بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آذار 2023 12:00ص لا نحتاج إلى رئيس! ولا إلى مقامرين بمصير وطن

حجم الخط
السِّجال العقيم أصبح مملاًّ بين مختلف الأفرقاء السِّياسيين حول رئاسة الجمهورية في لبنان وضرورة انتخاب الرئيس كمدخل طبيعي إلى بداية عودة الانتظام والعمل إلى مؤسسات الدولة «الفارهة للمسؤولين»، والفارغة لليتامى والمساكين وعابري السبيل... والنِّزال السّقيم بين اللاعبين والمتلاعبين السياسيين والطائفيين، والعابثين بدستور لبنان، بل والمجهزين عليه عمداً عن سابق تصوّر وتصميم، لا يمكن أن ينتج عنه سوى فراغ قاتل، أو كرسي مائل، وتدمير ممنهج لكل أسس الدولة الموعودة بالكنز البحري بعدما أجهزوا على كنوز الطاقة والمياه، والمال والنقل والأشغال، والاتصالات والاقتصاد والتجارة، كما أجهزوا على التربية والبيئة والإدارة، والثقافة والسياحة والإعلام، والصحة والزراعة والصناعة، والعدل والعمل والمهجرين، وكذلك على شؤون الشباب والمجتمع، والأمن الداخلي والدفاع وعلاقات لبنان الخارجية.
لا شكر على واجب انتخاب الرئيس، ولا شكر على انتخاب رئيس قوي على حساب شعب ضعيف. لا شكر لأصحاب الأوراق البيضاء، والأوراق الملطّخة بحبر الطائفية والتبعيّة للخارج وعدم الانتماء، ولا شكر لصكوك الغفران عندما لا تعفو السماء، ولا لعباءات البراءة المذيّلة بالخطوط الحمراء. لا شكر لأكياس جهنّم، وأكياس القهوة والمفرقعات والنيترات والتفجيرات. بل شكراً... لا نحتاج إلى رئيس! ولا إلى مقامرين بمصير وطن، فقد حزمنا الحقائب وعزمنا على الهجرة قبل أن نسمع من الرئيس القوي: «إذا مش عاجبك هاجر!». وقد حزمنا حقائبنا قبل أن يقول العرّاف البائس: «إلى جهنّم» نحن ذاهبون. حزمنا الحقائب قبل ثورة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، وقبل تفجير المرفأ في ٤ آب ٢٠٢٠، وحزمناها قبل الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا واهتز له لبنان دون أن تهتز له ضمائر. وما زالت الزلازل تضرب المنطقة والهزات تحاصر لبنان حتى بتنا نسابق الموت بالحياة، ومِنّا من قضى نحبه ومنّا من ينتظر!
لا نحتاج إلى رئيس! بل نحتاج إلى مؤمنين بالوطن. وشكراً لدولة الرئيس نبيه بري، ولا نتصوّر أن أحداً يملأ المكان المقدّس في رئاسة المجلس كما ملأه وشغل الناس لعقودٍ من الزمن، ولكن هل من يملأ الفراغ المقدّس والمعتاد في كرسي رئاسة الجمهورية من دون التهديد والوعيد في كل مرّة، ومن دون التعطيل القاتل لأعمال السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، وانتظار عقد التسويات الدوليّة ولو كانت على حساب لبنان؟ السؤال موجه للجميع بلا استثناء، لأطراف الداخل والخارج، للمؤمنين بلبنان الوطن السيد الحر والمستقل، للصادقين والمنافقين، لأنصار الدولة وأتباع الدويلة. وشكراً لقيادات ونواب كتلة الوفاء للمقاومة على تذكيرنا دائماً بمواصفات الرئيس الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها! ولكن هل من يسأل عن رئيس لا يطعن الدولة في دستورها وصدرها، ولا يهتز له جفنٌ من تمزيق قلبها وتفجير مَرساها.
لا نحتاج إلى رئيس غير مُرشّح ما لم يحضر التوافق الخارجي قبل الداخلي عليه، أو رئيس لا يأتي إلا من خلال القفز العالي فوق نصوص الدستور، مع فشل نسبي كبير ومتفاوت لجميع التجارب السابقة التي أتت بقادة الجيش إلى كرسي الرئاسة بعد اتفاق الطائف. ولا نحتاج إلى مرشح الثنائي الشيعي المعزول مسيحياً، ولا إلى مرشّح الثنائي المسيحي على غرار المرشّح الكارثة التي أتى بها اتفاق معراب إلى قصر بعبدا. لا نحتاج إلى رئيس، أي رئيس «كيفما اتفق» بعد انهيار الدولة وسقوطها في غياهب الجحيم.
نحتاج إلى رئيس وطني وحكومة وطنية للإنقاذ بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى، وقبل ذلك إلى إرادات وطنية صادقة ومخلصة، ورأفة بلبنان من قبل أشقائه وأصدقائه في العالم العربي والمجتمع الدولي. هذا البلد «الكيوت» لم يعد يحتمل صراعات الأمم، ولا بقي يعنيه الملف النووي الإيراني، ولا حرب اليمن، ولا فوضى العراق وسوريا. وهذا البلد المنتهي لا شأن له بحرب أوكرانيا، ولا بمعاداة روسيا أو مواجهة أميركا. لبنان الغارق في أزماته ومعه الغارقون؛ أبناؤه المقيمون والمغتربون، العاملون والخاسرون لوظائفهم وأعمالهم، أصحاب المهن الحُرّة والمُرّة في زمن السطو على ودائع الناس وتكبيل القضاء، النازحون واللاجئون والمهجرون في أوطانهم والمهاجرون، قادة المؤسسات الأمنية وضباطها وعناصرها، وزارات الدولة المهترئة، وأحلام الرئاسة المهلهلة.