بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 آذار 2024 12:00ص العشر الأواخر من رمضان.. أيام مباركة وفيها خير الليالي

حجم الخط
الشيخ الدكتور أسامة حداد*

الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صدق الله تعالى حين أخبرنا عن شهر رمضان أنه {أَيَّاما ‌مَّعدُودَات} تنقضي سريعاً، وتغادرنا كلمح البصر، ولن تعود إلّا بعد عام كامل، لا ندري ما الله صانع فيه، وعلى مَن تعود، أطال الله في أعمارنا على طاعته.
لقد بدأت العشر وبدأ السباق، إنها ليالي العابدين، وملتقى الخاشعين.
فيها يحلو الدعاء، ويكثر الصفاء..
إنها ليالٍ معدودة وساعات محدودة، فيا خسارة من لم يضع جبهته ساجداً للّه فيها!
ويا نَدَمَ مَن لم يَذُقْ لذةَ المناجاة فيها!
ويا فوز من يبادر الدقائق فيها؛ ويا هنيئاً لمن اغتنم الأنفاس فيها...
وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها عتق من النار، ولذلك كان يضاعف عبادته فيها، ويتقرب إلى ربه بأنواع الطاعات، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر: «كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشدَّ مئزره». 
وكان في ليالي العشر يغتسل كل ليلة من لياليها بين المغرب والعشاء، أدباً مع تلك الليالي المباركة، واستعداداً لملاقاة الملائكة والروح جبريل عليه السلام فيها.
وكان صلى الله عليه وسلم يحثّ أهله على الاجتهاد والإكثار من العبادة فيها، فقد ورد أنه كان يوقظ ابنته السيدة فاطمة الزهراء وزوجها سيدنا علياً رضي الله عنهما، ويقول لهما: «ألا تقومان فتصلّيان»، كما كان يوقظ زوجته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر.
ومن هذا يؤخذ استحباب إيقاظ أحد الزوجين للآخر، والحرص على ذلك، ويتأكد في مثل هذه الأيام المباركة، فإن فيه إعانة على الطاعة.
كان عمر رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل، أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية الكريمة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}.
ليالٍ فيها ليلة القدر
وفي العشر الأواخر يتحرّى المسلمون ليلة القدر راجين عطاء الله فيها. قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.
ومعناها أن ثواب قيام ليلة القدر أفضل من الجهاد والتطوع ألف شهر أي بما يقارب 83 عاماً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ».
وينبغي لكل مسلم أن يستثمر هذه الليالي الفاضلة، بكل لحظاتها، ولا يضيّع شيئا من أوقاتها، بل يستغلّ كل لحظة فيها، بكل عمل صالح يقرّبه من خالقه، ينتقل من عبادة إلى أخرى، ومن طاعة إلى مثلها، فهو إما يتلو آيات ربه، يتأمل في معانيها، وإما أن يشغل نفسه بالركوع والسجود، والقيام بين يدي الحيّ المعبود، وإما يخفف عن المساكين والمحتاجين ما يجدونه من الضيق وقلّة ذات اليد، فيعينهم ويصلهم بشيء يرجو ثوابه من الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ - يعني مسجدَ المدينةِ المنورة - شهراً».
أحبابي القرّاء،
إن المتأمّل في هذه الحياة يرى سرعة انقضاء الزمن، وعجلة مضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان ونحن اليوم نودّعه..
ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلّا {أَيَّاما ‌مَّعدُودَات} مرّت بسرعة البرق الخاطف، وهذه هي حال الدنيا، فاجعلوا في انقضاء شهركم عبرةً تذكركم بانقضاء عمركم، وهذا يدعونا الى اغتنام الأنفاس في العبادة والطاعة رجاء رضوان الله تعالى، والإكثار من الدعاء أن يرفع الله عنا البلاء وتسلّط الأعداء، وأن يفرّج عن أهلنا في فلسطين وجنوب لبنان، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.
وأخيراً..
ما نفع الصيام والقيام إن لم يهذّبا الأخلاق ويعلّما الرحمة والبر والإحسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ.
اللهم اجعلنا ممن صام فاتقى وقام فارتقى.. اللهم بلّغنا ليلة القدر وأكرمنا ببركاتها، واجعلنا من أسعد السعداء، وأتم علينا النعمة والهناء، والصحة والشفاء، وارفع البلاء، واصرف عنا الوباء وتسلّط الأعداء، برحمتك يا أرحم الراحمين.

* المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى