بيروت - لبنان

اخر الأخبار

22 تموز 2023 12:00ص تعثُّر الحوار المعسِّر للإنتخابات يزيد الأزمة الرئاسيَّة تعقيداً

حجم الخط
ما أكثرَ جَلساتِ الحِوار السِّياسي التي تداعى إليها اللبنانيون أو دُعِيوا إليها ليَتَحاوروا في ما بينَهُم لحَلِّ خِلافاتِهم السِّياسِيَّة، سيَّانَ جرت داخليًّا أم برِعايَةٍ عَرَبِيَّةٍ أو أجنَبِيَّة؛ وإن أُتيحَ لنا التَّعليقُ على النَّتائجِ المُتَحَصَّلَةِ منها نوجِزُ القولَ: «ما أكثرَ جلساتِ الحِوارِ والمُتحاورين وما أقلَّ التَّوافُقِ على الحُلول». لأن الشَّعبَ اللبناني مَحكومٌ بانتِماءاتِهِ الفِئويَّةِ الطَّائفيَّةِ والمَذهبيَّةِ والعِرقيَّةِ العابِرَةِ للحُدود، وخيَرُ دَليلٍ على ذلكَ كثرةُ الفِتَنِ والحُروبِ الأهلِيَّةِ التي شَهِدَها لبنان مُنذ عام 1516م ولغايَةِ اليوم، وما تَخلَّلَها من تَهجيرٍ قَسريٍّ ومَجازِرَ راحَ ضَحيَّتَها آلافُ اللبنانيين؛ واستِعانةِ كُلِّ طرفٍ من الأطرافِ المُتنازِعَةِ بقَوىً خارِجِيَّة لتَعزيزِ مَوقِعِه.
إنه الصِّراعُ على السُّلطَةِ منذُ تأسيسِ ما عُرفَ بإمارةِ جبل لبنان في العَقدِ الثاني من القرن السَّادس عشر التي أنشأها الأمير فخر الدين المعني الأول، الذي أعلن ولاءه للسُّلطان العُثماني «سليم الأول» بعد أن تلمَّسَ انتِصارَهَ على المماليك. وأدَّت الصِّراعاتُ المًتعاقبةُ على السُّلطةِ إلى انتقالِ الإمارةِ من المعنيين إلى الأمراءِ الشَّهابيين الذين استلَموا السُّلطةَ عام 1697 وانتهت ولايتُهُم على أثَرِ أحداث 1860م التي تَخلَّلها الكثيرُ من المذابحِ، والتي على أثرها أُنشِئت المُتصرِّفيَّةِ ليتولى إدارةَ السُّلطةِ مُتصَرِّفٌ عُثماني لِغايَةِ 1915م أي لحينَ خِساِرةِ السَّلطنَةُ العُثمانِيَّةُ في الحَرب، ليُوضَع لبنانُ بعدها تحت الوِصايَةِ الفَرنسِيَّة (انتداب) على أثر مُعاهدَةِ سايكس بيكون عام 1916م، واستَمرَّ على هذا النَّحوِ إلى حينِ إعلانِ قِيامِ دولَةِ لبنان الكبير في الأول من شهر أيلول عام 1920.
إعلانُ قيامِ دولةِ لبنانِ الكبير، «مُسمىًّ لدولَةٍ صَغيرَةٍ في المِساحَةِ وعَدَدِ السُّكانِ على خِلافِ ما يُوحي به الإسم»، أسفرَ عن ضَمِّ مَساحاتٍ جُغرافِيَّةٍ إلى مِنطقَةِ جَبل لبنان، شَملَت مُدُناً ساحِلِيَّةً (موانئ بَحريَّة) وسُهولاً خَصبَةً ساحِليَّةً في الشَّمالِ والجنوب وداخليَّةً شرقاً (سهل البقاع) لتُهيَّأ لها مُقوِّماتُ الحَياةِ تَجنُّبًا لتِكرارِ مأساةِ المَجاعَةِ التي شَهِدَتها مِنطقِةُ جبلِ لبنان (ذات الغالِبِيَّتين الدرزيَّةِ والمارونيَّة) ما بين عامي 1915 و1918، والتي فاقَمَها حِصارٌ بَحري «غربي»، وبري «تركي»، وجرادٌ زاحِفٌ من الجَّوِّ والبرِّ، أدَّى إلى هلاكِ قُرابَةِ ثَلثِ سُكَّانها. أدَّى هذا الضَّمُّ الجُغرافي إلى خلطِ المُرتكزاتِ الجيوطائفيَّةِ والجيومذهبيَّة التي كانت قائمة، نتيجةَ انضمامِ مُكوناتٍ سُكانِيَّةٍ تنتَمي لمَذاهِبَ أُخرى كاثوليكيَّةٍ، سنيَّةِ، شِيعِيَّة، أرثوذكسِيَّة وغيرها، جلبَت معها مَفاهِيمَ مدنيَّةٍ وأخرى قَبليَّةِ - عَشائريَّة، تَشابَكَت مع ما هو سائِدٌ من مَفاهيمِ البَكاوَةِ والمَشيخةِ والإقطاعِيَّةِ السِّياسِيَّة. أدَّى كُلُّ ذلك إلى إضافَةِ بذورٍ فِتنَوِيَّةٍ فئويَّةٍ إلى تلك التي كانت سائدةً، لتَتوسَّعَ دائرةُ الصِّراعاتِ والنِّزاعاتِ لتَشمُلَ مُختلَفِ المُكوِّناتِ الفِئويَّةِ السَّابقَةِ والمُستَجَدَّة بعد أن كانت محصورةً ما بين الدُّروزِ والمَوارِنَة.
صِراعاتٌ أُلبِسَت ظاهِريَّاً لُبوسَ الطَّائفيَّةِ تارَةً والمَذهبيَّةِ تَارَةً أُخرى، إلاَّ أنها في حقيقةِ الأمرِ هي صِراعاتٌ مَحمومةٌ على النُّفوذِ والسُّلطَةِ تدورُ رُحاها بينَ أمراءَ إقطاعيين عشائريين قبليين تَسلطيين استئثاريين، يسعى كُلُّ نافِذٍ (وارِثٍ أو مُستَجَدِّ) لإحكامِ هَيمنَتِهِ على باقي المُكوِّناتِ، أو بأقلِّ تقدير، للحِفاظِ على موقِعِه ومُكتَسباتِه ولضمانِ توريثِ المناصِبِ والمكاسب، أمَّا الوسائلُ فتَقومُ على اعتِمادِ خِطابٍ سِياسِيٍّ فِئويٍّ مَبنيٍّ على شَحنٍ طائفي أو مَذهَبي غرائزي الطَّابع.
الصِّراعاتُ السِّياسيَّةُ التي يَشهَدُها لُبنانُ اليومَ لا تختلِفُ عن سابقاتِها من حيث المَضمونِ والغَرض، إذ كانت ولم تزَل مَصلَحِيَّةً شَخصِيَّةً فئوِيَّة، وإن اختَلَفَت صُورُها وعَناوينُها وشِعاراتُها وأدواتُها؛ أمَّا المُتصارعون في ما بينهم لا يَختلِفونَ عمَّن سَبَقَهُم من حيثُ الخِصالِ والمزايا، حريصون على ألقابهم ومستمسِكون بمَناصِبِهِم، أمراءُ بالوراثةِ أم بسَطوَةِ السِّلاح، بكواتُ باللَّقبِ أم بالإتيكات، تَتَحَكَّمُ بسلوكِيَّاتِهم ومواقِفِهم نزَعاتٌ أنانيَّةٌ غرائزيَّةٌ شَخصيَّةُ وفئويَّةُ. أمَّا النَّتائجُ المُترتِّبةُ فواحِدَةٌ وإن كانت مُتَشَعِّبَة، تَتَمَثَّلُ في عَدَمِ استِقرارٍ سِياسِي -أمني، وانهياراتٍ اقتِصادِيَّةِ وأزَماتٍ مالِيَّةٍ ونَقديَّةٍ ومَعيشِيَّةٍ حادَّة، تَدفَعُ مُجتَمِعَةً بالشَّبابِ اللبناني بين فَترَةٍ وأُخرى إلى هِجرَةٍ قَسرِيَّة.
إن فشَلَ الحِواراتِ المُتَتالِيَةِ التي خاضَ غِمارَها اللبنانيون في الوصولِ إلى حلٍّ جَذرِيٍّ لمَشاكِلِهم لا تُردُّ إلى سوءِ إدارَةِ تلك الحِواراتِ ولا إلى الجِهاتِ الراعيةِ لها، ولا لفَحوى التَّوصِياتِ التي كانت تتمخَّضُ عنها، إنما لافتقادِ المُتحاورين اللبنانيين لِصدقِ النَّوايا، ولتَغليبِهم مصالِحِهِم الخاصَّةِ والفِئوِيَّةِ على المَصلَحَةِ الوَطَنِيَّةِ، ولأن مَصلَحَةَ المُتحاورين تتجسَّدُ في تكريسِ الزَّعاماتِ المناطِقِيَّة والمذهبيَّةِ والطَّائفيَّة واحتكارِها بأشخاصِهِم. وهذا يَتطلَّبُ تزاوجاً مُستداماً ما بين السُّلطةِ والثَّروة، ولو على حِسابِ أرواحِ عامَّةِ الشَّعبِ والثَّرواتِ الوَطنِيَّةِ وهيبةِ الدَّولة.
إن أفضَلَ تلك الحِواراتِ كان ذاكَ الحِوارُ الذي جرى بِرِعايَةٍ عربيَّةٍ ومُباركةٍ دوليَّةِ احتَضَنتهُ المَملَكَةُ العَرَبيَّةُ السُّعودِيَّةُ، هذا الحِوارُ أسفرَ عن اتِّفاقٍ وطني مكتوب، بُنِيَ على إصلاحاتٍ سِياسِيَّةٍ جَوهَرِيَّةٍ، ترعى خُصوصِيَّةَ لبنان المُتنوُّعِ بمُكوِّناتِهِ المَذهَبِيَّة، والذي حالَ دونَ تهميشِ أيِّ مُكَوِّنٍ من المُكوِّناتِ اللبنانيَّةِ الطَّائفيَّةِ أو المذهَبيَّةِ وهَيمنتِه على أيٍّ من المُكوناتِ الأخرى، كما حالَ دون التَّفرُّدِ الشَّخصيٍّ بالسُّلطَة، كذلك حالَ دونَ طغيانِ أيٍّ من السُّلطاتِ الدُّستوريَّةِ على ما عداها بتَكريسِهِ الفَصلَ ين السُّلطاتِ، وِجعله السُّلطَةِ التَّشريعِيَّة سيدةَ نفسِها، وإيلائها َصلاحيةً رقابَيَّةً على أعمالِ السُّلطَةِ التَّنفيذِيَّةِ التي اناطَها بمَجلِسِ الوزراء، وبجَعلِ رَئيسِ الجُمهورِيَّةِ حاكِماً حَكَما، ضامِناً لاحتِرامِ الدُّستور، وراعِياً للتَّكامُلِ بين المؤسَّساتِ الدُّستوريَّةِ وتعاونِها مع بعضِها البعض. 
هذا الإتِّفاقُ الذي بُنِيَ على رُؤيَةٍ سِياسِيَّةٍ نهضويَّة، وكُرِّسَ دُستورِيًا، لم يؤت ثِمارَهُ لكونِ الإشرافِ على تنفيذِهِ أوكِلَ لدولةٍ شَقيقَةٍ تَتعارَضُ إديولوجِيَّاتُ نِظامِها مع استِقرارِ لبنان ونهضَتِه وهامشِ الحُرِّيَّةِ السَّائدِ فيه، وتَتَماهى مَصالِحُهُ مع إحكامِ سَيطَرَةِ أحدِ المُكوِّناتِ اللبنانيَّةِ على المُكوِّناتِ الأخرى، فأوكلَ هذا النِّظامُ تَنفيذَ مُخطَّطه لجهازِ مُخابراتٍ أنشأه خِصيصاً لتَحقيقِ تطلُّعاتِه في لبنان، فجاءتِ التَّرجمةُ على أرضِ الواقِع بتَعزيزِ دورِ المُكوِّنٍ المَحظي على حِسابِ المُكوناتِ الأخرى التي جُرِّدَت من عناصرِ قوَّتِها، واستتبعَ ذلك بإقصاءِ رِجالِ الدَّولَةِ وتغييبِ الوطنيين،  وتَهميشِ رِجالِ الفِكرِ وإعلاءِ شأنِ السُّفهاءِ الوَقحين، وتمكينِ المُتوسِّلين الوصوليين، وجَعلِهِم في صَدارَةِ قائمَةِ النَّافِذين، وتخوينِ المناوئين تمهيداً لتَصفيتِهم. ونُفِّذَ الاتِّفاقُ استِنسابيًّا ومُجتزءاً، وحُرِّفَت نُصوصُهُ، وحوِّرت مَقاصِدُهُ، وانتُهِكت أسُسُ النِّظامِ الليبرالي البرلماني، وقُوِّضَت مُقوِّماتُه، وشُوِّهَت المُمارَسَةِ الدِّيمقراطِيَّة، وأُخِلَّ بمُرتكزاتِ التَّوازنات الوطنيَّة، وقُضِيَ على مبدأ الشَّفافيةِ والمُساءلة وشَاعَ الفسادُ والإفسادُ، وسُيِّرت شؤونُ الدَّولةِ بـ«ريموت كونترول»، أرسى استِقراراً سِياسِيًّاً وأمنيًّا مُصطَنَعين، ما لَبِثا أن انهارا فَورَ انحِسارِ هَيمَنَةِ الجِهَةِ المُحرِّكَة.
ورغم كل تلك الانتِهاكاتِ الفَظيعَةِ، لم تَصِلِ الأُمورُ إلى حَدِّ تَعطيلِ المؤسَّساتِ الدُّستورِيَّة، وشَلِّ القِطاعِ العام ومَرافِقِ الدَّولةِ الحَيَوِيَّةِ وفقَ ما نَشهَدَهُ اليوم. حيثُ تَفاقَمَت حِدَّةُ المُماحكاتِ والمُناكفاتِ السِّياسِيَّةِ وراجَت مُناوراتُ الابتِزازِ السِّياسي ولُعبةُ عضِّ الأصابِع، بغرضِ تَحقيقِ مَكاسِبَ مادِّيَّةٍ ومَعنَوِيَّة، نجحَ مُتقنوها في تَحقيقِ مآرِبهِم في أحيانٍ كَثيرَة، وكادَ نَهجُ الابتِزازِ السِّياسيِّ التَّعطيليِّ أن يُكرَّسَ أعرافاً دُستورِيَّةً تنطوي على مَخاطِرَ كِيانِيَّةٍ وجودِيَّة، فيما لو أُضيفَ إليها مُحاولاتُ جرِّ لبنانَ إلى مَحاوِرَ إقليميَّةٍ ودولِيَّةٍ، من شأن التَّغاضي عنها أو السَّيرِ في رَكبِها أن يُغيِّرَ وجهَ لُبنانِ الحَضاري، ويَسلُخَهُ عن بيئتِهِ العَربِيَّة، ويَضَعهُ في عُزلَةٍ دولِيَّة، ناهيكَ عن الإفلاسِ السِّياسِي والانهيارِ الاقتِصادِي والمالي والنَّقدِي والاختِناقِ المَعيشي الذي حلَّ به.
مكَّنت المناوراتُ التَّعطيليَّةُ مُزاوليها من تَحقيقِ عَدَدٍ من المَكاسٍبِ المادِّيَّةِ والمَعنَوِيَّة، في مَعرَضِ إنجازِ الاستِحقاقاتِ الوَطَنيَّةِ الهامَّة، كانتِخابِ رئيسٍ للجُمهورِيَّة، أو تَشكيلِ الحُكوماتِ، وتَسمِيَةِ الوزراء، وتَوزيعِ الحَقائب الوِزارِيَّةِ، وتَعيينِ المُوظَّفينَ في الفِئاتِ العُليا، وتشكيلِ القُضاةِ، فازدادوا إمعاناً في سَعيِهِم للتَّحكُّمِ بتَسييرِ شؤونِ الدَّولَةِ والإمساكِ بمَراكزِ القَرار، والتَّحَكُّمِ بأعمالِ الصَّرفِ والانفاق. فازدادوا تصلُّبًا وتَعنُّتًا وإصرارًا على مواقِفِهم، وسعوا إلى فرضِ مَشيئتِهِم على الآخرين، وفي هذا الإطارِ يَصُبُّ تَبنِّيهُم لتَرشيحِ حليفٍ يُشارِكُهم توجُّهاتِهِم ومراميهم المحليَّةِ والإقليميَّة، ودعوتُهم لباقي المُكوِّناتِ إلى حِوارٍ مَحصورٍ بمُرشَّحِهم الذي يؤكِّدونَ على أنهُ خيارُهم النِّهائي الذي لا رَجعَةَ عنه، ولا نيَّةَ لديهم في تطَرُّقِ الحِوارِ لخياراتٍ أُخرى. بل يُلمِّحونَ إلى ضرورةِ التَّباحُثِ في تَسمِيَةِ من سيكلَّفُ بتَشكيلِ الحُكومةِ القادِمَةِ ولمن الثِّلثُ المُعطِّلُ فيها وتَشكيلتِها وأسماءِ وزرائها، وتوزيعِ الحَقائبِ علهم وبرنامَجِها الوِزاري، وجداولِ أعمالِها ومَواعيدِ جَلساتِها ومتى يصُحُّ لرئيسِها أن يعطُس.
إن الدَّعوَةَ للحِوارِ في ظِلِّ الاحتِقانِ السِّياسي الراهن، والانقِسامِ العامودي الحادِّ، والاستِجابةَ لها واجِبةٌ ومن شِبهِ المُسلَّمات فيما لو صَدَقَت النَّوايا، ولو صَدَقَت لما كُنا من الأساسِ نتَخبَّطُ بكُلِّ الأزَماتِ الحالَّةِ بنا. إنما الدَّعوةُ التي نحن بصدَدِها اليوم، ظاهِرُها تَحاوري، منطِقُها استِثاري مُبتغاها تَحكُّمي، تَنطَوي على خَرقٍ للدُّستور، وتشويهٍ للمُمارَسةِ الديمقراطِيَّة، وضربٍ لسِريَّةِ الاقتراع، وتَعيينٍ لرئيسٍ بانتِخاباتٍ صُوريَّة. 
كم كانت الدَّعوةُ للحِوارِ لمَنطِقِيَّةً فيما لو احتُرِمت النُّصوصُ الدُّستوريَّةُ الناظِمَةُ للإنتِخابِات الرِّئاسيَّةِ السَّابقةِ وتَشكيلِ الحُكوماتِ المُتعاقِبَة. ولكانت مُقنعةً لو جاءَت بعد انتِخابِ رئيسٍ حاليٍّ للجُمهوريَّة، ولكانت مَقبولةً لو جاءت بداعي الاتِّفاقِ على مواصَفاتِ الرَّئيس، ولكان مُرَحَّبًا بها لو جاءت بداعي التَّدارُسِ للخروجِ من المأزق السِّياسِي الذي نتَخبَّطُ فيه، ولكانت ضروريَّةً لو جاءت بداعي النُّهوضِ بالوطنِ من كبوته، ولكانت محمودةُ لو جاءت بغرضِ تَعزيزِ روحِ المواطنيَّةِ التَّشارُكِيَّة، ولكانت مُطمئنةً لو جاءَت بغَرضِ ضَمانِ الودائعِ المَصرفِيَّة، ولكانت مُستحبَّةً لو جاءت بغرضِ استِعادَةِ الثِّقةِ بالنِّظامِ المَصرفي الذي يُعتبرُ عصَبَ الاقتِصاد القومي، ولكانت مَرجوَّةً لو جاءت بغَرَضِ تَخليصِ اللبنانيين من مُعاناتِهم المَعيشِيَّةِ اليومِيَّة، ولكم كانت مشروعةً ومُبرَّرةً لو جاءت من دونِ استِعراضِ القُمصانِ السُّودِ ورَفعِ السُّبابة للتذكير.
إن تكُن الدَّعوةُ للحِوارِ ستارٍاً لتَواري النُّصوصِ الدُّستورِيَّةِ فهي مَردودة، أو لتَبريرِ تَعطيلِ الانتِخاباتِ الرئاسيَّة فهي مَشبوهَة، أو استِجابةً لإملاءاتٍ خارجيَّةٍ فهي مُدانة، أو تماهياً مع تَحقيقِ مآربَ غير وطنيَّة فهي مرفوضة، وهي مردودةٌ ومشبوهةٌ ومُدانةٌ ومرفوضةٌ إن كانت لأغراض استئثارِيَّةٍ تحكُّمِيَّة. إن مُعالَجَةَ أسبابِ الإحتِقانِ ووضعِ البلدِ على سِكَّةِ الحُلولِ يكونُ باحتِرامِ الآلِيَّاتِ الدُّستوريَّة، وبعدَها يا مَرحَبًا بتَحاوُرٍ مَفتوحِ ومُنفَتِح.