بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تموز 2022 12:00ص نهج ثورة عبد الناصر في ذكراها الـ70 (4/4)

حجم الخط
خارج أطر واصطفافات الدول الكبرى المهيمنة بالعقائد والسلاح على العالم، ومن تجربة ثورية مقاومة للاستعمار والصهيونية والليبرالية حيث ساهمت بتحرير أكثر من ثلاثين دولة من ربقة الاحتلال والسيطرة والوصاية، بأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وجمع الدول المستقلة بدول وعالم آخرهما كتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز لإحدى المعسكرين الشيوعي والليبرالي، وراحت هذه الشعوب ترسم لنفسها ودولها ما تراه من معتقدات وأفكار وأساليب نابعة من ذاتها ومن مصالحها ومصالح شعوبها وتوليد قيادات وطنية من صنعها وليس من صناعة الخارج.
بدأت حرب الاستنزاف في اليوم الأول من شهر تموز الذي تلي حزيران شهر النكسة العسكرية واشتدّ أوارها يوم 4 منه واستمرت ثلاث سنوات للعام 1970 حيث صدم العالم كله بوفاة جمال عبد الناصر فور انفضاض مؤتمر القمة، لقد نعت الإسرائيليون هذه الحرب بحرب الألف يوم لضراوتها وبسبب المفاجأة غير المتوقعة من القوات المسلحة المصرية المهزومة والتي تحتاج إلى سنوات عدة لإعادة قوتها وإعداد جيشها وتوفير آلياتها ومعدّاتها الحربية فإذا بها تعود للميدان وهي حسب التخمين الإسرائيلي لم تلم بعد شتات انكسارها العسكري وإحصاء ضحاياها من القوات المسلحة، فشكّلت هذه البداية صدمة للجيش الإسرائيلي ولعموم الإسرائيليين سواء داخل فلسطين المحتلة ولليهود المنتشرين في بلدان العالم التي كانت مبعث هجرتهم منها إلى فلسطين بتخطيط استعماري ووعد مشؤوم غير محق من بريطانيا العظمى وبلاد الاستعمار الغربي ليكون لهم وطن قومي بفلسطين. وثانيا/ بسبب التضليل الذي مارسته قيادتهم العسكرية والسياسية وبأن حرب الستة أيام التي خاضتها إسرائيل على الجبهات العربية الثلاث هي آخر الحروب مع دول عربية هي الأساس في الصراع العربي - الإسرائيلي، مصر، وسوريا والأردن هزمت من إسرائيل ومن جيشها جيش الدفاع الاسرائيلي. وثالثا/ بسبب إطالة الحرب لثلاث سنوات مستمرة لم تعتد عليها إسرائيل ولا قِبَل لها لتحمّل أعباء ضحاياها البشرية ولا المادية ولا عذاباتها الجسدية والنفسية ولضعف احتمال مشاق الحروب وأهوالها لدى جنودها الذين اعتادوا على الحروب الخاطفة وتنتهي بأيام محدودة.
كل هذه الحرب المميّزة والشجاعة التي أشرف على إعدادها جيشا ودولة ومجتمعا وشباب الجامعات وتخطيطا هو جمال عبد الناصر شخصيا بفكره النيّر وإخلاصه لوطنه مصر أم الدنيا ولأمته العربية لتبقى أمة العزّة بالله ودورها التاريخي منذ الفراعنة حتى الإسلام الحنيف وتاريخه العظيم.
لقد أمضى معظم الثلاث سنوات بعد النكسة في المواقع العسكرية والجبهات المتقدمة وعلى خطوط النار ومع الصواريخ ومنصاتها والمدافع الثقيلة التي أرعبت العدو وجيشه واليهود، وكانت هذه الحرب بمراحلها الثلاث التي رُسمت لها /مرحلة الصمود تلتها مرحلة الدفاع النشط أي المواجهة، فمرحلة التحدي والردع وهي التي أطلق عليها جمال عبد الناصر حرب الاستنزاف وباقتحامها وبقوتها أوقعت الخوف والاحباط لدى جنود العدو وضباطه وقياداته.
وبخوف أشدّ عاشه الإسرائيلي من عامة اليهود، لقد شكّلت حرب الاستنزاف هذه الذي بطلها الجندي المصري التي لم تتح له حرب الأيام الستة السوداء سابقة الذكر الفرصة لمجابهة جيش العدو أو القتال مباشرة بين الجيشين وإنما خاضتها إسرائيل وجيشها من فوق وليس على الأرض وإنما بالأعداد الهائلة من الطائرات التي تراوحت أسرابها إلى ما يزيد عن 450 طائرة استقدمتها من دول عدة ومن مطارات أخرى ومساعدات نفطية ومالية سبق وأشرنا في متن هذا المقال عنها، ان حرب الاستنزاف هذه التي خاضتها القوات المسلحة المصرية بشجاعة نادرة وبانضباطية ونظامية وحرفية ومنهجية شدّت أنظار الدول الصديقة وإعجابها وأربكت العدو وداعميه من أميركا ودول أوروبية معادية. وبالنهاية لقد أسست هذه الحرب لحرب تشرين/أكتوبر العام 1973 وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الذي قيل يحتاج تحطيمه قنابل ذرية. وانتصرت مصر وشاركتها الانتصار الجبهة السورية التي تركها السادات وحيدة بمواجهة العدو الصهيوني وأعوانه تحت تأثير الضغوطات الأميركية التي أوصلت مصر السادات إلى ما سمّي بالصلح مع إسرائيل ومعاهدة سلام معها (كامب ديفيد المشؤومة) نكرانا منه لكل المواقف العربية وتحديدا لحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في وطنه وأرضه وحق العرب والمسلمين كافة بالقدس أولى القبلتين والمسجد الأقصى والمقدسات الدينية المسيحية منها كنيسة القيامة حيث ولادة السيد المسيح عليه وعلى أمه السيدة مريم سيدة نساء العالمين ألف تحية وسلام.
بيان 30 مارس 1968, لقد أثبت التاريخ الإنساني على مرّ العصور أن صفة القيادة والزعامة لا يكتسبها إلا العمالقة من الجنس البشري وليس الأقزام منهم، الأصفياء الأنقياء المكافحين المدركين لأمانة المسؤولية ومسؤولية الأمانة ورفع مكانة وطنهم وشعبهم وأمتهم، أصحاب الوعي العميق بمصالح أمتهم وقيادتها نحو العزّة والكرامة لا الذلّة والمذلّة، وجمال عبد الناصر الحاضر بأفكاره وإنجازاته وصدقه وإخلاصه وعطاءاته وبقامته لا ينساها من عايشوا حضوره وكفاحه، تآمروا عليه لانفصال سوريا عن مصر فازداد إيمانا بوحدة أمته العربية، تآمروا عليه بنكسة وهزيمة 67/ فواجهها بحرب الاستنزاف وتلتها حرب اكتوبر، وتشرين وكان التخطيط العالي والهام ما تضمنه بيان 30 مارس وهو التالي. قال: لقد كنا بعد النكسة مباشرة على جرف معرض للانهيار في أي وقت، وكان واجبنا أن نتحسس طريقنا الى أرض أصلب تتحمّل وقفتنا وأرض أرحب تتسع تحرّكنا، وموقف الشعب يومي 10/9 حزيران هو التي جعل ذلك قابلا للتحقيق، بتصميمه برفض الهزيمة وإنجاز النصر، هذا الموقف البطولي لشعبنا وحده هو الذي مكّن للتحولات الهامة التي مكّنت بعملنا الابتعاد عن الحافة الخطرة.
الاجراءات الضرورية التي رسمها ونفّذها هي التالية:
١- إعادة بناء القوات المسلحة لمواجهة النكسة وآثارها.
اليقين راسخ لديه، أن الحق بغير القوة ضائع وأمل السلام بغير إمكانية الدفاع عنه استسلام، والمبادئ بغير القدرة على حمايتها أحلام مثالية.
٢- تحقيق مطلب الصمود الاقتصادي بمزيد من التضحيات وقد تجلّى ذلك بموقف عربي أصيل في مؤتمر الخرطوم وقراراته ودعم من دول عربية، وبمساعدة وتضامن أصدقاء للعرب على اتساع العالم كلّه.
٣- تصفية أضرار مراكز القوى.
٤- أن نضع أمام الشعب صورة عن المحاكمات وعن الانحرافات والأخطاء الواقعة ومرتكبيها.
٥- القيام بجهد سياسي واسع على جبهات عربية، ودولية، ومع جبهات القوى المعادية للاستعمار ودول الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والدول الإسلامية، والشعوب الراغبة بالسلام القائم على العدل.
٦- وضع برنامج عمل محدد بهذه الغايات مُدرسة ومتفق عليه ومقرة معا لا تختلف فيه الاجتهادات ولا تتصارع أو تتصادم فيه الأمراء والقوى.
٧- تشكيل وزارة جديدة من صفوة شباب الوطن دون أي اعتبار سوى لعلمه وتجربته وخبرته وملمّا بأصول المواقع التي تسند إليه ومن لم يستطع ذلك يخلي ويفسح المجال للأقدر والأجدر.
- التغيير المطلوب أن يكون فكرا أوضح وحشدا أقوى، وتخطيطا أدق.
- حشد كل قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية على خطوطنا الأمامية بمواجهة العدو.
- وتعبئة كل جماهير الشعب لتحرير الأرض وتحقيق النصر، لن نتخاذل أو نوزع التبعات على الآخرين، فالأرض أرضنا، والحق حقنا والمصير مصيرنا وخيارنا النصر أو الهزيمة، الشرف أو العار، الحياة أو الموت. وخيارنا، النصر والشرف والحياة.
أن الشعب الذي هو أمامنا دوما وأبدا موجّها وقائدا، وغيّر بكفاحه خريطة الشرق الأوسط وأزال سيطرة الامبراطوريات الاستعمارية القديمة والاستعمار الجديد وتحمّل تبعات الوحدة العربية وفجّر عصر الثورة الاجتماعية وبنى أعظم السدود، السد العالي، وقهر الصحراء وأقام قاعدة للصناعة يملك تجاوز الهزيمة وتداعياتها.
اليوم أصبح بإمكاننا أن نتطلّع للمستقبل، فلا صوت يعلو صوت المعركة، ولا نداء أقدس من ندائها وأي تفكير خارج المعركة نتيجته الصفر. وقد تضمن هذا البرنامج مهام عاجلة:
- تثبيت دور قوى الشعب العاملة ديمقراطيا.
- تدعيم بناء الدولة الحديثة بالعلم والتكنولوجيا.
- إقامة مجالس متخصصة، سياسيا، دفاعيا، اقتصاديا، اجتماعيا ومجالس صحة، تعليم، ثقافة، وخدمات وبيئة.
- تدعيم القيم الروحية والأخلاقية والاهتمام بالشباب وتوفير الفرص لهم.
- إطلاق العمل النقابي.
-تلاحم الشعب مع قواه المسلحة والبحث عن البترول ومشتقاته.
الرجل المناسب للمكان المناسب، وتعديلات دستورية.
بالذكرى الـ70 عاما ألف تحية لروح الزعيم القائد جمال عبد الناصر المثل والمثال، لنضالاته وكفاحه والباقي في وجدان أمته وشعبه وكل التهنئة لكل الذين التفوا مع هذه الثورة: القوميون العرب والناصريون.
عبد الناصر ما زال وسيظل موجودا بأفكاره وإنجازاته وإخلاصه لأمته وتجربته الغنية ولن تقوى الأمة العربية إلا بالعودة إلى نهج عبد الناصر القومي العربي الإيماني والإنساني وإسقاط كل الرهانات على أعداء الأمة ووقف التطبيع وتحرير فلسطين والأراضي العربية الأخرى.