بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تشرين الثاني 2023 12:00ص «جامعة الهموم العربية»!

حجم الخط
من المحيط إلى الخليج، يتساءل المواطن العربي «أين جامعة الدول العربية» مما حصل، ويحصل، وسيحصل؟!
قد يتعجب البعض حين يعلم أن أول من تحدث، بصورة رسمية، حول ضرورة وجود كيان سياسي يجمع الدول العربية في عام 1941، هو أنتونى إيدن، وزير الخارجية البريطاني الأسبق، عندما تطرق إلى أن حكومة بلاده تؤيّد مساعي العرب نحو تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية بين بلادهم. وكان الدافع الحقيقي محاولة بريطانيا وفرنسا تجنّب حدوث اضطرابات داخل مستعمراتهما في المنطقة، في ظل الضغط الشديد من المعسكرين الفاشي والنازي على بلادهما.
وبعد ذلك بدأت سلسلة من المشاورات بين ممثلين من مصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، والمملكة العربية السعودية، والأردن، واليمن، أسفرت عن التوصل إلى فكرة إنشاء اتحاد يهدف إلى التعاون والتنسيق بين الدول العربية، مع احتفاظ كل دولة بسيادتها واستقلاليتها، والتوصل إلى بروتوكول (في عام 1944) من أبرز نقاطه ان «قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها». ويبلغ عدد أعضاء الجامعة حالياً 22 دولة.
بعد مرور حوالي تسعة وسبعين عاماً على إنشاء جامعة الدول العربية يبقى أن نقول إن المشكلة الرئيسة لا تكمن في هيكلية الجامعة وأنظمتها (وإن كانت تحتاج إلى تعديل جذري)، وأن سبب تعثّرها ليس هو نظامها فقط، ولكن تكمن أسباب الأزمة في عدم وضوح الرؤية والهدف، وانتفاء صفاء النيّة وانعدام الصدق، وفي اضمحلال الرغبة الأكيدة الواضحة في التقريب بين المفاهيم وتوحيد المصالح، وترسيخ القواعد والنقاط المشتركة، وتصنيف العدو والصديق.
لم يعد مُجدياً أن نختبئ خلف قشّة هشّة قائلين «ليس بالإمكان أحسن مما كان»، مُرددين برتابة أن الظروف العربية والدولية وهيمنة العولمة قد قزّمت دور جامعة الدول العربية بهيكليتها التنظيمية المتهالكة التي عفا عنها الزمن، ودورها القاصر عن التأثير في مجريات الأحداث والأمور مهما صغرت. ورغم الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها بعض الدول الأعضاء فيها، إلّا أن دورها في الأزمات التي تحصل في هذه الدول ما يزال محدوداً مقارنة بمنظمات شبيهة كالاتحاد الأوروبي مثلاً.
لقد طُرح من قبل مشروع لتعديل أنظمة جامعة الدول العربية، دون أن يرى النور، علماً بأن «ماكياج» تعديل الأنظمة الداخلية لن يفي وحده بالغرض، وصار لزاماً على الدول الأعضاء (على ضوء ما يحدث في المنطقة) سرعة التصرف، كي لا ينتقل دور الجامعة من الجمع والتوحيد إلى التفريق والتشرذم، ومن الإلفة والمصالحة إلى الاقتتال والصراع، وبذلك يتحوّل اسمها من «جامعة الدول العربية» إلى «جامعة الهموم العربية»!
إن تاريخ جامعة الدول العربية هو سجلّ حافل بالإخفاقات على مرّ الزمن من أزمة العراق - الكويت، وأزمة البحرين - قطر، وأزمة دارفور في السودان، وأزمة المغرب والصحراء الغربية، والأزمة السعودية - اليمنية، والأزمات اللبنانية، وأزمات الربيع العربي، ونكبة فلسطين والأزمات الفلسطينية قديمها وحديثها، وغيرها الكثير من ملفات الأحداث والأزمات، ناهيك عن مهزلة «مكتب مقاطعة إسرائيل» الذي أنشأته جامعة الدول العربية عام 1951. ولقد حوّلتها الأزمات المتلاحقة إلى منظمة ضعيفة وشبه مشلولة.
وفي ظلّ توالي ظاهرة الانبطاح والتطبيع الاستسلامي في عالمنا العربي، هل نرى قريباً الكيان الصهيوني الغاصب عضو شرف، أو بصفة عضو مُراقب، في جامعة الدول العربيّة؟!
إذن، وكي لا تقضي الجامعة العربية فجأة بالسكتة القلبية أو الدماغية نقترح تحويلها إلى «جامعة الدول الناطقة باللغة العربية»، على أن تهتم بمسائل اللغة العربية والترويج لها، مثل الإشراف على مجمّعات اللغة العربية، والدعوة إلى إحياء التراث، وتنظيم مباريات الخطابة، والمسابقات الشعرية وحفلات الزجل، وإحياء سوق عكاظ، إلخ... وبذا نُحِلّ الجامعة من ميثاقها وتعهداتها والتزاماتها... ومن اسمها... ومن عبء تاريخها!