بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تموز 2020 12:00ص عودوا إلى عبد الناصر أيّها العرب!

حجم الخط
حريٌّ بنا مع إطلالة الذكرى الـ68 للثورة المصرية، التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في يوم 23 تموز 1952، وإخوانه في تنظيم الضباط الأحرار، أن نستحضر أبرز إنجازاتها ومبادئها ومعاركها الوطنية داخل مصر إلى جانب الشعب المصري، وخارجها إلى جانب الشعب العربي، والتي ما زالت محفورة في حياة الأمة ووجدانها. 

لقد كان يوماً مجيداً في تاريخ مصر والعرب، حين أعلن جمال عبد الناصر ثورة حقيقيةً وليس انقلاباً عسكرياً على سلطة قائمة من أجل الحلول مكانها والإمساك بمقدّرات البلد وثرواته لإدخالها في دائرة الملكية الخاصة. ولم تكن ثورتُه تعليق المشانق وتنفيذ الإعدامات والزجّ بالسجون، بل كانت ثورة بيضاء خالية من أي نقطة دم، ما أتاح للملك فاروق أن يخرج من البلاد منفياً بوداع رسمي على يخت بحري يحمل اسم الحرية. 

وكانت المبادئ الستة الشهيرة للثورة بوجه الاستعمار وأعوانه في الخارج والداخل، وضد سيطرة رأس المال والإقطاع على الحياة السياسية. وفي هذا المناخ الثوري خاطب ناصر الشعب قائلاً: «إرفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعمار.. وعلى هذا الأخير أنْ يحملَ عصاه على كاهله ويرحل. وكانت هذه الصرخة التي لا تزال أصداؤها تتردّد حتى اليوم في أرجاء الوطن العربي». ثم حدّدت الثورة رؤيتها الاستراتيجية المميّزة في التعامل مع محيطها والعالم.،فكانت الدائرة العربية «التي هي منّا ونحن منها»، والدائرة الإفريقية «التي شاء القدر أنْ نكون فيها»، والتي «تشهد صراعاً مروّعاً.. سوف تكون له آثاره علينا سواء أردنا أم لم نرد»، والدائرة الإسلامية التي «تجمعنا بها روابط العقيدة والتاريخ». 

ثم جاءت لحظة تحقيق الحلم الكبير، حلم الوحد العربية العزيز؛ فكانت دولة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا في 22 شباط 1958 التي جدّدت الأمل بقدرة الشعوب العربية على نفض غبار الاستعمار الطويل عنها، والبحث عن مكانة لها تحت الشمس، تليقُ بتاريخ العرب والمسلمين الحافل بالانجازات وحضارتهم العريقة. 

وعلى الصعيد العالمي، كانت الثورة الناصرية أبرز المساهمين في تشكيل كتلة دول الحياد الإيجابي وعدم الانحياز ضمّت حوالى 120 دولة عضواً، لتجنيب شعوبها ويلات الصراعات والحروب بين إمبراطوريات الشرق والغرب، والتركيز على قضاياها الوطنية والمصيرية في التحرير والتنمية. ولم تكتفِ الثورةُ بما حقّقته في أولى مراحل حياتها عربياً وأفريقياً ودولياً، بل خاضت المعارك الواحدة تلو الأخرى دفاعاً عن شعبها، وعن كلّ شعوب العالم المتطلّعة آنذاك للتخلّص من ربقة الاستعمار وإرثه الثقيل. 

وكان أنْ تحرّرت المنطقة العربية بفضل ثوراتها الوطنية والقومية التي ألهمتها مواقفُ عبد الناصر البطولية في عدوان 56 الثلاثي على مصر وقناة السويس، وفي أعوام الوحدة الثلاثة مع سوريا. وكان أنْ ثارت أيضاً دولٌ عديدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية على مستعمريها وحكامها المستبدّين ملتحقين بركب التحرر الذي قاده المارد المصري الأسمر. 

لقد جسّد عبد الناصر بأقواله وأفعاله تطلّعات الأمة العربية بالتحرر والنهوض، وببناء الدولة الحقيقية والجيش الوطني القويّ، والمجتمع العادل والمتصالح طبقيّاً على أسس سليمة. كما جسّد بسياساته السدَّ العالي ضد مشاريع الاستعمار ومخلّفاته الصهيونية في فلسطين المحتلة، التي بقيت عنده قضية الأمّة الأولى، فأطلق منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، وساندَ المقاومة الفلسطينية ودافع عنها حتى آخر يومٍ في حياته، عندما تدخّل قومياً لوقف نزيف الدم العربي في أحداث أيلول الأسود عام 1970. تاريخ كفاح طويل ومثمر- وإن شابته بعض الخدوش والجراحات العميقة في يونيو/ حزيران 1967- عاشه عبد الناصر من أجل شعبه وأمته، لم تنكسرْ فيه إرادتُه على المقاومة بكافة أشكالها، حتى في أحلك الظروف السياسية (الانفصال 61) وأقسى اللحظات العسكرية (النكسة)، بل في كلّ مرة كان يكبو فيها، كان ينهضُ مجدّداً بعنفوان ورباطة جأشٍ كالجياد العربي الأصيل(حرب الاستنزاف). 

ويكفي أن نقول بأنّ كل اللذين جاؤوا من بعد هذا القائد الفذّ، حكّاماً أو قادةً أو رؤساء في عالمنا العربي، لم يضيفوا ولو عبارةً واحدةً على قاموس عبد الناصر القومي والوطني الذي بقي المعيْنَ الأول الذي تنهل منه شعوبُنا العربية، مفردات العزَة والكرامة والحرية والمقاومة وغيرها كثير. بل نراهم على العكس من سيرة هذا الرجل الحرّ الذي مثّل أمّته بحقّ، يُمعنون في الخذلان وإشعال الحروب الأهلية، ونشر طاعون الفساد السياسي والاقتصادي والمجتعي، ويعمَهون في التبعيّة للأعداء أو الاستتباع للأصدقاء، ما يقضي على حُلْم الأمة بالوحدة المأمولة، وبالتضامن المطلوب، ويبدّد مقوماتها وثرواتها المادية والبشرية، عبر مشاريع مشبوهة لهدم الدول العربية، وتفتيت كياناتها الوطنية، وطحن شعوبها بالموت والجوع أو طردها وتهجيرها.

عودوا أيها العرب إلى رؤية عبد الناصر الاستراتيجية، وإلى مواقفه وتجربته الوطنية والقومية، ففيها ستجدون الطريق الصحيح من أجل نهوض الأمة.