بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 حزيران 2022 12:05ص قراءة في نتائج الانتخابات وضرورة البديل

حجم الخط
إنتهت الانتخابات وهدأت طبول المعركة الانتخابية وفاز من فاز وتغيرت نسبيًا معالم المدينة سياسيًا وكُسر التقليد السائد ودخلنا مرحلة لن تقف عند النتائج النيابية، انما سوف تتدحرج كرة الثلج إن اثبتت نجاحها في ميدان السياسة إلى البلدية وغيرها من استحقاقاتٍ مقبلة. ولكن قبل ذلك كان لا بد من قراءة سريعة لنتائج الانتخابات التي حصلت في بيروت الثانية وفهم سبب تغير مزاج الناس وقراءة الأرقام بشكلٍ سريع. لقد استطاعت القوى التغييرية أن تحقق نتائج مبهرة على القوى التقليدية رغم أنها كتلة غير متراصة وغير متفقة في الفضاء العام ولا في الخطاب السياسي ولا في مقاربة الملفات ولا في العناوين العريضة وبات ذلك جليًا بعد انتهاء المعركة وغناء كلٍ على ليلاه، ولكن سؤال يسأله بعض المراقبين، كيف استطاعت كتلة اجتمعت انتخابيًا فقط وتكتيكيًا فيها الكثير من التمايزات العميقة والجوهرية أن تحصل على تلك النتائج؟
لقد استطاعت ثورة 17 تشرين أن تكسر الكهنوت السياسي والتقاليد المتعارف عليها ضمن سياق تاريخي من الفساد المقونن والموروثات السياسية التي تقوننت وأصبحت جزءًا من أعراف المدينة، تلك الحالة السائدة لفترة زمنية طويلة أماتت كل محاولات التجديد والتغيير في الثقافة العامة التي بطبيعة الحال سوف تؤدي إلى خطابٍ جديد يكرّس سلطة سياسية جديدة، تلك التراكمات من التقليد والفساد أدت إلى نفور الناس من الخطاب التقليدي، فعلى سبيل المثال، الجماعة الاسلامية وهي حالة إسلامية ترفع شعار الاسلام السياسي الوسطي وخطابٍ معتدل ولكنه خطابٍ تقليدي غير قادر على التكيف والتطوير لأسبابٍ نتكلم عنها لاحقًا، ولكن بالرغم أن طبيعة بيروت الإجتماعية  محافظة  نوعًا ما إلا أن الناس صوتت لقوى التغيير لبيرالية التوجه والهوى، ولكن علينا أن ننتبه لشيء أساسي مهم، إن التصويت ليس إقتناعًا وليس إنبهارًا بالطرح، ولكن عنوان «التغيير» أصبح «trend» وهذا أدى إلى موجة تسونامي في الخارج بسبب كره الناس للقوى التقليدية وقوى السلطة التي كانت السبب في تهجيرهم، أما في الداخل فلقد سئمت الناس من ذلك الخطاب الجامد الخشبي الذي لم يعد ينفع في ظل العولمة الثقافية والحداثة العالمية التي اجتاحت الشباب، وهنا جوهر الموضوع، لم تستطع القوى التقليدية رغم نجاحها في الفوز  في بعض المقاعد النيابية ولكن الارقام أظهرت على ضرورة إعادة إنتاج خطاب جديد قادر على الاتساق مع الحداثة في اماكن والتمايز عنها في أماكن أخرى مع الحفاظ على الهوية الاصلية، الخطاب الذي أطلقته القوى التغييرية كان موجهًا إلى القاعدة الشبابية التي سئمت من التقليد واصبحت اصواتهم انتقامًا وليس إقتناعًا، وخصوصًا بعد حملة التكفير التي حملها بعض المشايخ ضد مشروع الزواج المدني، الخطاب التقليدي لم يحمل هموم الناس ولم يواجه بعض الأفكار مواجهة علمية وحديثة قادرة على إقناع الشباب بمدى خطورة أو عدم صوابية الطرح في الزمان والتوقيت.
 بالمقابل، لقد حمل التغييريون طروحات تستفز شريحة كبيرة من الناس ولا تتقبلها، ولكن ما العمل؟ فالفريق الأول هو فريق تقليدي لم يأتِ بشيء جديد وأصبح قديماً وولى عليه الزمان، وفريق آخر تابع للسلطة التي قهرت العباد ودمرت البلاد، وفريق آخر يرفع طروحات مثل العلمانية وغيرها التي لا يريدها قسم كبير من الناس، هذا الفريق اصبح يعيش في حالة ضياع وشتات، لم يقنعه أي خطاب من تلك الخطابات، ولكن يريد التغيير ويريد مواكبة الحداثة جزئيًا والتمايز عنها في القضايا الأسياسية التي تعبر عن الهوية التي ينتمي إليها، من هنا يجب أن نبدأ، من هنا يجب العمل على تيارٍ فكري قادر على المحافظة على التقاليد والهوية ولكنه في نفس الوقت يقارب الملفات بطريقة علمية ومنطقية ويتماشى مع التغيير الإيجابي والتغيير المنطقي ويقوم بتعريف السياسة والديمقراطية والدولة المدنية وينخرط في الإطار العام دون التعري عن هويته الاجتماعية والثقافية والدينية أيضًا، فهنا أصبح التيار المحافظ الاصلاحي ضرورة فكرية وسياسية يؤمن بمدنية الدولة والحفاظ على الخصوصيات التي ولد عليها لبنان وينشىء فضاءً واسعاً ومشتركاً يقوم ببناء مجتمعٍ سليم متنوع ومتعدد مقيد بالقيم والاخلاق المشتركة والمتفق عليها بين كل مكونات لبنان الطائفية.