بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الأول 2023 12:02ص القضية الفلسطينية عادت بسيوف نتنياهو

حجم الخط
المأساة السياسية والوطنية الكبرى في قضية فلسطين منذ نكبة العام ١٩٤٨، والجراح الإنسانية الهائلة والحارقة في أرواح وأجساد الشعب الفلسطيني رجالاً ونساءً وأطفالاً، مسراهم في سماء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وجذور أرضهم وأحلامهم لعقود؛ حق حياة وكرامة عظيمة من الله، وحالهم المستدام صبراً على الخذلان والعدوان حتى يأتي أمر الله بالحق ويحق العذاب على المجرمين.
طوفان غزة الذي تجاوز حدود القطاع في يوم السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣، عاد بسيوف إسرائيل الحديدية وحرب الإبادة الشاملة والتدمير الممنهج للبنى التحتية وكافة المرافق المدنية والحيوية، من المستشفيات وهيئات الإغاثة والصحة والإسعاف والمدارس وأماكن العبادة، ومراكز الأمم المتحدة التي أوى إليها النازحون ولم تحمهم من سلاح الجو الغادر والقتل العشوائي الذي طال المدنيين من كبار السن وصغارهم كما طال المسعفين والإعلاميين لقتل الأمل المتبقّي في الحياة وإسكات الحقيقة الصارخة بدماء الشهداء التي امتزجت بتراب غزة والقدس والضفة الغربية إلى أرض الجنوب اللبناني التي جادت منها أنفاس الشهداء: المصور الصحفي في وكالة «رويترز» عصام عبد الله، والمراسلة والمصور في قناة «الميادين»: فرح عمر وربيع المعماري، والمرافق لهما حسين عقيل، والطفلات الثلاثة ليان وريماس وتالين شور وجدّتهم سميرة أيوب، وباقي الشهداء. ولكن القضية الفلسطينية باقية قبل الطوفان وبعده، لا تنهيها جرائم العدو الوحشية ولا إبادته الجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني في نكبة العام ٢٠٢٣، ولا يخنقها حصار ولا خذلان، ولا تضربها سيوف نتنياهو الحديدية في مقتل.
عملية السيوف الحديدية على همجيتها الساحقة تجاوز عدد الشهداء والمصابين والمفقودين فيها أضعاف عدد الضحايا في العمليات والحروب السابقة على غزة منذ انسحاب قوات الاحتلال من القطاع في العام ٢٠٠٥. ومن أبرز هذه الحروب: «الرصاص المصبوب» في سنة ٢٠٠٨، و«عامود السحاب» في ٢٠١٢، و«الجرف الصامد» التي استمرت لواحد وخمسين يوماً في ٢٠١٤، و«حارس الأسوار» بعد التوتر الأمني في المسجد الأقصى وحي الشيخ الجراح في ٢٠٢١، و«الفجر الصادق» بعد اغتيال قيادات في حركة الجهاد الإسلامي والقائد في سرايا القدس «تيسير الجعبري» في ٢٠٢٢. وبعد خمسين يوماً من الحرب الحالية وسبعة أيام من الهدنة وتبادل الأسرى والسماح للمساعدات بالدخول إلى قطاع غزة من خلال معبر رفح على الحدود المصرية، عادت إسرائيل إلى مواصلة عدوانها على غزة وارتكاب مجازر جديدة بحق النازحين ومئات الشهداء في خان يونس جنوب القطاع ومخيم جباليا في الشمال وفي باقي الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان الذي عادت جبهته للنيران بعد فشل الوساطة القطرية - المصرية في التوصل إلى تمديد الهدنة ليوم ثامن بسبب الخلاف على قائمة تبادل الأسرى ورفض حكومة نتنياهو لاستلام جثث ثلاثة أسرى إسرائيليين ضمن صفقة التبادل المقترحة من جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس.
في الأيام الأولى لمعركة طوفان الأقصى وعملية السيوف الحديدية كان المجتمع الدولي والرأي العام العالمي متناسياً كعادته لآلام وعذابات الفلسطينيين، لحقوقهم المشروعة وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني وعدم تنفيذها، لتاريخ الكيان الصهيوني الغاصب وجرائمه بحق الإنسانية وعدوانه الهمجي والمستمر على المدنيين والأطفال وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية في أرض فلسطين. ثم جاءت سيوف نتنياهو الحمقاء والرعناء لتذكّر كل من نسي أو تناسى هذا الظلم، ولتوقظ أصحاب الضمير وشعوب العالم على حقيقة هذا الكيان المعادي للإنسانية، وإنه وبأمر الله إلى زوال.
النائب الإيرلندية في البرلمان الأوروبي «كلير دالي» أدانت بشدّة رئيسة الاتحاد الأوروبي «فون دير لاين» لعدم تمكّنها من طلب وقف المذبحة ووقف إطلاق النار، واتهمتها بالتورّط في قتل الأطفال والأبرياء، وبأنها شريكة في الجرائم ضد الإنسانية، قائلة لها: «لا تأتِ إلى هنا وتحاولي غسل يديك من الدماء». وكذلك اتهم النائب الإيرلندي «ميك والاس» الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ مع دولة متهمة بالفصل العنصري والإرهاب منتقداً تصريحات ممثل الاتحاد للشؤون الخارجية «جوزيف بوريل» بقوله: «الإرهاب والعنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا يجلب الأمان والسلام لشعب إسرائيل، فمتى سيتوقف الاتحاد الأوروبي عن دعم الإرهاب الإسرائيلي؟».
المواقف الأوروبية البارزة توالت مع دعوة رئيس وزراء إسبانيا «بيدرو سانشيز» مع نظيره البلجيكي «ألكسندر دي كرو» إلى وجوب احترام إسرائيل للقانون الدولي من خلال وقف إطلاق النار، وإنهاء المعاناة الإنسانية في غزة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما أن بلدية برشلونة الإسبانية قررت قطع كل علاقاتها المؤسساتية مع إسرائيل إلى حين وقف إطلاق النار وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك بعد احتجاجها على العدوان على غزة، وإدانتها للهجمات على المدنيين وإنزال العقاب الجماعي بهم عبر التهجير القسري والتدمير المنهجي للمنازل والبنى التحتية المدنية، وقطع إمدادات الطاقة والمياه والغذاء والدواء وكافة المستلزمات الطبية. وكذلك كان تصريح الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي «أنطونيو غوتيريش» عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي الخانق، وعدم القبول بتبرير القتل الجماعي الذي تمارسه إسرائيل، بمثابة الضربة الأخلاقية القاضية لكيان العدو المجرم من رأس الهيكل الإداري لموظفي المنظمة العالمية المعنية بحفظ السلم والأمن والدوليين.
في المقابل لهذا التطور في المواقف الأوروبية والأممية، ولو كان هذا التطور محدوداً وفي بداياته، ومع عجز مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ قرار ملزم بوقف إطلاق النار بسبب الفيتو الأميركي، ظلّت المواقف العربية والإسلامية، ومعها مواقف كبرى دول الشرق روسيا والصين، عاجزة عن تشكيل أو تأطير حل ودرع حمائي للشعب الفلسطيني من خطر الانزلاق مجدداً نحو جولات جديدة من الحرب الإسرائيلية المجنونة التي واصلت آلتها الشيطانية المجرمة استهداف المدنيين وقتل الأطفال بالمئات بمجرد انتهاء الهدنة المؤقتة الأولى وفشل تمديدها لمرة ثالثة، وحيث تبادلت حماس وإسرائيل اتهامات المسؤولية عن فشل عملية التبادل المفترضة وانتهاء الهدنة بالرغم من المساعي المستمرة للوساطة المصرية القطرية، ومن تأكيد البيت الأبيض ونائب الرئيس الأميركي «كامالا هاريس» على التزام واشنطن بالسعي لإطلاق سراح جميع الرهائن بالتعاون الوثيق مع قطر والشركاء الإقليميين.
القضية الفلسطينية عادت إلى واجهة الأحداث الأكثر أهمية وخطورة في أمن المنطقة والعالم بسيوف نتنياهو. وهي تحتاج إلى مواقف أكثر صلابة من قبل الدول العربية والإسلامية أولاً لتوحيد الموقف الفلسطيني بين كافة الفصائل والقوى الفلسطينية تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وفقاً لمقررات قمة الرياض، وحيث أنه لا مجال يبقى للصراع بين الأخوة الفلسطينيين تحت أي ذريعة أو عنوان أمام الأخطار الجديّة لتصفية القضية الفلسطينية والإجهاز على من تبقى من الشعب المحاصر بين جدران الموت والمعابر المغلقة بنيران العدو، ومن أعضاء المجتمع الدولي ثانياً لإيجاد صيغة فاعلة لوقف دائم وفوري لإطلاق النار، والاعتراف بفلسطين دولة مستقلة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة.