بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 تشرين الثاني 2023 12:00ص «ما في حدا...»!

حجم الخط
احتاجت غزّة الجريحة وأهلها البواسل إلى وقفة عربية إسلامية موحّدة عاجلة فاعلة، فعُقدت «قمة عربية إسلامية مشتركة غير عادية» في 11 تشرين الثاني 2023، ضمّت 57 دولة عربية وإسلامية (حوالي ثلث دول الأمم المتحدة)، ولِمَ العجلة في تاريخ الانعقاد فـ«العجلة من الشيطان»، وعدد ضحايا العدوان لم يتجاوز الأحد عشر ألف، والدمار لم يقضِ على ثلثي القطاع!
خلاصة ما جرى في القمة هي رفضُ طرح مسودة مقترح حظر النفط ومنع الولايات المتحدة من استخدام المجال الجوي العربي لتسليم أسلحة أو قنابل إلى إسرائيل، وصدور بيان يُدين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية، والدعوة إلى كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية...
العجيب أن التظاهرات التي تجوب بعض أنحاء «الأمة العربية» ترفع لافتات «حيف عليكم يا عرب»، وكأننا نتكلم عن جنس آخر لا يمتّ إلينا بصلة! فيا «عرب المظاهرات»، دعونا نوفر أقمشة اللافتات ونستخدمها للأكفان ما دمنا مستمرين في تخاذلنا وتقاعسنا وتجاهلنا لما يجري من حولنا، ودعونا أيضاً نوفر أصواتنا التي بحّت في الهتافات ونصبّها «أصواتاً» في صناديق الاقتراع نختار فيها أصحاب المبادئ لتبوء مناصب المسؤولية والحكم.
نحن «عرب المواسم» الذين لا نطيق صبراً على مقاطعة المنتجات الأجنبية، حتى ولو تحوّل ريع بعضها رصاصاً في صدور إخوتنا وأهلنا، سندفُن غداً شهداءنا ونلملم جراحنا... بانتظار مجزرة جديدة، نعود فيها مرة جديدة إلى تبادل الاتهامات والتخوين فيما بيننا، ودبج البيانات والمقالات والقصائد والنكات، ونتبادل الصور المأساوية والمشاهد و«الكليبات» عبر «الإنترنت»، وندعو إلى الجهاد ضد العدو، وإلى الوحدة ولمّ الشمل، ومقاطعة البضائع الأجنبية، وعقد المؤتمرات والقمم العربية والإسلامية، ونتظاهر ونعتصم، ونناشد ونقلق ونستنكر ونستعطف العالم بأسره وقف إطلاق النار وانسحاب العدو.
ثم بعد أن يقضي العدو مأربه، نجلس لنتصالح ونتباوس ونعفو عما مضى، ثم نشحن المواد الإغاثية والخيم، ونتخلّى لمن بقي حيٌ من «إخوتنا» عن بعض الألبسة المستعملة التي لم نعد نرغب بها... وكفى الله «المؤمنين» شرّ القتال!
مرة أخرى خيّب القادة والحكام العرب والمسلمين أحلام الجماهير وطموحاتهم، فجاءت القمة «غير العادية» لقاءً خجولاً إنْ لجهة المباحثات، أو لجهة الإعلان والمقررات. والتاريخ الذي لا يرحم لن ينظر إليها على أساس أنّها قِمة (بكسر القاف) لجمع الشمل والتباحث فيما آلتْ إليه الأمور واستقراء المستقبل واتخاذ القرارات، بل سيراها قُمة (بضم القاف) ولطخة عار، وأخشى أن يأتي اليوم الذي يُقال فيه «أمة عربية خاملة، ذات رسالة خائبة»!
لقد فضَحَنا القادة العرب والمسلمون أمام العالمين، ورحمة الله على الشاعر العراقي خفيف الظل أحمد الصافي النجفي حين قال في إحدى قصائده «فضحونا حتى أمام الكلاب»!
لقد بلغ مستوى الخنوع والمهانة العربية حداً لم يسبق له مثيل في تاريخنا، فبعد أن أسقطنا لاءات قمة الخرطوم الثلاث «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الإسرائيلي قبل أن يعود الحق لأصحابه»، نحرنا بتصرفاتنا الخرقاء أسس النخوة العربية والمروءة وصلة الأخوة... بل تخطينا جميع الخطوط الحمراء لجهة تهاوننا بمدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الله، ووقفنا نتفرج على الصهاينة يدوسون بأقدامهم ترابها الشريف ويغيّرون معالمها.
البعض ينادي «وامعتصماه».. وآخرون يستغيثون بالناصر صلاح الدين، ولكن وبالإذن من السيدة فيروز: «ما في حدا.. لا تندهي ما في حدا»!