بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 نيسان 2022 12:02ص جرائم حرب بحق المسجد الأقصى

حجم الخط
إنّ الاعتداءات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى بشكل خاص وفي الأراضي الفلسطينية بشكل عام تمثل «جرائم حرب»، بحسب نصوص القانون الدولي والمواثيق الأممية التي وقّعت عليها دولة الاحتلال ذاتها، كما تشكّل استفزازا كبيرا لمشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم خصوصاً في شهر رمضان المبارك.

حيث ينص ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، في هذا الشأن بالتحديد على أن «أي شخص يشنّ بشكل متعمد هجوم على مبانٍ مخصصة لأهداف مثل العبادة أو التعليم أو الفن أو العلم أو العمل الخيري يرتكب جريمة حرب». أما محكمة نورمبرغ في أعقاب الحرب العالمية الثانية لسنة 1945 فقد أكدت على أن تعرّض سلطات الاحتلال للأماكن الدينية أو المساس بها، وكذلك إعاقة أو تعطيل الشعائر الدينية في الأراضي المحتلة يشكّل جريمة من جرائم الحرب تدينها قوانين وأعراف الحرب والاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية والمبادئ العامة المعترف بها من الدول المتمدنة. كما تنص المادة 56 من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907 على أن «امتلاك البلديات والمؤسسات الدينية والتعليمية، حتى ولو كانت للدولة يجب أن تعامل كالأملاك الخاصة، وان الاستيلاء أو التدمير أو الأضرار المتعمدة لهذه المؤسسات آو المباني التاريخية أو التحف الفنية محظور. ويجب أن تتخذ قيد المخالفين لنصوص هذه الاتفاقية كل الإجراءات القضائية». أما اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، فتنص على «الحماية الكاملة للمواقع ذات الأهمية الثقافية والحضارية خلال الصراعات المسلحة. وعلى أن القوات المحتلة ملتزمة بحماية التراث الثقافي والحضاري للبشرية بهدف حماية تلك المواقع من التدمير أو النهب والسلب أو الاستخدام غير الضروري للقوة العسكرية ذلك أن الاعتداء على تلك المواقع والإضرار بها بأي صورة من الصور، بغض النظر عن الشعب أو الدولة التي تقع تلك الأماكن على أراضيها، يعتبر اعتداءً على البشرية ككل».

وقد أكدت المادة 53 من بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977 التي حظرت الأعمال العدائية الموجهة ضد أماكن العبادة، التي تشكّل التراث الثقافي والروحي للشعوب على: حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة، وحظرت المادة الأعمال التالية: (1) ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية، أو أماكن العبادة التي تشكّل التراث الثقافي، أو الروحي للشعوب. (2) استخدام مثل هذه الأعيان في دعم المجهود الحربي. (3) اتخاذ مثل هذه الأعيان محلاً لهجمات الردع. أما المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الخاصة بحماية السكان المدنيين فقد نصت على حق السكان في المناطق المحتلة في ممارسة شعائرهم الدينية حسب عاداتهم وتقاليدهم. بينما أكدت المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنّ لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

وعموماً فوفقاً للمعايير الدولية، وبشكل خاص أحكام القانون الدولي الإنساني، ومبادئ القانون الدولي العام المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ومقاصد الأمم المتحدة وأحكام ميثاقها، وإعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وإعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1904 (دورة 18) بتاريخ 20/11/1963 يمكن تكييف الانتهاكات الإسرائيلية في القدس كمدينة من ناحية، وتجاه سكانها من الفلسطينيين، منذ احتلالها عسكرياً سنة 1967 من ناحية أخرى، على أنها أعمال تتعارض كلياً مع أحكام اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، والمعقودة في 18 تشرين الأول 1907، وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب لعام 1949، والبروتوكول الملحق الأول باتفاقيات جنيف الأربع، كما تتعارض كلياً مع مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، كما تتعارض مع أحكام العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وكذلك تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون الأول 1948 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تتعارض مع أهداف الأمم المتحدة ومقاصدها وتنتهك أحكام الميثاق.

ويتحمل المجتمع الدولي، وفي المقدمة مجلس الأمن مسؤولية ما يجري في القدس، لا سيما لناحية إقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على اقتحام المسجد الأقصى وإغلاق بواباته، والاعتداء على المصلين في داخل المسجد وفي باحاته، وإصابة 152 مواطناً فلسطينياً واعتقال المئات. فوفقاً للمادة 43 من اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907م، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يرتب لسلطاته أية حقوق أو آثار على حق السيادة الأصلي للمناطق الفلسطينية المحتلة، بل يبقى حق السيادة قانوناً للدولة الأصلية صاحبة الإقليم المحتل، وإن الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس لا يؤدي إلى نقل السيادة للقوات المعتدية؛ لأن الاحتلال مؤقت ومحدود الأجل بحسب قراري مجلس الأمن 242 لسنة 1967 و338 لسنة 1973.

وللتذكير بتاريخ 21/8/1969 قامت السلطات الإسرائيلية بإحراق المسجد الأقصى في محاولة منها لتهويد مدينة القدس العربية، وفي سنة 1996 قامت حكومة نتنياهو السابقة بافتتاح نفق تحت المسجد الأقصى وهو ما أدّى إلى مواجهات عنيفة عرفت آنذاك بهبّة البراق والتي راح ضحيتها العديد من الأرواح. وبالتالي، يتحمل مجلس الأمن مسؤولية عدم تحرّكه لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة والمتكررة بحق الأقصى وللاستفزاز الدائم لمشاعر المسلمين، خصوصاً في شهر رمضان المبارك والأعياد.

ولذلك ندعو مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة مخصصة للقيام بمهامه في حفظ الأمن والاستقرار الدوليين، لأن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تعتبر تهديداً خطيراً للأمن والاستقرار الدوليين. كما ندعو مجلس حقوق الإنسان للانعقاد بشكل عاجل؛ للوقوف على الانتهاكات الإسرائيلية بحق المصلين التي تعتبر مخالفة لحقوق الإنسان. وندعو اليونسكو أيضاً للقيام بدوره، ومعاقبة إسرائيل على انتهاكاتها بحق المسجد الأقصى. كما نحثّ جميع الدول العربية والإسلامية للتقدم بشكوى إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، لملاحقة قادة الكيان الصهيوني الإسرائيلي، بجرائم حرب بحق المسجد الأقصى. ونحث الجميع على فضح الممارسات الإسرائيلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عبر المنصات والمواقع الدولية.

* محامٍ وأستاذ جامعي