بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 حزيران 2023 12:00ص الكلُّ مرتاح في لبنان إلاّ «لودريان»: إنّها أزمة كيان..

حجم الخط
ينطبق على الموفد الرئاسي الفرنسي «جان إيف لودريان» ومهمّته المستحيلة، حسب «لوموند» الفرنسيّة، بيت الشّعر القائل:
«كلٌّ يدّعي وصلاً بليلىوليلى لا تقرّ لهم بذاكا»
وللمفارقة فإنّ الرّواة اختلفوا في نسبة البيت ولم يتّفقوا على صاحبه، وهذا «تقاطع» آخر يضيف شيئًا من الغموض حول زيارة «لودريان» وأهدافها الحقيقيّة.
قيل الكثير في «لودريان» قبل وصوله إلى لبنان، حُكي عن صرامته وجرأته في تظهير مواقفه حتّى تكاد تجانب اللّغة الدّيبلوماسيّة، فهو لا يجامل ولا يداهن ولا يساير، ويقول للمعنيين في حضورهم ما يحذر غيرُه من قوله في غيابهم، وهو الخبير في الشّأن اللّبناني والمطّلع عن كثب على تفاصيله وشياطينها. 
وهو الّذي حذّر في أيلول 2020 من زوال لبنان يوم كان وزير خارجيّة بلاده، وشبّه البلد المتصدّع من انفجار المرفأ في حديث لصحيفة «لوفيغارو» بأنّه «تيتانيك بدون الأوركسترا، واللّبنانيّون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتّى الموسيقى».
فهل يؤدّي «لودريان» دور القبطان وينقذ السّفينة، أم يلعب دور المايسترو ليضيف شيئًا من الموسيقى الحزينة على غرقنا؟!
للأمانة فإنّ الرّجل يعرف لبنان، ويعرف بأنّ لكلّ كلمة هنا معنى يناسب سامعها، لذلك لم يقل سوى بضع كلمات عقب لقائه البطريرك الرّاعي رغم كثرة لقاءاته وطولها، ومع ذلك فسّر كلّ طرف كلماته على هواه.
وممّا قاله بعد مقدّمة وجدانيّة عبّر فيها عن مشاعره ومشاعر الرئيس الفرنسي اتّجاه لبنان:«أنا لا أحمل أيّ طرح لكنّني سأستمع إلى الجميع والحلّ في الدّرجة الأولى يأتي من اللّبنانيين».
رأى فريق التّقاطع في قول «لودريان»: «لا أحمل أيّ طرح» طيًّا لصفحة المبادرة الفرنسيّة الّتي قامت على ثنائيّة فرنجيّة – سلام، ورأى الفريق الدّاعم لفرنجيّة في العبارة نفسها تأكيدًا على تلك المبادرة، فهو إذ لم يحمل طرحًا يعني أنّ بلاده لم تزل على مبادرتها الأولى!
في الشّكل، زار لودريان معظم الأقطاب السّياسيين في مقرّاتهم لكنّه خصّ المرشّح سليمان فرنجيّة بدعوة إلى مأدبة غداء دامت ساعتين في قصر الصّنوبر.
اعتبر أنصار فرنجيّة أنّ في تخصيصه بدعوة إلى الغداء وتمييزه عن باقي الأفرقاء دليل على اهتمام خاصّ بالرّجل، وتأكيد على ميل فرنسيّ دائم للزّعيم الشماليّ.
أمّا خصوم فرنجيّة فاعتبروا الدّعوة منقصة في حقّه، كما اعتبروا سابقًا دعوة السّفير البخاري له على فطور الصّباح في منزله، ولو كان لفرنجيّة، حسب خصومه، ثقل سياسيّ كذلك الّذي لجعجع وباسيل لزاره لودريان في بنشعي كما زار معراب والبيّاضة.
هذه عيّنة عن النّفاق السّياسي اللّبناني، وعن الخفّة والاستخفاف في مقاربة أزمة مغلقة لم تعد محصورة باسم الرّئيس وهويّته السّياسيّة، بل في شكل الصّيغة وهويّة البلد في ظلّ تكتّل طائفيّ، يهدّد علنًا بفرط الصّيغة وطرح الفدرالية مباشرة أو مواربة.
هي حالة الإنكار الّتي يعيشها اللّبنانيّون، حسب توصيف لودريان نفسه عام 2020، لم تزل على حالها، لا أحد يريد الاعتراف بحجم الأزمة وعمقها، والكلّ يشتري الوقت من جيوب اللّبنانيين وأعصابهم وأرزاقهم ومصائر أبنائهم، ويراهن على متغيّرات كبرى في العالم والإقليم.
في تقييم لأداء الفريقين خلال شهور الفراغ الماضية وقع الطرفان في أخطاء تكتيكية زادت الأمور تعقيدًا، وكان من آثارها ابتعاد المتقاربين واقتراب المتباعدين ويأس اللّبنانيين.
فإذا كان ثنائي أمل-حزب الله قد دعا إلى الحوار في الأشهر الأولى، إلاّ أنّ بعض المواقف والخطابات لم تكن موفّقة، وبدت كأنّها تدعو الفريق الآخر للتوقيع على شروط مسبقة. 
ولم يكن الثّنائي موفّقًا في تسمية فرنجيّة قبل أن يسمّي هو نفسه، فاستغلّ الخصوم هذه الثّغرة ليصوّروه مرشّح «الشّيعة» الّذي لا حول له ولا قوّة.
وقد أخطأ الثّنائي في تقدير موقف جبران باسيل عندما ظنّ بأنّه لن يذهب بعيدًا في التّباين معه، وفي الرّهان على وسطيّة وليد جنبلاط وحياده.
ومن المآخذ على الثّنائي تبنّيه فرنجيّة وإقفال الباب على البحث بأيّ اسم آخر، فلم يناوروا ولم يوزّعوا الأدوار ولم يحرقوا الأسماء، هي مبدئيّة ممدوحة ربّما، لكنّها في السّياسة مذمومة، وقد استغلّها خصومهم بذكاء فانقلب احترامهم لمرشّحهم وقناعتهم به اتّهامًا بالفرض والهيمنة والتّحدّي.
أمّا المتقاطعون، فهم وإن بدوا مرنين وواقعيين في تبديل الأسماء وتقليبها، فإنّ غياب الرّؤية والمشروع هو سبب تشتّتهم وتناقضهم رغم تقاطعهم، وهو أوّل أخطائهم وأكبرها.
نسيت القوّات والكتائب ومعهم معظم التغييريين أنّ الهدف الأساس هو إيصال مرشّح يعكس توجّهاتهم وخياراتهم السّياسيّة، وصار همّهم الوحيد، بالتّقاطع مع التيّار، منع الثنائي الوطني من إيصال مرشحه. 
ولأجل تلك الغاية:
التقى جعجع مع باسيل بعدما ألقى عليه حرمًا سياسيًّا، واعتبره غريقًا لا يريد أن يمدّ له يدًا تنقذه، فإذا به يعوّمه، رغم عدم ثقته به، ويعيده لاعبًا مؤثّرًا على الساحة الرئاسية.
انقلب التّغييريون على مبادئهم وشعاراتهم، ورموا وراء ظهورهم كلّ صيحاتهم في وجه المنظومة، ليتقاطعوا على أحد مهندسي ماليّتها، جهاد أزعور، بالتّكافل والتّضامن مع أحد رؤوسها، جبران باسيل!
أمّا التيار فقد نسي تاريخه الحديث الذي صنعه مع حزب الله، بل الذي صنعه له حزب الله، وتنكّر لكل النّعم التي أغدقها عليه وعلى رئيسه، وليس آخرها انتخابات 2022 مع قانونها الذي فُصّل على قياس باسيل ليفوز بعد سقوطين سابقين.
في الأسابيع الأولى للفراغ كانت الأزمة سياسيّة، ثمّ تحوّلت إلى أزمة نظام بعد تخطّي المعارضة سقوف النّقاش السّياسيّ، إلى الحديث عن تغيير الصّيغة واللّامركزيّة الموسّعة.
أمّا بعد جلسة 14 حزيران، والاصطفافات الحادّة الّتي أفرزتها، بتنا أمام «أزمة كيان»، وقد فُتح الهواء للنّقاش في الفدراليّة وما بعدها، في مقابل إصرار ثنائي أمل حزب الله على فرنجية رئيسًا لـ «لبنان الطّائف».
بدايةَ الاستحقاق الرّئاسي اتُّهم الثّنائي بمعادلة «فرنجية أو الفوضى»، أمّا الآن وفي مواجهة مشاريع الطّلاق والانفصال، لا بدّ من تعديل المعادلة لتصبح «فرنجيّة أو النّظام».