بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الثاني 2021 12:00ص سيرك.. عصفورية.. كورونا، و«كل مين إيدو إلو»!!

حجم الخط
في ضوء ما يشهده لبنان في هذه الآونة العصيبة والخطيرة التي لم يشهد مثيلاً لها من قبل، لا بدّ من طرح السؤال الأهم: وماذا بعد؟؟

ان ما نسمعه ونشاهده على مدار الساعة في بلد نخرته سوسة الخلافات السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية حتى العظم، وفي بلد يبدو أن مسؤوليه وسياسييه الفاسدين لم ولن يدركوا حتى الآن مدى خطورة الأوضاع الكارثية التي يُعاني منها معظم النّاس في لبنان حالياً، وفي ظل «اجتياح» وباء كورونا الخطير والقاتل لمجتمع بأمه وأبيه من دون تفرقة أو تمييز، يتحفنا أولئك القيّمون على شؤون البلاد والعباد، من حكام ومسؤولين وسياسيين يومياً وعلى مدار الساعة بالمزيد من نشر «غسيلهم الوسخ» على السطوح، فيتبادلون التصريحات والتغريدات والمهاترات الرخيصة التي تكاد لا تغني من جوع إنما تزيد في الطين بلة على صعيد تراكم الأزمات الاقتصادية والمالية والحياتية والصحية، و«كل يغني علي ليلاه»، وكل منهم يحاول أن يشد الغطاء إلى جانبه من دون الاكتراث ولو للحظة واحدة الى المعاناة الكبيرة والخطيرة التي باتت تهدّد مصير الوطن برمته كما حياة النّاس وصحتهم وأوضاعهم الاجتماعية والمعيشية التي وصلت إلى قعر الهاوية من دون هوادة. كل ذلك يدفعنا إلى أن نسأل ونتساءل: هل يا ترى اننا نعيش في وطن وفي بلد تتحكم فيه العقول والقوانين؟ وهل ما زال فيه بعض من الحكماء، أم اننا فقط نعيش «على الهوارة» بحيث تتحكم الغرائز السياسية والطائفية والمذهبية والحزبية وحدها، والتي تمسك بزمام الأمور وبمصير البلاد والمواطنين ككل؟

قد يقول قائل: هذا هو لبنان، وهكذا نعيش فيه منذ زمن طويل، وماذا عسانا أن نفعل لطي الصفحة على هذا الصعيد، والجواب على ذلك هو: لا لم يكن لبنان يوماً كما هو عليه اليوم من انهيار وترهل وسقوط، وما يتم تداوله على مدار الليل والنهار من قبل مسؤولي هذا البلد يبقى مجرّد نظريات وتصريحات وتغريدات، تجعل الكل يهاجم الكل عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي، وهم يصبّون الزيت على النار ويؤججون الصراعات والخلافات بدل محاولة اطفائها ومنع استعارها لئلا يصل لهيب النار إلى الوطن بأسره ويحرق الأخضر واليابس مما تبقى منه، في حين انهم لا يزالون حتى اللحظة يفكرون بكيفية المحافظة على امتيازاتهم ومكتسباتهم وصفقاتهم وسمسراتهم والسرقات، دون أدنى خجل أو شعور بالمسؤولية عمّا يقترفون تجاه البلد واللبنانيين جميعاً.

أما كيف السبيل للخروج من هذا المأزق الصعب والخطير جداً، فلا سبيل لذلك راهناً، من دون أن تكون في الأمر صورة تشاؤمية على الإطلاق، إنما هو واقع مرير، يجب الاعتراف به لوضع الاصبع على الجرح في محاولة للاشارة بالبنان إلى كل المتسلطين والمتحكمين بمصير النّاس وأخذهم الى الهاوية بدل العمل على فرملة خلافاتهم وتشنجاتهم التي لن تؤدي الا إلى المزيد من التعثر والانقضاض على أي بارقة أمل قد تنقذ ما يُمكن انقاذه في هذا الزمن الرديء، وفي هذا البلد المنهوب والمتعب، لأن الآتي ربما يكون أعظم إذا لم تحصل معجزة ما يتم من خلالها وضع حدّ لمأساة لبنان وشعبه على مختلف الصعد.

تصوروا أن فيديو مسرّب تمّ تناقله قبل اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الاثنين الماضي، قد أقام الدنيا ولم يقعدها، بغض النظر عمّا جاء في هذا الشريط الذي اعتبره البعض مجتزأ أو محرفاً، حول وصف محدد تجاه الرئيس المكلف سعد الحريري، والردود التي انهالت على هذا الكلام، وأبرزها من الرئيس الحريري نفسه مستعيناً بكلام من الكتاب المقدس، ويا ليتهم جميعاً يلجأون إلى الكتب السماوية المقدسة في «الحزات» وحين تحدق الأخطار بالوطن وليس فقط «حين يصل الموس إلى ذقونهم» من دون استثناء.

كما لا بدّ من الإشارة أيضاً، إلى انه لم يكد يتسرب خبر عن إمكانية اقفال المحال التجارية والسوبر ماركت والصيدليات وغيرها، حتى تهافت النّاس بشكل جنوني ومخيف عليها للتموين، مما أفرغها من المواد الغذائية وغزت صور الرفوف الفارغة مواقع التواصل وشاشات التلفزة، في حين عمد الكثيرون من الناس الى شراء آلات الاوكسجين وتخزينها في منازلهم «من باب الاحتياط فقط» دون أن يدركوا انهم بهذه الطريقة قد يتسببون بالضرر والخطر على حياة الكثيرين ممن هم بحاجة فعلاً إلى مثل تلك الأجهزة، وهذا ما دفع بالمحتكرين إلى رفع اسعارها اضعافاً مضاعفة وباتت لا تباع إلا في السوق السوداء! في حين ان عدداً كبيراً من اللبنانيين كانوا حتى الامس القريب يشكون وينعون فقدان السيولة والأموال لشراء قوتهم اليومي، وإذ يتبين فجأة انهم استخدموا مدخراتهم بهذه الطريقة العشوائية وغير المسؤولة، فهل هذا التصرف يجعل الكثيرين منهم يغرقون في «شبر ماء» دون ان يدركوا ماذا يقترفون تجاه أنفسهم وأسرهم والمجتمع ككل، وما الاكتظاظ الذي حصل في السوبر ماركات والأسواق وغيرها الا مصدر اضافي لمدى خطورة انتشار فيروس كورونا ونقل العدوى إلى الكثير من النّاس الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا السياق.

أضف إلى كل ذلك، ان القرارات التي صدرت مؤخراً عن المجلس الأعلى للدفاع، ولو جاءت متأخرة، تجعلنا نطرح السؤال تلو السؤال: هل يا ترى ستطبق تلك التدابير والقرارات هذه المرة فعلياً بحذافيرها وبدقة وصرامة من قبل الأجهزة الأمنية المولجة بهذا الشأن، وبالتالي ما هو مدى الالتزام الذي سيحصل على هذا الصعيد من قبل المواطنين على مدى عشرة أيام بدءا من يوم الخميس في 14 من الجاري ولغاية 25 منه؟ وهل ستكون هناك ضوابط وإجراءات معينة للجم التفلت والاكتظاظ والفوضى في حال حصول ذلك، مع التأكيد ان الالتزام بهذا الشأن لن يكون مضموناً مئة بالمئة من قبل البعض، لأنهم يرددون ويعتقدون ان هناك «ناس بسمنة وناس بزيت».

نعم انه لبنان، انهم اللبنانيون، ولكن يجب ألا ننسى ان اللبناني كان على مدار سنوات طويلة يتباهى بثقافته وعلمه وخبراته، لكن في هذه المرحلة العصيبة، وللأسف، يتأكد يوماً بعد يوم مدى الاستهتار والتفلت لدى الكثيرين من اللبنانيين دون أن يأخذوا بعين الاعتبار إمكانية السقوط في المحظور وعندها قد لا ينفع الندم. في حين أن المطلوب من الدولة والحكومة اسوة بالدول المتحضرة الأخرى، تأمين أدنى متطلبات العيش الكريم للعائلات والأسر حين يطلب منهم البقاء في المنازل وعدم التجول والخضوع لحالة الطوارئ في البلاد وإعطائهم كل ما يسد رمقهم على الأقل في هكذا ظروف صعبة ومصيرية للغاية.

غريب عجيب أمر هذا البلد، وقد بات يرقص على حبال الفوضى والانهيار والتعثر دون أن نجد من يمد له يد العون والدعم والمساعدة، بعد ان سئمت الدول والمسؤولين فيها من طرح المبادرات تلو المبادرات لمساعدة لبنان وكان آخرها كل من المبادرتين الفرنسية والفاتيكانية وغيرهما، وعلى ما يبدو انه قد أصاب لبنان واللبنانيين «دوار» حتى باتوا لا يعرفون كيف السبيل لمساعدة أنفسهم للخروج من هذه الدوامة الطويلة والكارثة الإنسانية والوطنية التي اصابتهم.

كما لا بدّ من التوقف ملياً أمام «التبشير» برفع الدعم عن المواد الحياتية والاستهلاكية ناهيك برفع سعر الدولار، وما رفع سعر ربطة الخبز أخيراً الا مؤشر سلبي على ما ينتظر هذا الشعب في المرحلة المقبلة، في حين ان الكلام الأخير لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشأن عدم القدرة على الاستمرار بتقديم الدعم لمواد أساسية وحياتية الا تأكيد المؤكد لمدى خطورة الوضع الذي بات يُهدّد الجميع.

يبقى ان أموال المودعين المحتجزة في المصارف، والأموال المنهوبة التي تمّ تهريبها إلى الخارج بالمليارات وتعطيل عمل التدقيق الجنائي تحت ذرائع واهية إضافة الى وضع ملفات اساسية تهم البلد في ادراج المسؤولين والقضاء من دون ان يتم البت بأمرها حتى الآن أبرزها جريمة تفجير المرفأ في 4 آب الماضي، كلها كانت أسباب جوهرية للوصول بالأوضاع في لبنان إلى ما وصلت إليه حالياً، فهل يا ترى اننا نشاهد ما يشبه الـ«سيرك» أو اننا نعيش في «عصفورية» بكل ما للكلمة من معنى، فيما جائحة كورونا لم ولن ترحم أحداً؟ وهل ان اتباع سياسة «كل مين ايدو الو» كفيلة بالانقاذ؟ بالطبع ليس هذا هو الحل، ومجدداً نطرح السؤال الاهم: وماذا بعد؟؟؟