بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2021 12:02ص المتلازمة بين ستوكهولم ولبنان

حجم الخط
من منّا لا يعرف قصة ستوكهولم التي عُرفت فيما بعد بمتلازمة ستوكهولم؟ من منّا لم يقرأ هذه الحادثة وشعر حينها أنها وهمٌ وأنها من الأساطير التي كنّا نقرأها في طفولتنا كقصة وهمية وخرافية لا أصل لها؟ ولكن في الواقع فهي قصةٌ حقيقية حصلت في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد، وأصحبت ظاهرة فريدة تُدرّس في علم النفس حتى أنها أصبحت حالة مرضية تُدرّس في قياس علم النفس الجماعي الذي هو جزء من العلم نفس الإجتماعي الذي تكلم عنه جوستاف لوبون، لقد أحدثت هذه المتلازمة صدمة «Truma» لدى أطباء النفس الذين شخصوّا تلك الحالة، فكيف للضحية أن يتعاطف مع المجرم الذي سبّب له معاناةٍ وسبّب له الخوف والقلق؟ كيف تحوّل الجاني من حالة الظالم إلى شخصية المظلوم؟

بشكلٍ سريع ومقتضب، يمكننا أن نفسّر هذه المتلازمة أنها ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوّه أو إلى من أساء إليه بشكلٍ من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف. وتسمّى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف، وقدحصلت تلك الحادثة سنة 1973 حيث تظهر فيها الرهينة التعاطف والإنسجام والمشاعر الإيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه. فإن تلك المشاعر تعتبر بشكلٍ عام غير منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة التي تعرّض لها الضحية، ويمكن إعتبار متلازمة ستوكهولم كنوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي قوي يتكوّن بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدّد ويضرب ويخيف الآخر بشكل متقطع ومتناوب، فتحوّلت حالة الخوف والفزع إلى نوعٍ من التعاطف والتضامن مع الجلّاد الذي حوّل حياته ضحية إلى بؤسٍ.

ما أشبه متلازمة ستوكهولم بالمتلازمة اللبنانية، هي لم تُسمَّ بالمتلازمة ولكن كل ظواهرها والأحداث التي تحصل هي شبيهة بشكلٍ كبير بمتلازمة ستوكهولهم، رغم كل الظروف التي يعيشها المواطن اللبناني من جوعٍ وقهرٍ وآلم حتى وصلت الأمور إلى شبه إنتهاء الطبقة الوسطى وبدأ يتحوّل الصراع السياسي إلى صراعٍ طبقي بسبب الفروقات الإجتماعية الحاصلة في المجتمع والبيئة الواحدة وحتى في البناية الواحدة حتى في العائلة الواحدة، ناهيك عن الأزمات الدبلوماسية والخلافات مع المجتمع العربي والدولي، كل تلك المصائب سببها ساستنا وقيادة الأحزاب التي تحكم لبنان، ولكن بالرغم ذلك إلا أنه هناك قسمٌ كبير من المجتمع اللبناني لا زال يدافع عن تلك الزعمات التي حوّلته إلى متسوّلٍ وإلى فقيرٍ يلهث إلى الجمعيات الخيرية كي يحصل على مساعداتٍ غذائية بسيطة. مما لا شك فيه أن الحالة التي يعيشها الشعب اللبناني تحتاج إلى دراسة سيكولوجية عميقة لفهم تلك السيطرة المطلقة من قبل الزعامات السياسية، فإن الحالة التي وصل إليها ذلك الشعب تعتبر جريمة منظمة ولكن كما ذكرنا إن الضحية يتعاطف مع من يجلده وسرق أمواله في البنوك وكان السبب في تهريب الأموال إلى الخارج وهي عملية وجريمة منظمة أدّت إلى هبوطٍ في العملة الوطنية بسبب عدم التوزان بين النقد الأجنبي والعملة الوطنية وفلسفة العرض الطلب.

حتى يخرج لبنان من أزمته العميقة، بدايةً لا بد من بتر وإستئصال تلك المتلازمة التي جعلت الشعب اللبناني يتضامن ويتعاطف مع جلّاده، ولكن هذا العلاج صعب يحتاج إلى التغلب على الغرائزية الطائفية المزروعة في وجدان الشعب بأكمله حتى أصبح يعيش نوعٍ من أنواع العبودية المقنعة، ولكن ذلك العلاج يحتاج إلى تأصيل الوعي وبرمجة العقول لإخراج الشعب من كربة الطائفية إلى سعة المواطنية.