بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الأول 2018 12:00ص جمال عبد الناصر

حجم الخط
في الثامن والعشرين من أيلول وعلى بعد ثمانية وأربعين عاماً من الآن (28/9/1970) فُجعت الامة العربية ومعها شعوب وامم العالم الإسلامي وحركات التحرر الوطني العالمية وتحديداً في قارات العالم الثالث (آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية) بانتقال جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 يوليو/تموز 1952 في مصر الى جوار ربه تاركاً سجلاً حافلاً بالنضالات والإنجازات النوعية في كافة ميادين الحياة والتي لن تستطيع حقبات زمنية كثيرة ومتعاقبة إعطاءه حقه فيها وتغطيتها كاملة.
واذا كان لا بد لنا اليوم من كلمة في ذكرى 28/أيلول/2018 وتحديد ما تركه فينا جمال عبد الناصر من مبادئ استراتيجية كفيلة اذا ما سرنا عليها وتمسكنا بها ان نبقى على طريق جمال عبد الناصر، على الطريق الحق في تحقيق امالنا واحلامنا الوطنية والقومية العربية:
بعد كل الإنجازات والمواقف الثورية والعلاقات الوطنية والقومية والدولية التي سار عليها عبد الناصر والتي لا يتسع المجال لذكرها كلها: اليس صحيحاً ما صار متفقاً ومسلماً به ان يوم 23/يوليو/تموز 1952 كان ثورة وليس انقلاباً؟! اليس محقاً ان نطلق على عقدين من السنوات من عمر الثورة المصرية وعمر جمال عبد الناصر تعبير: عصر عبد الناصر؟! تماماً كما اجمع علماء الجيوسيسيا وتماماً عندما رثاه الشاعر العروبي الفذ نزار قباني:
وعندما يسألنا أولادنا... من انتم؟ في أي عصر عشتم
نجيبهم في عصر عبد الناصر.. الله ما اروعها شهادة
انْ يوجد الانسان في زمان عبد الناصرِ...
هذه السيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، ولعل القوى والجهات المعادية لجمال عبد الناصر (دولاً واحزاباً وجماعات وافراداً) لم تأنس لوفاته وان كانت لم تستطع ان تخفي شماتتها – والشماتة عيب -، ولذلك ستبقى على سلاحها المعادي مشهوراً بوجهه، بعد وفاته – كما قبل وفاته – بوجه تاريخه ومبادئه الاستراتيجية التي صاغها، وأسلوب نضاله المعادي لها، طالما ان الشعب المصري والأمة العربية وشعوب حركات التحرر الوطني في العالم سائرة – بعد وفاته الجسدية – على ضوء مبادئه ونضالاته مهما طال الزمن وفي ذلك التأكيد ان عبد الناصر الجسد قد مات ولكن عبد الناصر الفكر والنضال لم يمت ولن يموت: وهذا ما يرعب ويخيف على الدوام القوى المعادية بعد وفاته.
لقد ترك عبد الناصر مبادئ ومناهج عمل وطنية وقومية وعالمية في قطاعات السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي كافة شؤون الحياة ومبادئها: كافيةً – اذا ما إتُبعِت على الدوام من جماهير امتنا العربية في مختلف دولها وانظمتها، للنجاح في تحقيق كل اهدافنا ولا سيما:
- في مجال تحديد القوى العدوة للامة العربية كما حددها ناصر: ان عدوي وعدو امتي هو ثالوث:
• الاستعمار / الصهيونية / الرجعية العربية
- في مجال تحديد أسس الصراع مع إسرائيل وصولاً الى استعادة فلسطين كلها وكاملة من البحر الى النهر كان موقفه واضحاً:
• لا صلح – لا مفاوضات – لا اعتراف.
• ما أخذ بالقوة لا يسترد الاّ بالقوة.
• المقاومة الشعبية المسلحة، وجدت لتبقى بوجه إسرائيل.
- في مجال التصدي للتخلف الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية قال وارسى القواعد التالية:
• لست ضد الإرث انّ الإرث شرع سماوي. ولكني ضد الملكية المستغلة.
• إني مع الإرث واريده في الكفاية وليس في الحاجة واريده في الصحة وليس في المرض واريده في العمل وليس في البطالة واريده في العلم وليس في الجهل.
• أريد إزالة الفوارق بين الطبقات عن طريق تكافؤ الفرص كفايته وقدرته وخلقه.
في 28 أيلول 1970 وجمال عبد الناصر في مطار القاهرة يودِّع ملوك ورؤساء الدول العربية الذين فرغوا من اجتماعات مؤتمر القمة العربية الاستثنائي والمفاجئ الذي عقد بدعوة من رئيس الجمهورية المتحدة جمال عبد الناصر لمعالجة القتال الخطير الذي انفجر في المملكة الأردنية الهاشمية بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ووضع حد له. وبعد ما فرغ من توديع رئيس جمهورية لبنان وقتذاك سليمان فرنجية عند باب الطائرة، التفت الى المحيطين به وطلب على الفور سيارة الرئاسة التي اقلته الى البيت – وليس الى المستشفى – بناء لاصراره، حيث امضى ساعة من الزمن فارق بعدها الحياة الى جوار ربه، ومصرُ والامةُ العربية والعالم المحب للسلم وللعدالة بحاجة اليه.
مات جمال عبد الناصر وهو المؤمن بقدر الله رب العالمين: «انك ميِّتٌ وانهم ميِّتون – كل نفس ذائقة الموت».
مات عبد الناصر: الانسان: في طفولته وفي فتوته وفي شبابه وفي بداية هرمه، مات عبد الناصر الجسد، ولم ولن يموت جمال عبد الناصر: البطل – الثائر – الرائد – القائد – المفكر – المناضل – الملهم – الزعيم المصري والعربي والإسلامي والعالمي وفوق كل ذلك الإنساني. فهو دائماً معنا وبيننا جيلاً بعد جيل بما تركه لنا وبما تركه فينا من سيرة حياة عابقة بالانسانية وبالتواضع، التواضع طيلة مراحل عمره الذي لم يتجاوز الثانية والخمسين.
يقول جمال عبد الناصر: «لقد أعطيت هذه الثورة العربية عمري وسيبقى لهذه الثورة العربية عمري، ولسوف ابقى هنا، ما أراد الله لي البقاء، اقاتل بجهدي كله من اجل مطالب الامة العربية، واعطي حياتي كلها لحق الجماهير في الحياة. فلقد اعطتني هذه الامة من المحبة والتقدير والتأييد ما لم يكن يخطر ببالي في وقت من الأوقات، وليس عندي ما اعطيها غير كل قطرة من دمي»
صدق جمال عبد الناصر بكل ما التزم وتعهد به، وبقي على ذلك في كل عمره الى الحد الذي أراده الله له.
وجمال عبد الناصر، كان يتوجه الى الشعب المصري والى الامة العربية ويبدأ خطاباته ببدايه فريدة ومحببة: «أيها الاخوة المواطنون» وكان ينهي خطاباته بـ: «وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
وفي جمال عبد الناصر، كتب محمد حسنين هيكل يقول: «انه بكل عظمته لم يصنع مصر، ولكن مصر بكل عَظَمَتِها هي التي صنعته، ولو وًلِدَ في غير مصر لما ظَهَر، ولو ظهر في غير مصر لما استطاع. دوره كله جزء من قدر مصر وقدر امته العربية. ان دور البطل ظاهرة مؤقتة في التاريخ – ويجب ان يكون كذلك – لان الأصل والاساس الباقي هو الشعب»
وفي جمال عبد الناصر قال كمال جنبلاط» «أيها البطل في الهزيمة لقد حلا الموت من بعدك».
واليوم وبمناسبة رحيل الزعيم عبد الناصر الخالدة، أقول واياكم وبإذن الله دائماً: السلام عليك يا جمال، يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.
وعهداً ان تبقى الامة كلها سائرة على خطاك مهما كلفها ذلك من تضحيات.

* المنسّق العام لشبكة الأمان للسلم الأهلي.