بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2020 12:01ص رقص.. طاولات.. بيست وعالدقة ونص!!

حجم الخط
هل تسنى لأحدكم ان يطلع على ما وصل إلى مسامع عدد من اللبنانيين وما يشغل بالهم ويختلفون بشأنه، وهل يا ترى ما زال هناك أناس يفكرون بهذه الطريقة في بلد يرقص فيه أهله على حبال الجوع والعوز والمرض، لا بل على حبال الموت إما من الكورونا أو من اليأس والقنوط لما وصلت إليه حالة البلاد والعباد في آن معاً!

أكثر ما لفتني وأدهشني هو ما سمعته كسائر اللبنانيين، خبر تصدّر عدداً من الشاشات وغزا موقع التواصل الاجتماعي، أعيد تكراره مرّة تلو المرة حول التباين القائم والخلاف بين أصحاب الشأن لا سيما أصحاب المطاعم والحانات والفنادق والمؤسسات السياحية مع أصحاب القرار بشأن «أمر مصيري» يكاد يُشكّل «حياةً أو موتاً» لعدد من النّاس في هذا البلد ألا وهو هل سيسمح للساهرين ليلة رأس السنة في مثل تلك الأماكن بالرقص على «البيست» أم بالرقص على الطاولات فقط؟

وبعد التوقف ملياً؟ أمام ما سمعناه وشاهدناه بالنسبة لهذا «الخيار الصعب» الذي قد يساوي بأهميته في نظر البعض، وهم كثر للأسف، موضوع رفع الدعم عن المواد الاساسية من غذاء ودواء ومحروقات وغيرها.. أو حتى تشكيل حكومة جديدة لجمع شمل البلد، الذي أصبح أو يكاد في مهب الريح، وأيضاً إعادة أموال المودعين المحتجزة في المصارف إلى أصحابها، بعد أن تمّ السطو عليها بطريقة أو بأخرى من دون وجه حق أو مسوّغ قانوني، وبالتالي إعادة الأموال المنهوبة من الخارج إلى البلد، والقضاء على الفساد والفاسدين لا سيما السياسيين والمسؤولين منهم وكل الطغمة الحاكمة التي أودت بلبنان إلى هلاك ما بعده هلاك. مثل هذا الخبر الذي سمعه اللبنانيون كان مفجعاً بكل ما للكلمة من معنى على مختلف الصعد لا سيما ما يتعلق منه بالشق الإنساني والأخلاقي والنفسي والمادي والمعنوي والوطني بشكل عام.

ففي حين لم تجف حتى الآن دماء  الشهداء والضحايا البريئة التي سقطت في تفجير المرفأ المشؤوم في 4 آب الماضي والذي أدى إلى ما أدى إليه من خسائر جسيمة لا تعوض بالارواح والارزاق والممتلكات، ناهيك بالجرحى والمفقودين، وفي حين لا يزال ذوو ضحايا وشهداء المرفأ يبحثون عن بريق أمل لإيصالهم إلى حقيقة ما حصل عن طريق التحقيقات القضائية الجارية في هذا السياق أو غيرها عبر الحصول على ما وثقته الأقمار الاصطناعية من صور التي قد تكون متوفرة لدى بعض الدول عن ذاك التفجير الرهيب، وفي حين يحاول لبنان إقناع الدول الشقيقة والصديقة له يمد يد العون والدعم لبلد يكاد يغرق يوماً بعد يوم ويتدحرج نحو الهاوية، في حين ينتظر الجميع ما ستؤدي إليه الأوضاع والمعادلات الإقليمية والدولية وانعكاسها على لبنان مع تسلم إدارة أميركية جديدة برئاسة جو بايدن لمقاليد الحكم في بلاد العم سام، مع ما يتبع ذلك مما يطبخ في الكواليس والعلن بشأن تقاسم النفوذ والمصالح بين الدول والأمم، إذ بنا نفاجأ بما يعتبر الشغل الشاغل لفئة من «التافهين والفارغين من أي مضمون، إلا قلة الادراك والشعور وعدم الإحساس مع الآخر، وجلّ همهم الإطمئنان والتأكد أين سيرقصون على «البيست» أو الطاولات ليلة رأس السنة،هي بالنسبة لهم «كألف ليلة وليلة» وكأني بهم كالسياسيين والمسؤولين الفاسدين في هذا البلد، باتوا يعيشون في عالم آخر، وعلى كوكب آخر، متناسين مقولة «اللي ما بيشعر مع النّاس ما بيكون من الناس»، أضف إلى كل ما ورد في هذا السياق سؤال مهم يطرح نفسه ألا وهو ان البعض في هذا البلد يبكي ويتباكى ليل نهار وعلى مدار الساعة، شاكياً همومه من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية المتردية، وإذ بهم يتهافتون لتأمين حجوزات مسبقة على طاولة من هنا أو من هناك في أحد المطاعم أو الملاهي أو الفنادق وغيرها، وبأسعار تكاد تكون خيالية للشخص الواحد للاطمئنان أن سهرة تلك الليلة ستكون «حتى طلوع الضوء»، دون الأخذ بعين الاعتبار معاناة الشعب اللبناني والضائقة الاقتصادية والمالية التي يمر بها البلد، وعندما تسألهم عن سبب ذلك يقولون انها ليلة مميزة يجب أن نسهر ونفرح و«نفرفش» فيها، لأننا هكذا اعتدنا سابقاً.

لا أيها الأعزاء والعزيزات، فالأوضاع في 2020 لم تكن كسابقاتها على الإطلاق، والآتي ربما يكون أعظم في المدى المنظور إذا لم يتدارك الجميع الاخطار التي تحدق بهذا البلد من كل حدب وصوب، وإذ نقدّر «المشاعر النبيلة» والاحاسيس المرهفة لدى أنصار الحياة والسهر ليلة رأس السنة، فهذا أمر جيد لا بل ممتاز يعبر عن البهجة والفرح، إنما لا بدّ لكم من مراعاة أوضاع وأحوال من يموت على أبواب المستشفيات، ومن لا يستطيع تأمين ربطة خبز إلى عائلته كل يوم، كما عدم تمكن الأهالي من دفع أقساط أبنائهم المدرسية والجامعية بعد أن جارت الأيام والدهر، وغدرت بهم الظروف القاسية، وهذا حال معظم اللبنانيين من كل الفئات والاطياف والمناطق من دون استثناء وقد وصلوا إلى حافة الفقر والجوع والعوز، فيما حضرة «جناب البعض» لا هم له الا الاطمئنان منذ الآن أين سيسهر وكيف سيرقص على «البيست أم على الطاولات».

اسمحوا أن نقول لكم وبالفم الملآن انها «سخافة ما بعدها سخافة»، وللضرورة أحكام وما عليكم إلا مراعاة مشاعر الآخرين وأوضاع النّاس المتعبة في هذا البلد.

لا بدّ لنا بالطبع من أن نتفهم أوضاع المؤسسات الفندقية والسياحية، وأصحاب المطاعم والحانات ومعاناتهم كما موظفيهم أيضاً المادية والمعنوية التي تأثرت إلى حدّ كبير بما وصل إليه لبنان حالياً أسوة بسائرالقطاعات الحيوية الاخرى في البلد، ومع عدم الاعتراض أو الممانعة، وهذا ليس من حقنا بالطبع، على إحياء سهرة رأس السنة، إنما على الاسلوب والطريقة التي ستعتمد في هذا الإطار، وكم هو جميل بالاحرى ان يلتقي الاحبة والعائلات والاسر والأصدقاء في تلك الليلة على «الخبز والملح» واللقمة الطيبة للتلذذ بالمأكولات الشهية في البيوت والمنازل درءاً لنقل العدوى من أي مصاب بالكورونا للآخرين ومراعاة لشعور ذوي ضحايا وشهداء المرفأ أو ممن قضوا جرّاء الإصابة بفيروس كورونا وهم في مقتبل العمر كما المسنين الذين كانت ولا تزال تليق لهم الحياة.

بعضهم يقول هذا هو لبنان، وبعضهم الآخر يقول هذه هي حياة اللبنانيين، أما نحن فنقول لا أيها الغيارى على اللبنانيين ولبنان، ليس هذا ما نشأنا وتربينا عليه، إنما تربينا على القيم والاخلاق والاحساس مع الآخر، هكذا كان آباؤنا وأجدادنا وهكذا كانت قرانا ومدننا وعاداتنا والتقاليد.

فيا خوفي على تلك الطاولات وتلك الكراسي من أن تتحطم فوق رؤوس البعض حين لا يُدركون ماذا يفعلون، والخوف كل الخوف ان يتحوّل الرقص في تلك الليلة إلى ما يشبه «الهستيريا» التي لا تُبقي ولا تذر.

قالها مرّة وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر أو هكذا نقل عنه: الشعب اللبناني سيتحول يوماً إلى ثلاث فئات، الأولى تموت وترحل عن هذا العالم، والثانية تهاجر إلى البعيد من دول العالم ولا تعود، أما الثالثة فصنّفها بأنها فئة ستفقد توازنها وعقلها وتتصرف على طريقة «المجانين». ربما هنا صدق رئيس الدبلوماسية الأميركية الأسبق كيسنجر في تحليله أو تنبؤه أو رؤيته، سمّها ما شئت، لأننا قد وصلنا بالفعل الى هذه الحالة للأسف الشديد في هذه الأيام، فالفئة الأولى قضت ورحلت عن هذه الدنيا، والثانية هاجرت إلى اللاعودة، اما الثالثة وهي «الأهم» فباتت تفكر فقط بكيفية الرقص ليلة رأس السنة إن كان على «البيست» أو على الطاولات وهي تودع 2020 مع ما حملته من مآسٍ وكوارث إنسانية ومعيشية واجتماعية إلى ما هنالك إلى أولئك الذين أنعم الله عليهم بالمال والبحبوحة نقول «صحتين على قلبكم» فإذا كان ما لكم من الحلال فاحفظوا أموالكم تلك لغدر الزمان. أما إذا كانت من الحرام، فما عليكم الا أن تعيدوا تلك الأموال إلى أصحابها وإلى الذين لا يجدون لهم معيناًً أو داعماً في بلد تمّ سلبه ونهبه من السياسيين والمسؤولين الفاسدين الذي يُشار إليهم بالبنان من قبل الصغير والكبير والقريب والبعيد دون أن تتحرك لديهم ولو ذرة مشاعر من الإنسانية والاخلاق والضمير، أما إذا استمر البعض في اصراره وتعنته على فساده بالسر أو بالعلن عن معرفة كيفية طريق الرقص إن كان علی «البيست» أو الطاولات آنذاك لا بدّ حينها من أن تعلموا انه سيأتي يوم لن ترقصوا فيه لا على بيست ولا على طاولات، إنما على «الدقة ونص». وكل سنة والجميع بخير.