بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 تشرين الأول 2020 12:01ص سنة أولى حراك شعبي: السُلطة تمارس ألاعيبها وقمعها! (3/5)

حجم الخط
أثبتت السُلطة الحاكمة أنها بارعة وشاطرة وقذرة بلعبة «الكشاتبين»، وصار مؤكداً أن ثلاثية مسؤولي لبنان هي: شرُّ البلية ما يضحك، وفالِج ما تعالج، وذنَب الكلب الأعوج!

حَراك بسمنة ... وحَراك بزيت

بدأت ألاعيب السُلطة عبر الهاء الناس بمشاكل الدولار والبنزين والمازوت والخبز والأدوية والمواد الغذائية، إضافة إلى توتير الوضع الأمني، على أمل أن يُصبح الحَراك في المحلّ الأخير لاهتمامات الناس، وصولاً إلى اتهام الحراك بأنه المُتسبب والسبب في مأساتهم ومشاكلهم!

ثم أوكل المتضررين من الحَراك الشعبي، والمتفاجئين به، إلى أنفسهم مهمّة وضع المواصفات والمقاييس وتحديد ماهية الحَراك وغايته وأهدافه!

هكذا صرنا نسمع عن «الحَراك الحقيقي» و«الحَراك الأصلي» (يذكرني بدبوس الأصلي)، وصار هناك حَراك عفوي يُحرّكه وجع الناس، وحراك آخر هو نتاج فبركة السفارات والقوى المتآمرة! وهناك من سمح لنفسه بتوصيف الحَراك وتصنيفه بين حراك نظيف، وحراك تحشيش وعاهرات.

كما أريد ان يعتقد الناس أن هناك دولاراً أميركياً شريفاً ودولاراً آخر عميلاً، وأن هناك تابعاً للخارج شريفاً ومقاوماً وآخر خائناً متواطئاً مع العدو! وهكذا صارت أميركا شيطاناً أكبر وشراًّ مُطلق ... ما عدا دولارها الأخضر!

وغضّت «قوى الأمر الواقع» النظر عن التعرض للمرجعيات وشتمها كافة، ما عدا التعرض لمرجعيتين على وجه التحديد، وذلك تحت طائلة أقصى العواقب وأشدّها، بما فيها الخطر على حياة من تسوّل له نفسه ارتكاب هذه الخطيئة المميتة. 

والظاهرة الغريبة والمُستهجنة أن البعض استفزّهم رفع العلم اللبناني في وجههم!

في الخلاصة، اتضح ان هناك حَراكاً بسمنة ... وحَراكاً بزيت!

القضاء المتواطئ

استعملت السُلطة ضد الحَراك مختلف وسائل التخوين والاتهام بالتعامل مع الخارج والعمالة له، واستخدمت العنف الرسمي ومجموعات «العفويين»، وشتّى أنواع المندسّين، ولجأت بعدها إلى استعمال سلاح القضاء ضده! وهكذا كرّست «نظاماً قمعياً» بمساندة القضاء!

هكذا كانت الناس تستنجد بالقضاء، فصارت تستنجد من القضاء!

كيف يثق الناس بالقضاء وهم يرون ما آلت اليه التحقيقات في تورط قضاة ومساعدون قضائيون ورؤساء أقلام، في فضائح فساد يُفترض أن يهتزّ جرّاءها الجسم القضائي بأسره.

لقد أصبح القضاء صندوقاً للرسائل السياسية، وطرفاً في الصراعات، وساحة لتصفية الحسابات، ومجالا لـ«النتعات» والاجتهادات والهرطقات والفذلكات القانونية، وسلاحاً للتعنت والافتراء واضطهاد الخصوم!

وعلى سبيل المثال لا الحصر عن قصور دور القضاء، ففي قضية الأموال المنهوبة، وحتى لو أحسنّ الناس الظن وافترضوا ان القضاء وضع يده على ملفات الفساد وعمل عليها. سيمر على الأقل عشر سنوات قبل صدور الأحكام المُبرمة بعد الطعن والاستئناف والتسويف، وعشر سنوات أخرى للتمكن فعلياً من تنفيذ الأحكام. فكم ستكون القيمة الشرائية للأموال المُستردّة في حينه؟!

يا عالم ... يا هوه ... يا خلق ... من 17 تشرين الأول 2019 لغاية اليوم لم يُحاكم ويُسجن فاسد واحد!

وإذا فسد القضاء فبماذا نُملِّح العدالة؟!

الأمن المدوزن

لماذا لم يُعتقل أي شخص في عمليات التخريب والحرائق والاعتداءات العنيفة الموثّقة التي طالت المُعتصمين والمتظاهرين في جميع مناطق لبنان، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، مقارنة باعتقال من تلفّظ بكلمات نابية او مزّق لافتات وصُور أو علّق بموقف ما على وسائل التواصل؟!

أيُعقل مثلاً التعتيم التام حول موكب أحد النواب الذي أطلق النار بالتزامن مع مروره بين المتظاهرين في وسط بيروت.

ومن هي الأشباح التي تهاجم بالتلازم المتظاهرين والقوى الأمنيّة، بالحجارة والمفرقعات الناريّة!

المهزلة أننا نعلم من لم يُطلق الرصاص المطّاط ورصاص الخُردق على المتظاهرين من واقع البيانات التي صدرت، لكن إلى الآن لا يعرف الرأي العام من أطلق الرصاص وأصاب الناس!

لماذا لا تُريحوا الناس وتُريحوا أنفسكم من الإجابات الضبابية، وتُلزموا حرس المجلس النيابي بتثبيت «بادج» خاص على ملابسهم أسوة بباقي القوى العسكرية والأمنية؟!

لماذا ضُرب المتظاهرين على رؤوسهم؟ ولماذا أصيبوا بالرصاص المطاط في أعينهم وأعضائهم التناسلية؟

وهل هناك قرار وراء استخدام مخزون الآف القنابل المسيّلة للدموع منتهية الصلاحية، بدلاً من إتلافها؟!

المذهل أن القوى الأمنية والعسكرية بمخابراتها ومباحثها وشُعب المعلومات التابعة لها، تُحذّر المتظاهرين من «المُندسّين»! هم مُندسّون، لكن معروفون، وعلى رأس السطح! 

هناك مايسترو واحد نسّق ما جرى من صدامات متنقّلة في جسر الرينغ ومونو وعين الرمانة والكولا وقصقص وبعلبك وصور وطرابلس وبكفيا! وما هذه المصادفة العجيبة للتحركات العفويّة الاستفزازيّة اللي تحصل بمختلف المناطق!

والعجيب أن «سرايا موتسيكلات الضاحية» و«شبيبة الخندق الغميق» صاروا يتبادلون الأدوار، فيوماً ينضمون إلى الثُوّار ... ويوماَ يتصرّفون كأدوات قمع! وبعد «سرايا الموتوسيكلات» أطلق جديد القمع الرديف ... «كتيبة مضارب البيسبول»!

ثم صرنا نسمع عن «عناصر انضباط» منعت خروج الدراجات النارية من الضاحية الجنوبية والخندق الغميق! أليس من يصدّ ويمنع ... يُبيح ويُتيح! 

إن تاريخ السُلطة في لبنان عريق في الدسائس وإشعال الفتن: من الدكتيلو ... إلى الفيديو!! فمن يستعجل وقوع الفتنة والمجازر؟

وماذا عن «جدار وسط بيروت» المزروع في قلب العاصمة ... دوراً ورمزاً! 

سيناريو نهب لبنان

اطبقت المصارف على أموال المودعين، وانخفضت القيمة الشرائية لليرة اللبنانية بسبب سعر صرف الدولار واستشراء الجشع والغلاء والاحتكار والتهريب وغياب الدولة. وبدأت المواد الغذائية بالنفاد مع صعوبة الاستيراد، وكذلك الأدوية والمستلزمات الطبية. وارتفعت وتيرة البطالة والصرف من العمل، ومن بقي فيه أضحى يقبض جزءاً ضئيلاً من الراتب.

وتتابعت أزمات البنزين ومازوت المولدات الكهربائية والتدفئة، وكذلك رغيف الخبز، واللحوم والدواجن، ومشاكل الملاّكين والمستأجرين، وغيرها من الصعوبات المعيشيّة! ناهيك عن مصيبة جائحة كورونا!

إن ما حصل في لبنان هو أكبر عملية نصب ونهب منظّم في التاريخ ... أصابت من الشعب مقتلاً وقد تودي بالوطن إلى الفناء.

وعندما تيقن المسؤولون الفاسدون من إفلاس الدولة وانهيارها، وان مكاسبهم المالية والعينية أصبحت شبه متعذرة، قامت مجموعة منهم بتهريب ثرواتها، وأرسلت عائلاتها للإقامة في الخارج. وهم الان يسعون إلى الضغط على الدولة وحضّها وإجبارها على المزيد من الإنفاق والدعم كي لا يضطروا شخصياً إلى دفع الأموال لمناصريهم.

عجبي، الفساد أوصلنا إلى الحاجة إلى الدعم والشحاذة، وأنصار الفساد على رأس المحتجيّن على رفع الدعم!

أما عبقرية السُلطة فهي في تكليف المُتسببين بالأزمة الاقتصادية والمعيشيّة إيجاد الحلول «المناسبة» لها!

القتل العمد

لقد تبين أن جميع المسؤولين على اختلاف درجاتهم ومواقعهم كانوا يعلمون، ما عدا الناس الغلابة الذين سقطوا ضحية انفجار مرفأ بيروت! كنا نعتقد أننا نعيش في جمهورية موز فإذ بها جمهورية أمونيوم!

ماذا عن تدعيم مداخل محيط مجلس النواب بالحديد بدلاً من تدعيم مساكن المواطنين المتصدعة! وماذا عن حذف جملة من أغنية لأن فيها كلمة «ثورة» وتجاهل تخزين ٢٧٥٠ طناً من المواد المتفجرة لسنوات!

لقد نجحوا في تحويل مطالب الناس من المطالبة باسترداد الودائع المصرفية ... إلى المطالبة بالكهرباء، والمازوت، والخبز، والدواء، وترميم البيوت!

وها نحن على درب التطويع والخنوع والتركيع للقبول بالأمر الواقع: طوابير أمام المصارف والصرافين، طوابير محطات البنزين، طوابير الأفران، طوابير الصيدليات!

لقد نفضت الدولة يديها وتركت الناس لمصيرهم! 

وصلنا إلى الطريق المسدود

سرقت السلطة الناس إلى آخر قرش من جنى عمرهم ولم يركعوا ... حلّ وباء كورونا فاستغلوه لقمع الناس عبر التعبئة العامة والإقفال ولم يركعوا ... فجّروا البلد وقتلوا البشر ودمّروا الحجر لكننا الناس لم يركعوا ... ولن يركعوا!!

لقد انتهت صلاحيّة النظام الفاسد، لكن الفاسدون مستمرون ومتجددون ومتمددون، بل ومُهدِّدون! وإن أمل اللبنانيين بالنظام السياسي والمالي والقضائي الحالي كأمل إبليس بالجنّة! وإن تأمين «الخروج الآمن» للطبقة السياسية والمالية، هي خيانة بحق الشعب اللبناني، واغتيال جديد له.

أيها الظالمون الفاسدون القتلة: سيدفنكم الشعب في روث الخنازير، بدون صلاة على أرواحكم الملعونة، ومن دون أكفان أو توابيت.

لقد وصل الوضع إلى الطريق المسدود: يا هنّي بيشنقوا الناس ... يا الناس بتشنقهم.