بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تموز 2022 08:08ص صفقات الحرّاس

حجم الخط
ثلاثة أشهر ونيّف، تفصل لبنان واللبنانيين، عن الإستحقاق الرئاسي. يكثر الحراس من حركتهم جيئة وذهابا، يباشرون بتداول الصفقات، يعقدون فيما بينهم الصفقات، بيد كل واحد منهم «حمل بعير» من الملفات، كلها للبيع والشراء، مثل الصكوك البنكية، مثل صكوك العقارات. يقومون بعرضها، بأخلاق السماسرة، على كل جهات الأرض. يريدون كسب الوقت قبل مداهمة الإستحقاق. يدركون جيدا، أننا في أسوأ تاريخ وقع للبنان، منذ تأسيس الكيان، حتى جفّ الحبر، وطارت الأوراق. وقد دخل إضراب الموظفين أسبوعه الخامس، ولا بوادر للحل، ولا للحلحلة، مع تعذر تشكيل حكومة جديدة، بديلة عن حكومة تصريف الأعمال، بعد أشهر على الإنتخابات، تنقذ البلاد مما وقعت فيه حتى الآن.
وحدهم ما يسمون بـ«الحراس» على أرض الملعب، يحرصون على ملء الفراغ، ينسجون المواعيد الخفية، يتباهون بالمواعيد العلنية، ويقطعون الوقت، يبيعون ويشترون، وهم يدركون حجم البضائع التالفة.. بل حجم الأضرار الناتجة عن التلف بمرور الوقت.
سماسرة هم. يتخذون، زورا وبهتانا، صفة الحراس. يديرون الصفقات كل يوم، من الفجر إلى النجر، يشرقون ويغربون، يدللون على بضاعتهم المزوّرة، مثل دلّال سقيم في سوق الحراج.
اعتادوا الظهور على أرض الملعب، كلما كانت الأزمات تشتد. ينادون على المزادات في سوق الكساد، ولا يجدون من يتقدم منهم بعرض، لأن وكلاءهم لا يجدون فيهم، أكثر من سماسرة، أكثر من دهاقنة، بصفة حراس مرذولين، منبوذين، يديرون الصفقات المشبوهة، ويدّعون الشرف والعفة والوطنية، وحب الوطن والشعب.
من يصدق أن هؤلاء الحراس الأنذال، يريدون أن يربح لبنان كرامته. أن يربح لبنان أرضه. أن يربح لبنان شعبه، ولو على حساب خسارتهم، ولو قدروا لأنفسهم أنهم سيخسرون.
كل واحد منهم، إعتاد أن يشتغل لحسابه الخاص، يريد تحقيق أطماعه الشخصية، ولو على حساب شرفه، ولو على حساب بلاده، ولو على حساب أهله وشعبه وأبنائه، وتاريخ أجداده. ترك الجمهورية وهمّها خلفه، ترك الوطن، ترك الناس، وصار يشتغل علانية، لحسابه الخاص. ما همّه إن جاع شعبه.. ما همّه إن مات شعبه.. ما همّه إن تسيّبت البلاد ودخلت في المجهول، فكل شيء عنده بثمن، مثل سمسار عتيق. فعن أي حارس تتحدثون، حين يدخل لبنان عصر «صفقات الحراس»؟!
طبقة ممن يسمون أنفسهم حراس لبنان، ما إستطاعوا في زمانهم كله، أن يحموا لبنان من أي إعتداء، من أي فساد، من أي تطاول على القوانين، من أي مأزق وقع فيه عبر تاريخه الطويل، من أي إستحقاق، من أي سقوط، من أي هوي إلى الأودية السحيقة، إلى القيعان، إلى جهنم الحقيقة، إلى جهنم العهد.
طبقة من اللصوص، ينصبون أنفسهم حراسا على لبنان عند كل منعطف، عند كل هاوية، عند كل موسم إنتخابي. يرتدون بزاتهم الرسمية قبل طلوع الفجر، ليسرقوا الأنظار، ويسرقوا المواقف. وينغمسون حتى آذانهم في الغش وفي الغشاش. يهوّلون على الناس بزوال لبنان، ليعقدوا الصفقات.
يشيعون جوا من الرعب في البلاد، إذا ما غاب هذا الوجه أو ذاك عن مسرح الإنتخابات. يشيعون في البلاد جوا من الإرهاب المادي والمعنوي، جوا من الإرهاب النفسي. وهم لا يعلمون أن للبنان ربا يحميه، من جميع المحن، من جميع الأهوال، من جميع المؤامرات، من جميع الأحابيل التي يحيكها لصوص الهيكل في الليل وفي النهار، الذين لا يجدون في إنتخابات الجمهورية المقبلة، كما غيرها من الإنتخابات السابقة عليها، إلا فصلا من فصول الصفقات.
لبنان، لم يكن طيلة العهود الماضية، إلا صفقة حزينة من «صفقات الحراس»، صفقة مؤلمة، صفقة خاسرة. ما عرف عن حراسه، أنهم يصونون شرفه الوطني في كل تاريخه القديم، ولا شرف ترابه الطاهر، ولا شرف أهله، ما إعتادوا حماية شعبه من الجوع، ولا إعتادوا حماية كرامتهم من دنس وخبث وإعتداءات المعتدين.
كانوا يمضون فقط لعقد الصفقات، لأنهم يظنون، أنه تأسس على صفقة. ولم يقيموا إعتبارا لدماء الشهداء. لكن، ليكن معلوما أيضا، أن أخطر الصفقات قاطبة في تاريخ لبنان الحديث، كانت «صفقات الحراس».
* أستاذ في الجامعة اللبنانية