بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيلول 2023 11:52م لأي هوية الغلبة في بلد النور المظلم؟

حجم الخط
أنا شيعي بالهوية وشيعيتي موروثة بحكم الأمر الواقع والتقاليد والتاريخ، عن والدي و أجدادي. ولست ضدها ولا ضد من يعتز بها كصفة أو سمة لانتماء ديني ولا أعتبر أنها صفة تخولني بالمطالبة بحق يميزني عن سواي من مواطنيّ في هذا البلد. أما هويتي السياسية التي أفترض أنها تحدد حقوقي المدنية والسياسية كمواطن محكوم بقوانين وضعية فهويتي هي لبنانية بكل بساطة وعلى أساسها أسلك اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وأحمل جوازاً لبنانياً وينظر إلي في الخارج بموجب هذا الجواز على أني مواطن لبناني بصرف النظر عما هو مسجل في سجل النفوس البالي العائد إلى زمن عثماني انتدابي. وبيت القصيد السياسي إن كل من يحتسب حقي الانتخابي ضمن مكاسبه السياسية الشيعية فهو مغتصب لما هو ليس من حقه وهذا يعتبر منخالفاً لشرعة حقوق الإنسان وعن فعل الاغتصاب هذا ما هوم منصوص عنهن في باب الجرائم العتبرة تعدياً على حقوق الإنسان. هذا فضلاً عن هناك عملية تزوير وسرقة أخرى يرتكبها كل من يستثمر في الهويات الطائفية في هذا البلد. عندما يتحدثون عن حصص هذه الطائفة أو تلك فهذا عملية تزوير وسرقة باسم الطائفة لأن الطائفة ليست مؤسسة تجارية وليست جماعة استثمارية لا تجارية ولا صناعية ولا خدماتية ولا هي وظيفة يتوقف عليها حسن سير الإنتاج في المجتمع وللمجتمع.
لقد شاء الإقطاع قديماً في العهد العثماني البائد والمتجدد حديثاً مع الإنتداتب الفرنسي، ووفقاً لمفارقة غريبة عجيبة صنف سكان هذه الارض سايسياً أي كمواطنين حسب معتقداتهم الدينية والمذهبية دونما أن يكون لصاحب الأمر، الفرد أو الجماعة، رأي في خياره العقدي الديني. 
في الدول الحديثة التي ندّعي الإنتماء إليها يصنف الناس حقوقياً كمواطنين يشتركون في الخضوع لقوانين واحدة في الدولة الواحدة. وأما في شؤونهم الدينية المعتقدية وهم أحرار في أن يلتزموا بما تمليه عليهم معتقداتهم الدينية وممارسات طقوسها ويتبعونها في سلوكهم الحياتية فتصبح خياراتهم الدينية جزءاً من ثقافتهم وتنوعاً في النسيج الإجتماعي الثقافي في المجتمع ولا ينشأ عن ذلك واجباً ولا حقاً ملزِمَين تعاقب القوانين العامة كل من لا يلتزم بها. إن قوانيننا الطوائفية فيها تزوير لحقوقنا كمواطنين ولهويتنا القانونية ومخالفة لشرعة حقوق الإنسان وبالتالي تؤبد السيطرة الإقطاعية أكانت اقتصادية أم سياسية أم دينية وتمد بعمر تحكم هؤلاء الإقطاعيين برقاب الأفراد والجماعات، ما يعيق بالتالي عملية التقدم على جميع المستويات وخصوصاً في إطار عملية إنتاج مجتمع موحّد - والوحدة هنا لا تنفي التنوع داخلها.

سوف لن أكون سعيداً أن أحتسبت مع أو ضد أي مسألة تتعتلق بالحقوق المدنية و أو الوطنية أو الإجتماعية أو الإقتصادية أو الجهوية ببناءً على تلك الهوية الملصقة بي عنوة بموجب دستور متخلف عن العصر لا يزال يعمل به ويحاسب المرء على أساسه. كما وأني لن أكون سعيداً أن أحتسب رقماً من بين ألاف الأرقام المحتسبين موالين بالجملة لهذا الحزب أو لهذه الحركة التي تشهر هويتها هوية طائفية أو المعارضين لها، فيتم بهذه الطريقة وبناء على هذه الهوية مصادرة واحتكار حق كل من يحمل التذكرة نفسها في التعبير بحرية عن خياره السياسي واصطفافه أكان في الموالاة أم في المعارضة. ما يجيز للمحتكرين والمغتصبين لهذا الحق ممارسة مختلف أنواع الإرهاب والتهديد حتى بالقتل ضد كل من لا يتطابق خياره مع الموقف السائد والمعلن عنوة في البيئة الطاغية باسم الطائفة أو المذهب. كما أن احتكار أي قضية كبيرة أو صغيرة باسم الطائفة أو المذهب أو ديانة ما أيضاً هو انتحال صفة واغتصاب لحق الآخر في القضية نفسها. وفي المقابل إن لصق صفة خيانة الطائفة أو الارتداد عنها، بذريعة الخروج عن الإجماع المنشود من قبل المحتكرين هو اعتداء صارخ على حق أساس من حقوق الإنسان والحقوق السياسية الديمقراطية. ويعتبر التخوين وإلصاق صفة الارتداد وتهمة الخروج عن إجماع الطائفة المزعوم اعتداءً وسلباً لحق المواطن المقدس في الإصطفاف إلى جانب أي جهة سياسية، بقطع النظر عن هويتها الدينية وهويته الدينية هو ايضاً. إن تحصين مناطق وأحياء على مساحة أرض الوطن استناداً إلى معايير الإنتماء الطائفي وحظرها على أي مواطن من قبل أي جهة، وممارسة أعمال الرقابة والتفتشي ونصب الحواجز المعيقة للتنقل من منطقة إلى أخرى يعتبر أيضاً عملاً فيه مساس بحرية تحرك المواطن على كامل مساحة الوطن.

في ظل ما أوردناه أعلاه من حقوق هي من أساسيات  وجود الكيانات السياسية السليمة. و في ظل ما تتعرض له تلك الحقوق من تجاوزات وضرب نجيز لأنفسنا التساؤل حول ما إذ كنا لا نزال نعيش كمواطنين في مجتمع ودولة سليمين قابلين للتعافي والنهوض مجدداً؟