بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 أيلول 2021 12:02ص بعد نيل الحكومة ثقة البرلمان كيف تكتسب ثقة الشعب؟

حجم الخط
إنّ الواجبات الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة بعد نيلها الثقة خطيرة ومتعدّدة. وأهمّها الانفتاح على الدول العربية كفعل قومي مطلوب بشدّة، ولأنّ الإقدام على أيّ عمل لصالح لبنان هو واجب على الحكومة وعلى كلّ لبناني. وإن كان اللبناني يحيا في ظل نظام تغيب السلطات الشرعية فيه، ويُنتقص من سيادته وحرية قراره. ولكن على اللبناني أن يتصدّى ويكافح كل خلل، وأن يختار بصوته المرن والجريء الشرعية، وأن يسعى لتحقيقها وخلق الظروف الضرورية لها. 

هذا عدا عن أنّنا مدينون إلى المملكة العربية السعودية بجميل لا ينسى، فهي التي جنّبت بلدنا ويلات الحرب، وحالت بينه وبين أن يُصبح ساحة قتال يسودها الخراب والدمار، وهي التي رعت مؤتمرات باريس لإنعاش لبنان اقتصادياً، وهي التي تُسعى في سبيل إحقاق الحق والعدالة في منطقتنا، وتدافع عن العروبة، لاسيما عروبة لبنان.

ولا ريب بأنّ تجنيب لبنان ويلات الدخول بصراع المحاور هو أمر ضروري، ويشدّد عليه غبطة البطريرك الراعي بشكل يومي، نظراً لجرأته وحنكته وأصالة رأيه، ولأنه يرغب بجمع اللبنانيين حول غاية واحدة، هي الحفاظ على الوطن، وسيادته وعروبته واستقلاله. وهو بتدخلّه الحازم، وتمسّكه باتفاق الطائف وروح الدستور، أدّى للبلاد خدمة عظمى وسجّل أمثولة بليغة في التجرّد والنزاهة.

ولبنان اليوم بحاجة إلى حكومة أفعال لا أقوال، حكومة فاعلة وقادرة، تتطلّع إلى إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وتحرير القضاء لا تكبيله، وتدعم المؤسسات من خلال الاعتماد على الكفاءة مقياساً والحقوق والواجبات مبدأً، وتنمّي الديمقراطية وتحسن استعمالها، لكي تحظى بثقة شعبية تضاف إلى ثقة المجلس النيابي.

وإنّ الشعب يطالب الحكومة سريعاً، بدون هوادة ولا رحمة، بالقضاء على الفساد والفوضى المنتشرة في كل مرافق الدولة والبلاد، ويطلب تطهيرها من أدرانها ومسبّباتها، والسير قدماً بالتدقيق الجنائي في كل مؤسسات الدولة، وإقرار الإصلاحات التي نصت عليها المبادرة الفرنسية، والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ينعش اقتصاد لبنان. 

وإنّ الشعب يطالب بالإعداد لقانون انتخابي جديد، عصري ومتطوّر، تنبثق منه أكثرية نيابية تعبّر عن صوت الشعب، وتمثّله تمثيلاً صحيحاً، وتمهّد للإتيان بعهد جديد يصلح فعلاً البلاد، ويجري التغيير الذي يلتمسه كل مواطن، لاسيما لجهة تصحيح العلاقة مع دول الخليج وجامعة الدول العربية. 

كما يطالب الشعب بتأمين الدواء والاستشفاء والبنزين والمازوت والكهرباء، والحماية من الفقر والبطالة والغلاء والعوز، وتطبيق سياسة مالية مقتصدة، وسياسة اقتصادية بعيدة النظر، مبنية على أسس علمية سليمة، وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.

وإنّ إقرار الأمن وحكم الدولة في جميع المناطق اللبنانية، وحصر السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، وإعادة بناء مرفأ بيروت من جديد، وتطبيق القرارات الدولية، وبالأخص قرار مجلس الأمن 1701، إنما هي من القضايا الملحّة التي يتوجب على الحكومة حلّها، بمؤازرة رؤساء الوزراء السابقين وحزمهم الأوفى، وعنايتهم الدائبة.

كما أنّ الطائفة السنية التي يعبّر عنها سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، تطالب أيضاً بأن تصان حرمة رئاسة مجلس الوزراء، كونها أعلى مركز للسّنة في البلاد، ولأنه إذا ما كان الرئيس السني الأول مستضعفاً فكيف الأمر بسائر العباد؟ ولذلك فإنها تُطالب بقضاء نزيه مُرفّع عن كل تأثير، يتساوى أمامه الرؤساء، الضعيف منهم والقويّ، دون أي اعتبار لجاه أو سطوة أو حزبية. ولا بدّ أن يطمئنّ المواطن إلى تجرّد الحاكم، وعدل القاضي، وأمانة الموظف. فما نصبو إليه هو بناء وطن عادل حرّ، وعيش مشترك حقيقي، ومستقبل مستقرّ مجيد.

إنّ الضرورة الأساسية الملحّة لبناء الدولة بناءً سليماً لم تنجلِ يوماً كما تجلّت منذ فترة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الأحرار حتى اليوم، ولم يبق من مناص من إقامة الدولة على أسس وقواعد ومقاييس مستمدّة من تصميم النخبة، ومصلحة الشعب وطموح الوطن. لكي يثق المواطن بالدولة، وتسري روح الجدّ ويُسيّرها: الجدّ في المسؤولية عن الواجب وفي الحساب، والجدّ في جعل الدولة للمواطن وللكلّ على السواء، والجدّ في النظرة إلى الغد والتصميم له. 

إنّ لبنان الذي كان دائماً حاملاً مشعل التقدّم في هذه البقعة من المشرق، وصاحب المبادرة في كل نهضة عربيّة، لن يطمئنّ، اليوم، إلى كل من يسلبه القدرة على الاستمرار في رسالته التقدمية المشعّة، بل سيعمل بروح جديدة على أن يظل موطن التوثّب والإقدام، ويحتفظ بدور الطليعة الذي هو دوره.

وإننا نتطلّع بهمة صاحب الغبطة وسماحة مفتي الجمهورية، إلى وثبة لبنانية سبّاقة تدفعها هذه الروح الجديدة، لكي يكون للحكومة في لبنان هيبتها، وللقانون كل سلطته، ولحق الفرد والجماعة كل حرمة. آملين بأن تتمكّن حكومة الرئيس ميقاتي الجديدة من التحرّر من كل القيود التي تكبّلها، لتسير بلبنان على دروب العزة والمنعة والكرامة.