بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 شباط 2023 12:00ص تعثّر مسعى موفد الراعي بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"

الحديث الديموغرافي يعمّق آلام المسيحيين

حجم الخط

ليست المرة الأخيرة التي يُحرَّك فيها السكين في جرح الوجدان المسيحي مع الحديث الأخير عن التراجع الديموغرافي الدراماتيكي للمسيحيين، لكنه الأكثر وقعاً بالنظر إلى حالهم اليوم.

فالضجيج القائم بعد حديث الرئيس نجيب ميقاتي عن تقرير حصلت عليه البطريركية المارونية حول تراجع مهول في نسبة المسيحيين في لبنان وصلت معه انحداراً إلى 19,4 في المئة، لن يزيد سوى في تعميق الشعور بالغبن المسيحي.

ومع التقرير يعود الكلام القديم الجديد عن سلسلة الهزائم التي تعرض لها هؤلاء عسكرياً ثم سياسياً وهجرتهم المضطردة من لبنان إحباطاً ويأساً، رغم كل محاولات ثنيهم عنها من مرجعيتهم الدينية وممثليهم في السلطة.

الحديث يطول هنا حول ما يُحيق بالمسيحيين من وضع انحداري بدأ منذ النصف الثاني من الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي والتي تمخضت نتائجها عن بداية إحباط في مرحلة التسعينيات، ظنّوا أنهم وضعوا خاتمته مع انطلاق مرحلة العودة من المنافي والخروج من السجون العام 2005.

لكن زمن تأسيس الكيان اللبناني مروراً بالعقود الذهبية وصولاً الى الحرب وما بعدها، فعل في تعزيز مسار تاريخي لم يكن مقدراً لهؤلاء تخطيه، مع تحملهم أيضاً لجزء وازن من مصيرهم بعد تناحرهم في السابق كما اليوم على سلطة لم يبق منها ما يُغري أصلاً.

على أن الحديث الديموغرافي الأخير سيُرسَّخ في الوجدان حتى لو استند كثيرون الى أرقام المسيحيين على لوائح شطب الانتخابات الماضية التي تخطوا فيها نسبة الـ 34 في المئة، فهذا رقم خاضع هو الآخر للتساؤلات وسط هجرة متنامية مستقبلاً وولادات مضطردة لدى الطوائف الأخرى لا سيما السنية والشيعية، علماً أن رقم نسبة المسيحيين على لوائح الشطب يشمل كثيرين صوتوا في الاغتراب اللبناني.

في ظل كارثة اجتماعية هي الأكبر منذ ما قبل نشوء الكيان في العام 1920، وانسداد في الأفق السياسي هو الأشد في هذه اللحظة بالذات وسط سعار داخلي وإقليمي ودولي، سيكون للمسيحيين الحصة الأكبر في المعاناة من دون أن يعني ذلك أن حال الطوائف الأخرى لن يكون مشابهاً، لكن إسقاط النزيف المسيحي على الهزيمة السياسية وعودة الحال إلى ما قبل العام 2005 حين كان المسيحيون بيادق لدى اللاعبين الكبار في الداخل، سيعني أمراً واحداً: تهديد الأمن الإجتماعي والأهلي ونزوع الشرائح الساحقة من المسيحيين نحو الأمن الذاتي والانعزال وتصاعد دعوات الفدرلة والتقسيم بغض النظر عن واقعية تلك الدعوات شبه المستحيلة في لبنان.

اليوم وسط فراغ مخيف وشلل في المؤسسات على رأسها رئاسة الجمهورية المسيحية، ومع تزامن الهجرة في هذه الطائفة مع ثقل النزوح السوري المخيف خاصة للمسيحيين، ومع خشية الكثير منهم من واقع "حزب الله" ووهجه، سيشكل فرض رئيس غير ممثّل مسيحياً عليهم ضربة كبرى لواقعهم.

حديث متبادل عن تغيير في تركيبة الحكم

تقوم المرجعية الدينية بدور على قدر ما تستطيع لجمع الموارنة على إسم للرئاسة، لكن الأمور ما زالت بالغة الصعوبة ومن غير المرجح أن يمضي البطريرك بشارة الراعي قدماً في مسعى سيكون هو نفسه ضحية فشله بعد تعثر وساطة موفده حسب متابعين، راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم، مع الأفرقاء المعنيين، تحديدا "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية".

يأتي هذا التعثر بعد أيام على تعثرات بطريركية كانت آخرها اللقاءت التي عقدت في بكركي التي تبلّغ الراعي صراحة في إحداها من رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع رفضه لقاء رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، مباشرة أو عبر الواسطة، للاتفاق على إسم الرئيس.

على أن الحديث الديموغرافي لدى كثيرين يترافق مع طروحات مواربة صدرت أخيراً تزيد من تعقيد الوضع، إذ تصاعد حديث من هنا وهناك متحدثاً عن الفرصة المسيحية الأخيرة وعن تغيير في تركيبة الحكم تحاكي ما حدث من متغيرات في السنوات الماضية وصولاً إلى إعادة التموضع الطائفي في وظائف الفئة الأولى.. وإذا كانت تلك الطروحات غير جديدة إلا أن خطورتها تكمن في ترافقها مع كلام مسيحي من قبل قوى وازنة مثل "القوات اللبنانية" عن التركيبة ومثلها عن الطلاق من قبل حزب تاريخي كـ"الكتائب"..

بهذا الواقع المؤسف لن يفعل فرض رئيس مسيحي، إذا حصل علماً بأنه صعب المنال ناهيك عن وجود الرغبة القاطعة به، سوى في تعميق الجرح المسيحي وفتح الأبواب مُشرعة أمام فوضى أهلية ستكون وبالاً على اللبنانيين.