بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2023 12:00ص رؤيتان لرئاسة ومستقبل تركيا وانعدام الرؤية في لبنان

حجم الخط
جولة أولى من جمال الشعب التركي وروائع الديمقراطيّة والحضارة في الدولة الأوراسيّة المتعالية على جراحها الزلزاليّة بمشاركة ما يقارب نسبة 90% من الناخبين الذين توجهوا بكثافة وحيويّة منقطعة النظير للتصويت والخيار بين رؤيتين ناضجتين بما يكفي لرسم معالم مستقبل تركيا في السنوات القادمة. وجولة ثانية منتظرة وحاسمة لموقع الرئاسة في 28 أيار الجاري بين المرشحين الرئاسيين الذين حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى؛ الزعيم والعملاق السياسي رئيس تركيا الحالي الذي يكمل عامه العشرين في رئاسة تركيا «رجب طيب أردوغان» رئيس حزب العدالة والتنمية الذي حصل على نسبة 49.51% من الأصوات، وزعيم المعارضة العلمانية «كمال كيلجدار أوغلو» مرشح تحالف المعارضة المؤلف من 6 أحزاب الذي حصل على نسبة تقارب 45% من الأصوات في الجولة الأولى في 14 أيار 2023. وقد فرضت هذه الجولة الثانية نفسها بعدما لم يتمكن أيّ من المرشّحِين من الفوز بنسبة تفوق الخمسين بالمائة لحسم المعركة الرئاسية من الجولة الأولى.
ومع جولة الإعادة التاريخية التي تحصل للمرة الأولى على صعيد انتخابات الرئاسة في تركيا، واستبعاد تأثير ناخبي المرشح الثالث «سنان أوغان» (الحاصل على نسبة 5% من الأصوات) في مجريات الجولة الثانية بشكل حاسم، تتقدم حظوظ الرئيس «أردوغان» ورؤيته لدور ومستقبل تركيا أقلّه في السنوات الخمس القادمة بعد تقدمه على منافسه «أوغلو» بنسبة كبيرة، وفوز التحالف الذي يضم حزب العدالة والتنمية وأحزاباً قومية وإسلامية بـ 322 مقعداً من أصل 600 مقعد في البرلمان. ومن العناوين البارزة لهذه الرؤية المحافظة: الوعد بتركيا قوية ومتعددة التحالفات، وتوثيق العلاقات مع الصين وروسيا إلى جانب تحالفها الدفاعي مع الغرب في الناتو، وجعل تركيا «واحة سلام وأمن»، وتمكينها من لعب دور الوسيط في الحرب الروسية - الأوكرانية، وخلق ستة ملايين وظيفة، ودعم قيم الأسرة، ومحاربة النزعات الإنفصالية والإرهاب. وهذه العناوين تقابلها رؤية المعارضة في التوجه أكثر نحو الغرب، وجعل تركيا أكثر ديمقراطية، ودعم قضية الشاذين والمتحولين جنسياً (وهي مسألة مرفوضة ومستنكرة من غالبية الشعب التركي المحافظ)، وحرية الصحافة، واستقلال القضاء، وإلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني، وخفض نسبة التضخم، والعلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي ومن خلفه حزب العمال الكردستاني، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم في فترة زمنية لا تتجاوز السنتين على أبعد تقدير.
وإذا كانت لكل من هاتين الرؤيتين رصيد كبير لدى قسمين عظيمين من الشعب التركي الذي يطمح بغالبيته إلى تحقيق مضمون الكثير من الأهداف والشعارات التي لا يمكن لبعضها أن يكون حكراً على رؤية وطنية واحدة، مع اختلاف الوسائل والأولويات والسرعة في التنفيذ، إلا أن هناك مسألة هامة ظهرت مع تصويت غالبية المناطق المنكوبة بالزلزال لصالح الرئيس التركي الذي يتهم الغرب بمحاولة الإطاحة به في مؤشر واضح على فشل المعارضة في استغلال كارثة زلزال «كهرمان مرعش» الطبيعية - وربما المفتعلة - بعد معارضة تركيا الأولية لانضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو (قبل تراجعها وموافقتها على انضمام فنلندا أولاً واستمرار الضغط عليها بخصوص انضمام السويد)، وإقفال الدول الغربية لقنصلياتها وسحب بعثاتها الدبلوماسية بسبب مزاعم نفتها تركيا حول تهديدات إرهابية لمقارها ولدور عبادة غير إسلامية، وفي ظل ما سبق وصرح به رئيس وكالة الفضاء التركية «سردار حسين يلدريم» عن قدرة الأقمار الصناعية الحربية على افتعال زلازل مصطنعة بقوة 7-8 درجات (ريختر) عبر توجيه سلاح أعمدة التيتانيوم بطول 10 أمتار إلى عمق 5 كيلومترات تحت الأرض ولا يمكن اكتشافها، ولو حاول السيد «يلدريم» (بدوافع أمنية واستراتيجية ومصالح عليا) نفي هذه الاحتمالية لاحقاً بقوله أنه لا وظيفة لهذا السلاح بتفجير خطوط الصدع الزلزالي أو خلق زلازل تكتونية، وأن كارثة «كهرمان مرعش» هي زلزال تكتوني وقع على خط صدع معروف!
التصويت لصالح رؤية «قرن تركيا» التي أعلن عنها الرئيس «رجب طيب أردوغان» في تشرين الأول الماضي، سيكون لبناء تركيا في المئوية الجديدة كما قال واعداً بتركيا أكثر حرية وأماناً وازدهاراً. وفي المقابل تجهد المعارضة إلى حشد الشباب الطامح إلى تحقيق رؤيتها في التغيير وعدم اليأس للخروج من النفق المظلم على حد تعبير المرشح العلماني المعارض «كمال كيلجدار أوغلو». وما قد يختلف عليه المرشحان الرئاسيان من أنفاق مظلمة في تركيا، ونور ساطع للمستقبل، وما هي عليه حقيقة الصورة والصفحة المضيئة في تاريخ الدولة التركية الحديثة والمعاصرة، أن الشعب التركي في نهاية المطاف هو المنتصر في هذا الحدث الديمقراطي الذي تمكنت تركيا ومؤسسات الدولة فيها من إجرائه بعد الزلزال المدمر الذي لم يمنعها من توفير كافة الترتيبات اللوجستية والأمنية لمشاركة عشرات ملايين الناخبين الأتراك في الداخل والخارج.
أما في لبنان فنحن متفقون على انهيار الدولة والمؤسسات، متفقون على ضياع وتضييع كل الفرص المؤاتية لإنقاذ وطن وشعب ودولة، ومتفقون على انعدام الرؤية لدى جميع الأحزاب والسياسيين من الحكام والمعارضين، ولدى مرشحي الرئاسة من كافة المحاور المعلن عنهم وغير المعلن. المرشح «ميشال معوض»، ما هي رؤيته الوطنية وماذا يمكنه أن يقدم إلى لبنان سوى أنه مرشح المعارضة بوجه محور الممانعة وأنه مستعد للتنازل عن ترشيحه لصالح مرشح تتفق عليه المعارضة بصرف النظر عن إمكانية امتلاكه لرؤية وقدرته على الإنجاز؟. المرشح «سليمان فرنجية»، ما هي الرؤية التي يحملها بخلاف التسويق السيئ لقدرته على تحقيق ما تريد له سوريا ومحور الممانعة وحزب الله أن يتحقق في موضوع النازحين والسلاح والملفات الإقليمية معه ومن دونه؟. المرشحون «جهاد أزعور»، «صلاح حنين»، «زياد بارود»، «نعمة افرام»، واللائحة تطول، ما هي رؤيتهم الوطنية وما هي أدوارهم وفرص إنجازهم عندما تأتي رياح التسويات الدولية بأحدهم تعقبها رياح الأزمات والصراعات التي لا تنتهي. وفي النهاية يعاد طرح سيناريو تعديل الدستور وترشيح قائد الجيش العماد «جوزاف عون» لامتلاكه رؤية وطنية لا جدال فيها من خلال موقعه الوطني والعسكري، ولكن مع وجود معارضة رئيسية له من قبل الثنائي الممانع ورفض تكرار تجربة تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، يبقى السؤال حول الرئاسة والمستقبل: إلى متى انعدام الرؤية في لبنان؟