بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 حزيران 2018 12:49ص حكايا التزوير والإنتخابات.. من لبنان الصغير إلى 2018 1/6

العهد الإستقلالي الأول ينتج الإنتخابات الفضيحة عام 1947

حجم الخط
لم يستطع العهد الاستقلالي الأول أن ينجز قانوناً انتخابياً مختلفاً عن قانون الانتداب الفرنسي الذي أجريت على أساسه انتخابات عام 1943، لا بل إنه أنجز أول انتخابات في العام 1947 ذاع صيتها في حينها التزوير، فبعثر المعارضة وشتتها، مثل الضغط على جوزف سكاف الذي أجبر على نقل ترشيحه من البقاع إلى الجنوب، ليحل بدلاً منه هنري فرعون في البقاع؛ من أجل تركيز زعامته الكاثوليكية، وضغط على صائب سلام في بيروت.. من أجل الانسحاب، ومنع تشكيل قائمة معارضة، كما عمل على تفكيك جبهة المعارضة في الجنوب.
ويروى عن تلك الانتخابات: أنه تم التلاعب بلوائح الناخبين وبتوزيع أقلام الاقتراع، فتم انتقاء رؤساء الأقلام من موظفي الدولة الموالين والمدربين على التزوير، ناهيك عن القيام بأعمال التزوير علناً.
ويروى عن هذه الانتخابات: أن نتائج فرز أقلام الاقتراع لم تتطابق مع النتائج التي صدرت في مراكز المحافظات، ومن الأمثلة على ذلك في محافظة جبل لبنان: أن نتيجة فرز قلم البوار كانت 190 صوتاً.. لكنها في بعبدا بلغت 353، وفي قلم إهمج بلغت 360، فصدرت في بعبدا 756، وفي قرطبا 62 صوتاً.. لكنها بلغت في بعبدا 375 صوتاً، وفي غلبون 10 إنما نتيجتها في بعبداً كانت 560، وفي علمات كان 25 لتبلغ في بعبدا 390، وفي المغيرة كانت 28 إنما في بعبدا بلغت 300، وفي لحفد كان مجموع المقترعين في قلمها 198 مقترعاً.. لكنهم بلغوا في مركز المحافظة في بعبدا 550 مقترعاً.
ويروي الشهيد كمال جنبلاط -الذي كان وزيراً في تلك الحكومة- أن عدد الناخبين إلى جانبه بلغ 53 ألفا حسب النتائج الرسمية، رغم أن عدد المقترعين لم يتجاوز الـ 40 ألفا، مما يعني أن 13 ألف صوت قد أضيفت إليه، وحمل مسؤولية التزوير هذه إلى قائمقام الشوف في حينه.
وجاء في كتاب «جريمة 25 ايار 1947» نماذج مذهلة عن تلك الانتخابات، فيقول: «تجلت «البطولة» ومنعت المعارضة من الاقتراع بشتى الطرق، وقد جاءت غوسطا التي جعلوها قلعة حكومية بما ضموا اليها من اقلام اقتراع مجلية في ميدان التزوير والتلاعب، فوقف «القبضايات» على ابوابها وحالوا دون دخول احد من المعارضين بقوة السلاح، وفضلاً عن ذلك كانت ميداناً فسيحاً للتلاعب حيث اقترع احد الموتى وانتخب الشخص اكثر من مرة بتذاكر نفوس عديدة ليست له.
مثال على ذلك ان المدعو انطوان يوسف افرام الشمالي الغائب عن البلدة وهو كتائبي، اقترعوا باسمه بعد ان حصلوا على تذكرة نفوسه من والده بطرق الضغط المعروفة وانتخب بها المدعو انطوان حنا سرور من درعون، وانتخب بعدة تذاكر مزورة غيرها كان يوزعها الدكتور صخر الخازن، واقترع المدعو انطوان ميلاد الشدياق اربع مرات بتذاكر مزورة كما اقترع مختار درعون حنا انطوان الشمالي اكثر من ثلاثين مرة بالطريقة نفسها.
وقد حطمت سيارة من دلبتا لانها كانت تعلق صورة الاستاذ اده وضرب شاب من عرمون على رأسه بهراوة لانه طالب بأن يكون الانتخاب حراً فجرح جرحاً بليغاً، وارجع رئيس عام المرسلين البولسيين في حريصا مع كهنته بالقوة لانهم لم يشاؤوا انزال اللائحة الحكومية».
ومما جاء أيضاً، «ومعلوم ان قلم اقتراع غوسطا كان يضم القرى التالية: درعون، معراب، عين ورقة وثلاثة قرى غيرها فاتنا ذكرها وذلك لطمس الحقائق، وما أزفت الساعة التاسعة حتى كانت 1200 ورقة موضوعة في صندوق الاقتراع.
ثم اشار مرشح المنطقة الى القبضايات وجوب ارجاع كل نائب من حيث اتى وهكذا كان.
وقد احسَّ باللعبة الوزير شمعون فعاتب المرشح (فريد الخازن) بشدة على تلك اللعبة المفضوحة، وهدد بفضح القضية فما كان من المرشح المذكور الا ان تنصل مما اقدم عليه قائلاً: انه لم يقدم على ما اقدم عليه الابناء لأوامر عالية».
ويعترف رئيس مجلس النواب الأسبق الرئيس الراحل صبري حمادة، وهو كان يشغل في هذه الحكومة، منصب وزير الداخلية بالتزوير واصفاً إياه بـ «التزوير الحلال» فيقول: «الحقيقة انني لم اتحمل وحدي مسؤولية ما حدث في انتخابات 25 ايار، بل شاركني فيها كميل شمعون الذي كان وما زال في نظري مهندساً جغرافياً لا يجارى وتكنولوجياً بارعاً في علم الانتخابات وما اليها، خلاف طارئ مع هنري فرعون واعتلال في صحتي حملني على أن أعهد اليه بأمر الإشراف على المعركة الانتخابية، لم تكن قد انقضت أشهر قليلة على وفاة سليم تقلا حتى شعرت ليلاً بانقباض في القلب وبحالة من الارهاق دفعتني إلى الاعتقاد بأنني سأقضي مثلما قضى، تملكني هاجس ألزمني الفراش أكثر أيام تلك السنة، وكان ما كان من أمر تلك الانتخابات التي ضخمت الصحافة فيما بعد ما قيل عن عمليات تزوير ارتكبت خلالها، وإن كان ثمة تزوير فمرده إلى كوننا سعينا لابعاد كل من شابت وطنيتهم شائبة لخطورة الموقف، والفرنسيون ما زالوا يسعون لاستعادة سيطرتهم على المرافق الحيوية في البلاد، فكان إذن تزويراً له مبرراته، تزوير حلال، وإن كان أبغض الحلال، ولو اننا أضفنا إلى هذه الاعتبارات عادة درج عليها الفاشلون في تبرير فشلهم بالشكوى من تزوير وهمي يلصقونه بمن يكون أوفر حظاً بالنجاح، وقد أوضحنا الاسباب التي من أجلها تعرضت تلك الانتخابات إلى حملات التشهير المعروفة».
ويورد الدكتور جورج قرم على سبيل المثال، تصريحاً نشر في الاوريان في ايار 1947، أدلى به أمام محكمة بيروت احد رجال الاعمال، وكان قد مثل امامها بتهمة إصدار شيكات بلا مؤونة: في 21 أيار الماضي، التقيت في الساعة العاشرة مساء في فندق أميركا بالسيد فيليب مرهج، وبحضور السيد حنا غصن، طالبني السيد مرهج بدفع 18 ألف ليرة لبنانية إلى السيد كميل شمعون لتأمين نجاحه في الانتخابات، وقد اجبت السيد مرهج بأن ما سبق لي دفعه للائحة كاف بحد ذاته، وبأني – فضلاً عن ذلك – لا أحمل معي المبلغ المذكور».
بأي حال، فإن انتخابات 25 ايار 1947 بقيت وصمة قبيحة في جبين العهد الاستقلالي الاول، الذي وجد نفسه وحيداً ولم يستطع انهاء ولايته المجددة عام 1949 فاستقال في ايلول 1952.

في الحلقة المقبلة
العهد الاستقلالي الثاني
يزور انتخابات 1975