بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2023 11:55م مسار هيبة الدولة اللبنانية من الاستقلال الى ثورة تشرين المغدورة

حجم الخط
قبل ال 75 كان للدولة هيبة إذ كان البلد ‏لايزال مشروعاً قيد الانجاز واستقلالاً على ‏طاولة الاستحاق والاختبار وسلطة وطنية ‏ناشئة وخيارات في الإقليم ودور فيه وحصة ‏للبلد فيه بنهضة المنطقة بعد الحرب العالمية ‏الثانية. صحيح كان للفترة من الـ 43 إلى الـ ‏‏75 طلعاتها ونزلاتها إنما كان لا يزال الثلج لم ‏يذب فيكشف عما خفي في بنيان هذا الكيان ‏من أسباب ضعف وعورات قاتلة. ولكن بالهيبة ‏التي كانت تتمتع بها الدولة توفر للمواطن ‏سبباً للطمأنينة على مستقبله نوعاً ما لأنه ‏كان يمسك بيده سلاحاً في وجه الدولة إن ‏جارت وهو التهديد بتهشيم هيبها وسمعتها ‏وكان هذا يخيف رجالات دولة ناشئة ‏وجماعاتها وكان كلما برز ما من شأنه أن ‏يطيح هذه الهيبة يتداعا أصحاب الدولة وطبقة ‏حكامها ليرمّمو الشرخ حرصاً على مصالحهم ‏فيتنازلوا عن بعض امتيازاتهم ودعونا نقول، لم ‏يجاوز بعض الفتات من غنائمهم في السلطة ‏وسمسراتهم مع الخارج القريب والبعيد ‏ويعطوها للمحتجّين والمطالبين والمحرومين ‏من فئات الشعب وطبقاته فتعود على أثر ذلك ‏المياه إلى مجاريها وتستقيم الأمور وتستمر ‏الحياة طبيعياً نسبياً لفترة.‏‎ ‎
إلى أن دخل على البلد عامل خارجي بالـ 75 ‏خربط لعبة القط الفار بين رجال الدولة ‏وجماعاتها ولم يعد بقدرة الحريصين على ‏هيبة الدولة تقديم ما اعتادوا تقدبمه ‏للمطالبين من فتات لإسكاتهم. وبوجود ‏العامل الخارجي الوافد إلى البلد صارت هيبة ‏الدولة على المحك من جديد إنما ليس في ‏المواجهة مع "ولاد البلد" ومجموعاتهم ‏الطائفية والمناطقية والفئوية إنما في وجه ‏من كانوا يسمّون لاجئين إلى البلد وإلى غيره ‏في الجوار العربي بعدما سلبت أراضيهم في ‏فلسطين واغتصب منهم عام 48‏‎ ‎وإخفاق ‏إخوانهم العرب في التصدي لهذا الاغتصاب - ‏الفاجعة. وكان لبروز هذا العامل الوافد إلى ‏لبنان إذاً أثر في ازدياد منسوب التهديد الذي ‏باتت هيبة الدولة اللبنانية تتعرض له يوماً بعد ‏يوم. وبالتالي انفرط عقد الدولة وما يلازمها ‏من هيبة كلياً أمام تضافر عاملين أحدهما ‏داخلي ومتجدد باستمرار إنما باقٍ تحت ‏السيطررة وثانيهما طارئ تفاعل مع العامل ‏الداخلي ليشكل له دعماً استند إليه هذا ‏الأخير ليتجاوز في تهديده لهيبة الدولة ما لم ‏يعد لدى أصحابها قبوله والتعامل معه بلطف ‏وبالتنازلات الطفيفة التدريجية لاحتواء ‏الاحتجاجات والمطالبات الجزئية من كل نوع، ‏بحيث وُضع أصحاب الدولة أمام خيارين، لا ‏سيما نظراً إلى ما وصلت إليه الطبقة الحاكمة ‏من انقسام حول الحل الواجب اعتماده ‏للحفاظ على هيبة الدولة وتماسك الكيان ‏واستعادتهما، فكانا إما التقسيم فتأسيس ‏كيانين واحد للمسيحيين وآخر للمسلمين، ‏وإما إعادة توزيع القوة والسلطة داخل الدولة ‏بين أطراف الطبقة الحاكمة استناداً إلى ‏قاعدة المناصفة بين الطرفين الأساسيين في ‏المجتمع: الطرف المسيحي والطرف ‏المسلم، كمسعى للإبقاء على كيان واحد ‏ودولة واحدة موحدة للمسلمين ‏والمسيحيين. حلٌّ تستعيد به الدولة بصيغتها ‏الجديدة التي طبخت في الطائف هيبتها ‏المفقودة تماماً بعد ما تنازع عليها إن لم نقل ‏اغتصبتها ميليشيات الطوائف المتنازعة أو ‏جيّرت إليها برعاية ورضا أطراف السلطة ‏المنقسمين أمام ما وقعوا فيه من مأزق ‏استعصى عليهم الحل فتقاتلوا ثم تعذر على ‏أي منهم أن يحقق لنفسه الغلبة على الآخر.‏
‏ *‏
نحن الآن في لبنان أمام نقطة تحوّل جذري في ‏مسار الكيان بعد أن ثبت للبنانيين وللمرة الألف ‏أن مصيرهم جميعاً على اختلاف طوائفهم ‏ومللهم لم يقرره بداية مع تأسيس هذا الكيان ‏غير الخارج بتواطؤ الداخل بالطبع.‏
بعد 100 عام من المسار العسير صعوداً أحياناً ‏وهبوطاً في الغالب، وبعد أن دق ناقوس النهاية ‏لهذا المسار في عام 2019 المتمثل في ما ‏سمي ثورة بحق لما جمعت حولها في لحظة ‏واحدة ملايين من الناس لم تجتمع يوماً حول ‏شعار أوحد دون سواه يدعو يومئذٍ إلى الانعتاق ‏من أسر هذا الذي فرض على أبناء هذا البلد ‏طوال 100 عام. (ولو أن غدراً أطاحها من أطرافها ‏في الداخل ارتهاناً منهم لإملاءات الخارج، فيصحّ ‏نسميها الآن ثورة 2019 المغدورة). ‏
ولما لم يفهم بل لأنهم فهموا جيداً أصحاب هذا ‏الكيان من مؤسسيه وعرّابيه والمولجين بإدارته ‏أن ما قبل 2019 لا يمكن أن يستمر ما بعد ‏‏2019، وأمام فقدان هذه الجهات الضامنة ‏والراعية له ناصية السيطرة على وضعه وإخفاقها ‏في وقف حالة تدهوره وفقدانه للجاذبية، وانتقاله ‏من حال بلد مأزوم في دولته على الدوام إلى ‏حال بلد اسبدلت فيه الدولة المأزومة بمنظومة ‏مافيوية ناشطة عبثاً في سعيها وراء المد بعمر ‏هذا الكيان والركون من جديد إلى ما يمكن للخارج ‏أن يوفره لها من أسباب شرعية لاستمرارها وهو ‏الاتفاق على رئيس رمز مولج في حمل برنامج ‏المتابعة يقوم على اعتبارات التوازن بين المصالح ‏الخارجية دونما البحث في الشروط الجذرية ‏الواجب تأمينها للنهوض ببلد حقيقي كامل ‏الأوصاف بلد لشعب وليس مزرعة أو ساحة ‏تتزاحم عليها مصالح دول وتُحشد من أجل ‏تأمينها طوائف فتصبح عندئذٍ الانتماءات الدينية ‏والمذهبية سلعة تبادل وتفاوض في البازار ‏السياسي للدول. وبذلك يبقى البلد مشرذماً ‏واللبنانيون بغير لحمة كيانية وطنية وشعبية ‏حقيقية. وبالخلاصة لبنان هذا الوجود الفاقد ‏للرابطة الوطنية ولأرض تشكل وطناً، وبالتالي ‏بقاؤه وطناً معلّقاً لشعب معلّق.‏
أين هم اللبنانيون اليوم بعد أن خسر أجدادهم ‏وآباؤ وأبنهم‎ ‎الحاليين، وهُمّ جيل الأربعينيات وما ‏بعده من أجيال، وأصبحوا رعايا في "وطن" مع ‏وقف التنفيذ (أي معلّق) مسلوب ومرهون لشتى ‏أنواع العصابات الرسمية وغير الرسمية، الدنيوية ‏والروحية من محترفي النهب وخيانة الأمانات ‏المادية والمعنوية والثروات الوطنية في الظاهر ‏وفي الباطن. إن متابعتنا للأمور تشي بأنها سائرة ‏الى إطلاق العنان منذ الآن وعلى الأمد الطويل ‏لحركة طويلة الأمد، حركة مقاومة ["مقاومون من ‏اجل استرجاع وطن للأحفاد"] تمانع وتقاطع كل ‏ما من شأنه أن يعيد ويدعو إلى ضخ اسباب ‏الحياة في شرايين دولة ثَبُتَ فشل هياكلها ‏وعناصرها البشرية وكان أصحابها سبباً في ‏التفريط ليس بمدخرات الناس في البنوك وفي ‏الخزينة وحسب، ولكن التفريط بأعمار الأجداد ‏والآباء والأبناء الحاليين أيضاً، وإبقاء مستقبل هؤلاء ‏الأخيرين في غياهب المجهول، فيما أرباب النظام ‏وحكامه وزبانياتهم بنوا ثروات لعائلاتهم تكفيهم ‏لثلاثة أجيال قادمة من أحفاهم من بعدهم. تاملوا ‏جيداً بهذا الأمر وقلّبوه جيداً في عقولكم لتستدلوا ‏على ما سوف يعمله كل من يلبي دعوة هذه ‏المقاومة، كل حسبما يتيحه له وضعه وفهمه، ‏ضمن هذا الهدف ليكون مردوده "وطناً مستعاداً ‏للاحفاد" ممن سلبوه في الداخل والتحقوا بالذين ‏يسلبونه ويتهددونه من الخارج، لأن معظم ‏الشعب بات اليوم مشرداً على رصيف الوطن ‏بانتظار ترحيله منه جيلاً تلو جيل وماذا سيكون ‏عليه الوضع إذا ما اكتست الحركة وجهين ‏أحدهما ناعم مدني" باسم " مقاومون من أجل ‏استرجاع وطن للأحفاد"، ووجه خشن تأديبي، ‏عقابي بحق الذين فرطوا بالوطن من قبيل ‏‏"فدائيون في سبيل استرجاع وطن للأحفاد". ‏وبماذا لو طلت هذه الحركة علىنا على هذا الدرب ‏بإصدار لوائح بهذا الخصوص في الأوقات المناسبة.‏
الكلمة الأخيرة بكم يا لبنانيين. عجقة كبيرة ‏بمبادرات من هنا وهناك فيما المطلوب
منك يا ‏شعب لبنان تأكيد وجودك وهويتك كشعب من ‏أجل استعادة وطنك السليب حتى لا تصبح ‏الأجيال اللاحقة متناثرة في أطراف الدنيا الأربعة ‏هائمين عديمي الوطن ولهم في مصير ‏الفلسطينيين عبرة.‏