضي وطرد السكان الأصليين وإحلال مستوطنين مكانهم ولناحية التمييز العنصري إلى أن فاز «الاتحاد الوطني الأفريقي» بقيادة نلسون مانديلا عام 1994 صديق عبد الناصر والعرب، وظلت جنوب أفريقيا تدرك في ذاكرتها السلوك العنصري للكيان الإسرائيلي بعد أن تحررت منه، ووصف مانديلا والمطران ديزموند توتو بأن إسرائيل دولة فصل عنصري، علما أن جنوب افريقيا وإسرائيل قد وقّعتا على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في العام 1948، والغرض منها حماية المدنيين.
بتاريخ 10/11/1975 أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيونية واعتبرتها حركة عنصرية بقرارها 3379 إلّا أنه القرار الأوحد الذي تم إلغاؤه فيما بعد.
وفي عام 2003 تقدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية واعتبرت تشييد الجدار الفاصل الذي بنته إسرائيل في الأراضي المحتلة يتعارض مع القانون الدولي.
ومؤخرا قبلت محكمة العدل الدولية الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا على إثر حرب غزة الأخيرة بعد أن عددت للمحكمة ما تقوم به إسرائيل في غزة بوصفها جرائم إبادة جماعية والتي تتضمن وثائق ثابتة في تورّطها وهي مؤلفة من 84 صفحة صيغت بدقّة من خبراء دوليين في مجال جرائم الإبادة الجماعية دعمت بأدلة دامغة وحقائق ساطعة لا يمكن دحضها أو الشك فيها، ووضعت جنوب أفريقيا خلال المداولات ما يجري في غزة من انتهاكات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية سواء من ناحية قتل 22 ألف من المدنيين وان 70% منهم أطفال ونساء أو لناحية تصرفات إسرائيل التي تدلّ عن نواياها بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين بتدمير سبل الحياة والمعاملة الوحشية للمدنيين والحصار الشامل والحرمان من وصول الغذاء والدواء والاستهداف الدائم للمنظومة الصحية وكلها تمثل جرم مشهود صارخ وفاضح، وتسلّط الضوء على انتهاكات إسرائيل ومن خلال تصريحات مسؤوليها وتقارير المنظمات الدولية الرسمية حيث ثبت تسليمها جثثا للصليب الأحمر الدولي بلا أعضاء وبانتهاكها حرمة الموتى التي تلاحقهم في قبورهم وتسرق أعضائهم.
أن الدعوى تتضمن قسمين; الأول مستعجل لاتخاذ إجراءات وقتية سريعة وفورية منها وقف إطلاق النار وتسهيل تقديم المساعدات، والقسم الثاني في الأساس يستغرق وقتا طويلا بعد أن تستنفد جميع الإجراءات من تبادل لوائح ومذكرات، وقد تؤدي إلى التعويض عن الأضرار لكافة المتضررين ماديا ومعنويا، وتختلف عن المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم أفراد أما بالسجن أو بالتعويض لأفراد.
تتميّز هذه الدعوى بأنها تحدث مع استمرار الإبادة ولم تقبل المحكمة بطلب إسرائيل بسحبها وتحذو بقضية القتل في كمبوديا والإبادة في رواندا.
بتاريخ 26/1/2024 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارا تمهيديا يشمل عددا من التدابير المؤقتة تلزم إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني وتجنّب كل ما يتعلق بالقتل والتدمير بحق سكان غزة ولكن لم يتضمن دعوة صريحة لوقف إطلاق النار، وان كان قد أدان إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية وطالبها بحماية المدنيين ورفع الحصار.
لقد انكشفت إسرائيل للعالم على حقيقتها من خلال نقل مضبطة الاتهام عبر وسائل الإعلام.
أن القاضية الأوغندية صوّتت مع القاضي الإسرائيلي ضد كافة الأوامر التي فرضتها المحكمة مقابل خمسة عشر صوتا بأخذ تدابير احترازية تضمن عدم انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، وقد تبرأت دولة أوغندا من تصويت القاضية وردّ سفيرها في الأمم المتحدة بأن تصويتها لا يمثلها.
لقد فرض القرار على إسرائيل السماح بإدخال المساعدات إلى غزة واتخاذ تدابير فورية لمنع قواتها من تنفيذ الإبادة الجماعية في غزة، وإذا كانت المحكمة لم تصدر قرار احترازي بوقف إطلاق النار الفوري كما اتخذته سابقا لصالح أوكرانيا إلّا أنه القرار الأول الذي يصدر بحكم قضائي دولي بحق إسرائيل، ويعتبر قرارا تاريخيا ويشكّل إدانة مباشرة إلى جانب أنه أعاد قضية فلسطين إلى مكانتها وأسقط المنظومة الإعلامية الدولية الصهيونية. لقد أبدت عدة دول رغبتها لتنفيذ قرار المحكمة وتبنّي مجلس الأمن له واتخاذه ما يلزم لضمان تطبيقه وما أمكن من فرض عقوبات على إسرائيل، وبطلب من الجزائر بعقد مجلس الأمن الأربعاء المقبل جلسة للنظر في قرار محكمة العدل الدولية بغية إعطائه قوة إلزامية وصيغة تنفيذية لاتمام تنفيذه. وبالتالي، يجب أن يخضع القرار لآليات تنفيذية عبر مجلس الأمن، وتوثيق انتهاكات حرمة الموتى وسرقة أعضائهم، وملاحقة إسرائيل بهذه الجرائم وصدور قرار نهائي بإدانتها بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية ومحاسبة قادة العدو على هذه الجرائم.