بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 شباط 2020 12:27ص لبنان أشبه برجل مصاب بمرض عضال ويعالج بجرعات من «البنادول»

الأزمة المالية تحتاج إلى قرارات فورية وجريئة لا إلى تأليف لجان

حجم الخط

مخاوف المودعين مبررة من إمكانية اللجوء إلى تسديد الدين الخارجي من أموالهم


أما وقد نالت حكومة «مواجهة التحديات» ثقة مجلس النواب على أساس بيانها الوزاري، فإن جملة من الملفات والاستحقاقات التي أقل ما يقال فيها بأنها أشبه إلى كرة النار تنتظر الحكومة لمعالجتها ومن بين هذه الملفات ما هو إداري ومالي والأهم من ذلك هو ما يتعلق باستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان.

وبالرغم من اعتراض من هو في السلطة ومن هو وخارجها أيضاً بمخاطر الأزمة التي يعيشها لبنان خصوصاً على المستوى المالي، غير ان هؤلاء يتصرفون ببرودة غير طبيعية في الوقت الذي يغلي فيه الشارع حيث الخوف لدى النّاس يزداد يوماً بعد يوم على ودائعهم في المصارف وعلى جنى عمرهم، في ضوء ما يشاع بأن الحكومة قد تلجأ للاستعانة بهذه الأموال لتسديد الديون الخارجية حيث ان هناك دفعة من الدين يتوجّب على الحكومة اللبنانية دفعها وهي تفوق المليار دولار قبل التاسع من الشهر المقبل.

وقد عكس الاجتماع المالي الذي انعقد في قصر بعبدا وكذلك جلسة مجلس الوزراء التي تلته مدى الإرباك الموجود لدى الحكومة في مقاربة المخارج الصحيحة للأزمة المالية، وقد أظهر البيان الذي صدر في أعقاب الاجتماع المالي وجود عجز واضح لدى أهل الحل والربط في إخراج القطاع النقدي من الحالة التي يتخبّط فيها، وهي حالة لم يألفها لبنان في عز الحرب الأهلية التي عصفت فيه.

وقد لوحظ ان غالبية المتعاطين بالشأن السياسي وكذلك المالي يحاولون التبرؤ مما وصلنا إليه، من دون ابتداع أي صيغ من شأنها ان تؤسس لحلول قريبة ولو على مراحل للأزمة الراهنة، وقد ذهبوا بالأمس إلى اعتماد اهون الشرور من خلال رمي كرة النار في مرمى لجنة مؤلفة من وزراء وخبراء واعطائها مهلة أقصاها قبل نهاية الشهر الحالي لإنجاز مهمتها في ما خص خيارات «اليوروبوند»، وإحالة ما تتوصل إليه إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار، علماً انه كان يفترض إيجاد حل لهذه الأزمة منذ ثلاثة أشهر، بمعزل عن الوضع السياسي غير الصحي الموجود والذي أخّر ولادة الحكومة العتيدة حيث كان يتوجّب على حاكم مصرف لبنان دق ناقوس الخطر واعلام المسؤولين بحقيقة الوضع المالي وانذارهم بخطر ما قد يلحق بلبنان في حال تخلف عن تسديد الديون في المواعيد المحددة، خصوصاً وان الثقة الدولية بلبنان مهزوزة لا بل هي أقرب إلى فقدانها بالكامل، حيث وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين في الآونة الأخيرة إشارات غير مطمئنة تتعلق بشكل تعاطي المجتمع الدولي مع لبنان ما لم يسارع إلى القيام برزمة إصلاحات تتعلق بالاقتصاد، ومكافحة الفساد، والحفاظ على المال العام، وآخر ما تبلغه لبنان بهذا الشأن مضمون البيان الذي صدر عن الخارجية الفرنسية في غضون الساعات الماضية والذي يحث الحكومة على التحرّك سريعاً من أجل تلبية التطلعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والقيام باصلاحات بعيدة المدى وطموحة بروح من المسؤولية ولمصلحة جميع اللبنانيين، وقد سبق البيان الفرنسي قبل يوم واحد بيان صادر عن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان طلب من لبنان القيام بمجموعة من التدابير والاصلاحات الملموسة وذات المصداقية والشاملة بسرعة وبشكل حازم لوقف ومعاكسة الأزمات المتفاقمة.

هذا الموقف الفرنسي وبيان مجموعة الدعم يدل بشكل واضح على ربط المجتمع الدولي أي مساعدة للبنان بتلمس الإصلاحات المطلوبة ووضع خارطة طريق واضحة لمكافحة الفساد ووقف الهدر والحفاظ على المال العام.

وإذا كان البعض يرى ان الأزمة المالية التي تضرب لبنان قد سبقت بأشواط كبيرة ما يُمكن ان تقوم به الحكومة اللبنانية من إصلاحات، وبالتالي فإن البلد أصبح كرجل مصاب بمرض عضال خطير والاطباء يصفون له «الباندول» كعلاج، بمعنى آخر فإن الخطوات الداخلية التي تتحضر الحكومة للقيام بها هي مجرّد مسكنات لا تقدّم ولا تؤخّر، وأن العلاج الفوري للأزمة يجب أن يتأتى من جرعات دعم دولية غير مشروطة، وهذا الأمر غير متوافر أقله في المرحلة الراهنة، ولذا فإن الخوف مبرر من أن تلجأ الحكومة إلى تسديد الدين العام من ودائع النّاس، إذ ان الهم الأكبر للحكومة اليوم هو استعادة الثقة الدولية بلبنان ولو كلف ذلك اتخاذ إجراءات قاسية غير شعبية.

وتشخّص مصادر مطلعة الوضع الراهن في لبنان برجل يقف على مقصلة الإعدام ومن يريد اعدامه محتار في امره، هل يضع له الغطاء على وجهه أم لا، أو كرجل ميت وهناك استحياء من الناس ما إذا كان الأصح اعلام أهله بموته أم لا، وتؤكد هذه المصادر ان البلد يحتاج إلى قرارات فورية، ولا يحتمل وضعه تشكيل لجان للمعالجة، وكما هو معلوم فإن اللجان هي مقبرة المشاريع.