بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2020 12:03ص «الكتلة الوطنية» .. تجديدٌ يحاكي طوباوية إدة وأحلام الثورة

رئيسة حزب الكتلة الوطنية سلام يموت رئيسة حزب الكتلة الوطنية سلام يموت
حجم الخط
جاءت ثورة اللبنانيين في 17 تشرين الأول لتوفر فرصة سانحة لحزب «الكتلة الوطنية» لكي يخرج الى الملأ بنسخته الحَداثية المستجدة.

هام الحزب في الثورة فور تفجرها، وبدا توأماً لها في شعاراتها والآمال التي قذفتها فجأة نحو اللبنانيين بكثير من المثالية حاكت تطلعاته التاريخية. وقد كان من شأن الانتفاضة أنها جاءت مؤاتية في الزمان بينما يصارع الحزب للبقاء وسط غابة من الأحزاب والتيارات الطائفية والظروف الصعبة في لبنان.

لأجل ذلك، جهد «الكتلويون» لكي يقدموا صورة تجديدية مغايرة للسابق كما للماضي البعيد، مع الحفاظ على الثوابت في مبادىء الحزب التي عاشت أوجها في عهد ريمون إدة، نجل المؤسس إميل. واليوم، شكل وصول سلام يموت، نقطة تحول في مسيرة الحزب. فمهندسة الكمبيوتر الجامعة لرصيد علمي وتجارب حقوقية عديدة، والمسلمة السنية البيروتية، حلّت رئيسة لحزب «مسيحي» لم يسبق لإمرأة أن تولت شؤونه.

كسر الوراثة التقليدية

في جعبة يموت الكثير لتقدمه الى الحزب. يقف وراءها حزب تقليدي، لكن تجديدي كسر الوراثة المتعارف عليها في أحزاب لبنان. وفي مقره الجديد في الجميزة الذي يمزج بين تراثية خارجية وعصريّة داخلية، يذرع الشباب الأروقة لمواكبة القيادة الجديدة التي انتُخبت لسنة قبل أسابيع.

هو تحد كبير تتحدث عنه يموت بكثير من الأمل لخرق واقع صعب في البلاد التي بدت بالنسبة الى كثيرين عصية على الإصلاح. ومن المفارقة لدى معظم أحزاب السلطة وغيرها في المعارضة، أنها تنادي بالإصلاح بينما تكرس التوارث الشخصي الداخلي وتسعى الى محاصصة طائفية مع غيرها ممن هم في السلطة.

تجهد يموت للحديث عن إصلاح داخلي في الحزب الذي تريده عابرا للطوائف، يجعله جديرا بحمل راية التجديد في الحياة السياسية. كان هذا دأب المؤسس إميل إدة، والرمز الكبير للحزب وللوطن ريمون إدة، كما تؤكد.

هي باختصار محاولة للانتقال من حزب المؤسسين الى حزب المؤسسة كما يحلو لـ»الكتلويين» تسميتها. تربعت يموت على رأس الحزب بعد إلغاء منصب العميد الذي كان يختصر صلاحيات مطلقة، والتي تحولت الى لجنة تنفيذية ينتخبها مجلس الحزب وتختار الأمين العام بعد استحداث منصب الرئيس الفخري الذي يتولى لمدة سنة.

ربما دفع إدة الإبن ثمن لاطائفيته ورفضه الانخراط في الحرب حيث كاد يُقتل قبل قبوله المنفي الطوعي في فرنسا، بينما كان من شأن الأحزاب التي انخرطت في معارك السلاح أن استثمرته شعبية غرائزية وسلطوية.

لا يندم «الكتلويون» على ذلك، وقد بلغت المثالية بزعيمهم السابق كارلوس إده أن دفعته الى مخاصمة قوى «14 آذار» عندما رفض مهادنتها في قضية «الإستقلال والسيادة».

دفع قياديو الحزب ثمن قراراتهم المصيرية عبر مراحل متعددة من التاريخ اللبناني، ولا يبدو الجيل الحالي نادما على ما يرى أنه كان انسجاما مع مبادىء الحزب والطن.

توأمة الثورة

ربما هي اليوم ولادة جديدة للحزب كما للبلاد في ثورتها. هما توأمان في دولة مواطنة منشودة للجميع ومخاصمة للطبقة السياسية التي حققت عبر فشلها نبوءة الحزب وتحذيراته التي خرج بها في الماضي، كما تقول يموت.

وبرغم تلك الخصومة، لا يخرج الحزب عن دستور الطائف برغم انتقاده بشدة، وتقول رئيس الحزب إن تطبيق الطائف يعد الخطوة الأولى قبل الخروج نحو نظام دستوري جديد يحقق العدالة للبنانيين بطوائفهم المختلفة وطبقاتهم المتعددة.

وبالنسبة إليها، فإن النظام السياسي اللبناني قد فشل في حل مشاكل اللبنانيين لا بل شكل منبعا لها، خاصة عبر طائفية سياسية لم تنتج مواطنية ولم تؤمن استقرارا، في ظل تحاصصية تحت عنوان الديموقراطية التوافقية التي أفسدت البلاد شعبا ومؤسسات وعززت الإقطاعية والزبائنية والتبعية، التي يجب أن تحل بدلا منها فضائل المواطنية والنزاهة والديموقراطية ودولة القانون والسيادة.

السلاح للشرعية

في موضوع السيادة تحديدا، ثمة قضية جدلية تتوالد مع كل أزمة إقليمية وتتعلق بموقع لبنان ودور مقاومته.

كان ريمون إدة على الدوام محتفظا بموقف عدائي تجاه إسرائيل، ويؤكد الحزب أيضا على موقف المؤسس، إميل إدة، المحذر من الصهيونية. لكن الحزب رفض أيضا على الدوام الخيار السوري للبنان والذي يصنفه في إطار الإحتلال الذي كرّس إفسادا للنظام اللبناني.

اليوم، بعد سنوات من الخروج السوري من لبنان، يبقى موقف إدة صادحا لدى المنتسبين، وتدعو يموت الى «حياد إيجابي» للبنان، ولكنه حياد يتعلق بتورط لبنان في الصراعات وغير معني على الإطلاق بقضية العداء لإسرائيل الذي يبقى لبنان في حالة حرب معها.

لا يعني هذا الأمر تأييداً لسلاح «حزب الله». وتشير يموت الى أن الأولويات تفرض رفع قضايا اللبنانيين قبل بحث موضوع السلاح، إلا أن لـ»الكتلة» رؤيتها التي لا تحيد عنها لناحية أن لا سلاح خارج إطار الشرعية اللبنانية، وهو ما تلفت يموت الى أن أية دولة ديموقراطية تتمسك به.

تحديث شامل

تحاكي عملية التحديث في الحزب طوباوية طبعت شخصية ريمون إدة خاصة. وتبدو يموت ورفاقها في الحزب وكأنهم يعيشون في المدينة الفاضلة! يحيا أعضاء الحزب الثورة في وجدانهم، ينخرطون فيها ويكتسبون منها زخما إضافيا لرفد الحزب بالمناصرين الشباب.

عبر طوباويتهم تلك يحدثونك عن شعارات الحزب بـ»لبنان المزدهر والأخضر والعادل»، ومحاور عملهم حيث للبيئة دورها الرئيسي في محاكاة لأحزاب الغرب، وحيث للمجتمع تركيزه على المواطن وحقوقه في ظل التنوع. ويقدم الحزب في رؤيته هذه نظرته الى الاقتصاد الذي يجب أن يتخلص من الريعية نحو الإنتاجية حيث تحضر من جديد مسألة العدالة.

رؤية دياب غامضة

في الوقت الذي تتحدث فيه يموت طويلا عن أمور أخرى ذات أهمية تتعلق بالدولة ومهامها كالصحة والتعليم وغيرها، نسألها عن اللحظة الآنية في البلاد حيث لا حكومة وأزمة كبيرة ذات وجوه متعددة.

لا رأي مبدئي لدينا حول إسم حسان دياب، «لكن كان يجب عليه الخروج علينا لشرح رؤيته التي تبقى غامضة». لا تستغرب يموت محاصرة دياب من قبل قوى التحاصص السياسية، داعية من دون كلل إلى حكومة مستقلين من تكنوقراط لن يقوم البلد من دونهم.

توافق رئيس الحزب على أنه مسار طويل سيتخذ وقتا، لكن لا خيار للبنانيين هنا ولا مجال للترف. يجب النضال في سبيل إنقاذ لبنان، وتضيف متهكمة «وإلا ليس على السلطة سوى استبدال الشعب اللبناني بآخر»!