بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 آذار 2020 12:00ص خالد منصور رحيل المُناضل المُثقّف

الراحل المربّي خالد منصور الراحل المربّي خالد منصور
حجم الخط
يُشكّل الرحيل خسارة أليمة للأسرة والعائلة بالدرجة الأولى، لكن عندما يكون الراحل المربّي الحاج خالد صالح منصور، فإنّ الخسارة أشمل وأعم.

ومردُّ ذلك، إلى أنّ الراحل لم يُشكّل أسرة فقط، بل هو من الرعيل الذي وُلِدَ في بلدة صفورية - قضاء الناصرة، واحدة من أكبر بلدات الجليل في فلسطين المُحتلة، عاش فيها بعضاً من طفولته، واضطر مع عائلته في العام 1948 للنزوح الاضطراري المُؤقت إلى لبنان، على أمل العودة، أي أنّه من اللاجئين الذين لم يتمكّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من شطب صفة اللجوء عنهم.

الفتى الذي التجأ إلى مُخيّم عين الحلوة، وجد أنّ سلاحه الأفضل هو العلم، الذي نهل منه وبتفوّق، وأيقن أنّ مُواجهة المُحتل الإسرائيلي الغاصب، تتطلّب مُخاطبة العالم بلغة يسهل عليه فهمها، فتفوّق باللغة الإنكليزية فضلاً عن إتقانه اللغة العربية الفصحى بطلاقة.

حرص على نقل تفوّقه وفصاحته وبلاغته إلى الطلاب في مدارس وكالة «الأونروا»، التي أمضى فيها مُدرّساً نحو نصف قرن من الزمن، فضلاً عن إعطائه دروساً باللغة الإنكليزية في معاهد مُتعدّدة.

عمله مُدرّساً دفعه إلى الانخراط في مجال آخر، دراسة الحقوق في «جامعة بيروت العربية» مع والدي الراحل سليم زعيتر، وسليم أبو سالم «أطال الله بعمره»، والراحلين سليم موعد ونوّاف عزام، فكانوا في طليعة المُحامين الفلسطينيين في لبنان، الذين تخرّجوا في العام الدراسي 1969-1970، على الرغم من علمهم المُسبق بأنّ هذا الاختصاص لا يُتيح لهم فرصة مزاولة مهنة المُحاماة في لبنان، لكن كانوا يريدون خدمة أبناء شعبهم في أكثر من مجال.

منذ أنْ وعيت على الحياة، وأنا أعرف الأستاذ خالد منصور، فهو صديق وزميل الوالد، وتربطه قرابة لجهة والدته، وأيضاً السكن والمراحل الغالية من أجل قضية فلسطين، حتى رحيله أمس (الأربعاء).

قبل بضع أسابيع وفي واحدة من زيارته الدورية لي، حمل إليّ كتاباً كان من مجموعة والدي القانونية بعنوان: «النظم السياسية والقانون الدستوري»، الجزء الأول، للدكتور محسن خليل للعام الدراسي 1964-1965، وأبلغني أنّه أثناء إعادة تنظيم حلقاته ومكتبته وجد هذا الكتاب، الذي كان قد استعاره من والدي، وهو أمانة، مُضيفاً: «يا خال... الدنيا حياة وموت». وكأنّه كان قد بدأ الإحساس بدنو الأجل، على الرغم من أنّه كان بصحة جيدة، قبل انتكاسته الأخيرة.

الراحل، وهو في العقد الثامن من عمره، منذ كان في ريعان الشباب، أنيقاً ببدلته وربطة عنقه، والابتسامة التي لا تُفارق ثغره، ودماثة خلقه، ولطفه وفكاهته، وذكائه، وسرعة بديهيته.

ناضل من أجل القضية الفلسطينية في مجالات شتى، وانتسب إلى «الاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين» و»الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين».

فما أحوجنا في هذه المرحلة التي تتعرّض فيها القضية الفلسطينية إلى مُحاولات تصفيتها، لأمثال الأستاذ خالد، لأنّ الخسارة أليمة وكبيرة، بفقدان عزيز، مُناضل مُثقف، لأجيال تربت على يديه، وانتشرت في أًصقاع المعمورة، تحمل ما غرسه والمُناضلون، من حب فلسطين والتمسّك بحق العودة أحيّاء أو نقل الرفات.

رحم الله الحاج خالد منصور وأسكنه فسيح جناته، وألهم أسرته وعائلته ومُحبيه الصبر والسلوان.