بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 تشرين الثاني 2021 12:00ص رجال صدقوا ما عاهدوا عليه

حجم الخط
هم الرجال الرجال أصحاب المواقف والكلمة وأصحاب القلم والعلم؛ تعرفهم من سيماهم ومن حضورهم الطاغي في كل مناسبة وعند كل مفصل مهم في حياة وطنهم وأمتهم. بمثل أولئك تُبنى المجتمعات وبمثلهم تقف الأوطان على حقوقها الثابتة، وتستشرف بما يقدموه لها من حكمة في القول وثبات في المبدأ وإخلاص في العمل، امكاناتها في المستقبل. هؤلاء الكبار لا يكفّون عن العطاء أبداً سواء في وضح النهار حيث يعرفهم الجميع ويشيرون إليهم بالبنان، أم تحت غطاء الليل حيث يضيئون الطريق للآخرين مثل نجمة تشعّ من بعيد. فهم لا ينتظرون معروفا من أحد على ما بذلوه من أنفسهم طوعا وحبا، ولا يتطلعون الى منصب هنا أو هناك، مقابل ما يستحقونه عن علم وجدارة من تشريف وتقديم على غيرهم في خدمة وطنهم والنهوض بأبنائه ومؤسساته.

يعرفون حدودهم في زمن انهيار الحدود؛ فلا يعتدون على أحد ولا يسمحون لأي كان بالاعتداء عليهم. يحفظون كراماتهم مثلما تحفظ أبراج المراقبة العالية الأمن من الأعداء، ولا يرضخون للظلم مهما اشتدّ أمره وطغت كلمته، ولا يتنازلون عن حق عرفوه أو علّموه لغيرهم أو صاغوا منطقه بقلمهم، أو عاشوا عليه أو تظللوا به.

من هؤلاء الرجال الدكتور عبد السلام شعيب، ومنذ أن تشرّفت بمعرفته رأيت فيه القدوة لقضايا كبرى علمية ووطنية وأخلاقية وعروبية، ونبراسا في الدفاع عن قضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان، كما شرّفني بإهداء كتابه الجديد الذي يحمل عنوان؛ (قانون العمل اللبناني وتحوّلات النظام العام الاجتماعي). لقد كرّس سني حياته وما زال لتدريس القانون، والحق، والعدالة في كليات الحقوق في بيروت محاضرا ومشرفا على اطروحات الدكتوراه في المعهد العالي للدكتوراه في القانون.

حائز على شهادة دكتوراه دولة في القانون من جامعة السوربون في باريس عام ١٩٦٥ وعلى ماستر في القانون الأميركي من جامعة كولومبيا في لاهاي. محام ممارس في نقابة المحامين ببيروت منذ العام ١٩٦٣ وما زال لنشاطه المميّز وهو مرجع تحتاجه النقابة والمحامين في مسيرتهم النقابية لما عرف عنه من رأي سديد وحكمة عالية قولا وفعلا وممارسة.

شارك مع نقيب المحامين والوزير الأسبق المحامي شكيب قرطباوي بتأسيس لجنة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان بالنقابة وضمّت حوالي أربعين محاميا من البارعين في الدفاع عن الوطن والمواطن نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المحامون الأساتذة الكاتب الفذ سليمان تقي الدين، والمناضل جمال فاخوري رحمهما الله، والقانوني البرلماني المميّز غسان مخيبر، والناشط وطنيا وقانونيا ماجد سميح فياض، وفادي كرم الضليع بحقوق الإنسان وعباس صفا، ونوال عساف، وندى الادهمي مع حفظ جميع الألقاب.

وكان لي شرف العضوية بهذه اللجنة المميّزة منذ تأسيسها العام ١٩٩٦ حتى تجميد نشاطها بسبب الظروف القاهرة الصحية والسياسية والنقابية العام ٢٠١٨، فضلا عن كونه عضو مؤسس لمجلس إدارة معهد حقوق الإنسان، ولمعهد المحاماة في النقابة ومثل النقابة في الهيئة الوطنية للمفقودين في لبنان وفي مفوضية حقوق الإنسان في جنيف، ومستشار للإصلاح الإداري في رئاسة الوزراء وعضو اللجنة العليا للاصلاح الإداري العام ١٩٧٤، ومستشار إداري وقانوني في كل من وزارتي المال والعمل (١٩٨١-١٩٩٢) وعضو في المجلس الأعلى للتحكيم لمدة عشر سنوات وعضو المؤسسة القانونية للدراسات والإستشارات والتحكيم، وعضو اللجنة الوطنية الأكاديمية للقانون المقارن وكان له مشاركة مميزة في إعداد قانون الانتخاب مع الوزير المميز فؤاد بطرس.

وفي متن إصداره كتابه الجديد المذكور أعلاه تطرّق إلى التحولات التي واجهها مفهوم النظام العام الاجتماعي في القانون من جرّاء التغيّرات الاقتصادية والتقنية والمعلوماتية وأثرها على قانون العمل وموقع قانون العمل اللبناني في ظل هذه التحولات وحرص أن يوازن بين الحق الاقتصادي والحق الاجتماعي ويشجّع سياسة الحوار الاجتماعي بين نقابات العمال والهيئات الاقتصادية ويقترح قانونا جديدا بذلك.

مع رجال أمثاله لا تصل إلى نهاية حديث عنه بل بداية عطاءات وعلوم ينتفع بها الوطن والمواطن، إنه النموذج اللبناني الذي يكبر بأمثاله لبنان لا أولئك الصغار الذين تسلّقوا المواقع ففشلوا. فالعبيد (بالنفوس لا باللون) لا يقدرون إلا على حمل الأحجار بينما الأحرار الأسياد هم الذين يحلّقون في آفاق السماء.