بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 نيسان 2023 12:00ص «ميزان العدالة العسكرية يكيلُ بمكيالين!»

حجم الخط
يبدو أن هناك قضاءً عسكرياً بسمنة وآخر بزيت، وأن ميزان العدالة العسكرية يكيلُ بمكيالين!
في جو إصدار المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن خليل جابر، أحكاماً في حق المدعى عليهم في أحداث خلدة، التي وقعت في آب من العام 2021، نذكّر بغيضٍ من فيض القرارات:
بتاريخ 16 حزيران 2009 وافقت المحكمة العسكرية الدائمة على طلب تخلية الموقوف مصطفى حسن مقدم، المتهم «بالتسبب عن غير قصد بسلاح حربي غير مرخص» بقتل الملازم الأول الطيار سامر حنا في طوافة عسكرية كانت تحلق في أجواء تلة سُجد في الجنوب في 28/8/2008، بكفالة مالية مقدارها عشرة ملايين ليرة لبنانية. المضحك المبكي أن الموقوف أفاد في جلسة الاستجواب أنه ورفاقه لم يُبلّغوا بإمكان تحليق طوافات عسكرية للجيش اللبناني في المنطقة، وأنه لم يخضع لدورات تدريب، ولم يكن في نوبة حراسة في تاريخ إطلاق الرصاص (!).
بتاريخ 5 أيار 2022 تمّ إقفال ملف المطران موسى الحاج بقرار من قاضي التحقيق العسكري فادي صوان قضى بإعلان عدم اختصاص وعدم صلاحية القضاء العسكري اللبناني لملاحقته ومحاكمته جزائياً، سندا للمادة 1060 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الصادرة عن الفاتيكان سنة 1990 والنافذة في لبنان منذ 1991، التي تمنح، حصراً، قداسة البابا في الفاتيكان حقّ محاكمة الأساقفة المُلاحقين بقضايا جزائية (!).
هل تذكرون (بغضّ النظر عن صحّة التهم من عدمها) كيف تمتَّع القضاء العسكري بصلاحيّة ملاحقة ومحاكمة الشيخ أحمد الأسير، والشيخ الدكتور بسام الطرّاس، والشيخ الدكتور سالم الرافعي، والشيخ عمر بكري محمد فستق، والشيخ أحمد الغريب، والشيخ هاشم منقارة، وغيرهم؟!
إن مفهوم القضاء العسكري يُخالف مبدأ مساواة المواطنين أمام المحاكم، المكرّس في الدّستور اللبناني (المادة 7 منه)، لا سيّما لناحية مقاضاة المدنيين أمام القضاء العسكري، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدّة وتوصيات لجان حقوق الإنسان التابعة لها.
والمحكمة العسكريّة هي من المحاكم الاستثنائيّة، ومع ذلك يُطلق عليها «المحكمة العسكرية الدائمة»، أي المحكمة الاستثنائية الدائمة، وهو يُعدّ تناقضاً بذاته!
ويزيد الطين بلّة الاستثناء القائم على عدم صلاحيّة القضاء العسكري لملاحقة ومحاكمة رجال الدين المسيحيين.
وغالباً ما تنشأ المحاكم الاستثنائية لمعالجة ظروف استثنائية تقتضي اتخاذ إجراءات سريعة ومؤقتة، ومن ثم العودة إلى الأصل، كما أن القضايا التي تسند إلى هذه المحاكم يُفترض أن تكون من صلاحية قضاء مُتخصص وليس قضاء خاصاً.وقد أعربت اللجنة الدولية المعنية بحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في تقريرها للعام 1997 عن قلقها من الصلاحيات الواسعة المنوطة بالمحاكم العسكرية في لبنان، لا سيما أنها تتجاوز المسائل التأديبية لتطال المدنيين، كما عبرت عن عدم ارتياحها للأصول التي تتبعها تلك المحاكم وغياب الرقابة المعمول بها في المحاكم العادية على أعمالها وأحكامها وأوصت اللجنة في النتيجة دولة لبنان بإعادة النظر في صلاحيات المحاكم العسكرية وبنقل تلك الصلاحيات إلى المحاكم المدنية (أي المحاكم العادية) في ما يتعلق بمحاكمة المدنيين أو بانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها عسكريون.
بما أن القائمين على المحكمة العسكرية ضباطٌ يمارسون مهام قضائية وليسوا من رجال القانون، وبما أن أحكام المحاكم العسكرية غير معلّلة ... يجب إلغاء المحاكم العسكرية، وإلاّ حصر اختصاصها على وجه التحديد في نطاق العسكريين والأنظمة والإجراءات العسكرية.
لقد آن الأوان أن تقتصر المحاكم العسكرية على محاكمة الجرائم الخاصة بالعسكريين قيد الخدمة، فهل من مُجيب؟!