بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 كانون الأول 2023 12:00ص فلسطين قضيتي

حجم الخط
أنا من جيل الذين تربّوا على أن قضيّة فلسطين هي قضية العرب الأولى، وأنها قضيتي، وعايشت حرب حزيران 1967، وأحداث نيسان 1969، وحرب تشرين الأول 1973، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982، وتحرير الجنوب 2000، وحرب تموز 2006، وحروب غزة في 2008، 2012، 2014، 2022، و2023... وغيرها من الأحداث، وعملت في النشاط الطلابي وكذلك السياسي واضعاً فلسطين نصب أعيني.
لقد تهرّبت الدول العربية من «القضية الأولى» عبر قرار مؤتمر القمة في الرباط 1974 اعتبار «منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني»، وتذرّعت بالقرار للابتعاد عن هموم وشجون القضية، ولنفض أياديها بالكامل بدعوى أن القضيّة تعني الفلسطينيين حصرياً، وأن دور العرب هو المساندة!
ومن هنا بدأت سلسلة التنازلات ومعاهدات الذلّ والاستسلام المُقنّعة برداء السلام، ففي اتفاقية أوسلو 1993 تم الاعتراف رسمياً بإسرائيل، وفي المقابل اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. ونتج عن ذلك تأسيس سلطة حكم ذاتي فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي المقابل أحكم الكيان الصهيوني قبضته على القدس.
بالطبع، اتخذت الدول العربية من اتفاقية أوسلو ذريعة للحاق بركب التطبيع المُستتر أو المُعلن.
وهكذا انتقل الصراع العربي - الإسرائيلي من حروب الجيوش العربية النظامية مع العدو، إلى حروب التنظيمات العقائدية المسلحة، وصرنا نرى اندلاع حروب ضروس، وإقرار هدن، وتبادل رهائن وأسرى، بين دولة لديها أقوى الحلفاء من دول العالم وجيش مُصنّف الرابع عالمياً، وبين حركات سياسية لديها أجنحة عسكرية!
لقد مرّ 75 سنة على احتلال فلسطين، اتخذ خلالها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 131 قراراً يُعالج بشكل مباشر الصراع العربي - الإسرائيلي، ولم يلتزم العدو الصهيوني بها... طيّب وبعدين!
في غياب الضمير العربي والإسلامي والعالمي، فاقم تعامل الصهاينة مع الفلسطينيين من سوء الأوضاع، بحيث قصمت القشّة ظهر البعير، فأتى «طوفان الأقصى» مُطيحاً وجارفاً لكل المعايير، وبغضّ النظر عما جرى يوم 7 تشرين الأول 2023، وهل هو خطأ أم لا... إن لم يكن مُمكناً الوقوف مع أهل غزة بالأفعال، فلنقف معهم (على الأقل) بالأقوال وكثرة الدعاء، ولنُبقيهم في البال، فرّج الله عنهم!
إن ثمن صمود غزة سيكون باهظاً، لكنه لا بد من أن يقلب حسابات دول العالم في التعامل مع القضية الفلسطينية، والتاريخ خير شاهد على أن ثمن الاستسلام أفدح بألف مرة من ثمن الصمود.
وقد احتاجت غزّة الجريحة وأهلها البواسل إلى وقفة عربية إسلامية موحّدة عاجلة فاعلة، فعُقدت «قمة عربية إسلامية مشتركة غير عادية» في 11 تشرين الثاني 2023، ضمّت 57 دولة عربية وإسلامية (حوالي ثلث دول الأمم المتحدة)، ورفضُ طرح مسودة مقترح حظر النفط ومنع الولايات المتحدة من استخدام المجال الجوي العربي لتسليم أسلحة أو قنابل إلى إسرائيل، وفي المقابل صدر بيان يُدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والدعوة إلى كسر الحصار وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية! 
نحن نكتب الكلمات بمداد أسود على الورق، في حين يُسطِّر الشهداء أروع الملاحم بالدم... فلنخجل أمام عظمة الاستشهاد، ولنقل خيراً أو نصمت، ولنكفّ عن التنظير والسجال والمشاحنة، ونركّز على المساهمة في تضميد الجراح، وكفكفة دموع الثكالى، وتأمين لقمة الجياع وحليب الرّضع!
غزّة هاشم هي العزّة للمسلمين والغُرّة للعرب، أما العُرّة فهم المُطبّعين المستسلمين المتصهينين!
ختاماً أقول: عام 1948 تركنا الفلسطينيين لوحدهم ولا أحد يدري بحالهم... فهل في عام 2024 سنتركهم لوحدهم والجميع يدري بحالهم؟!