بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 آذار 2019 12:02ص حقوق الطفل في الإسلام مكفولة...

مزوَّق: المجتمع بأسرِهِ مُطَالَب لحماية الأطفال مما نراه

حجم الخط
 
اعتنى الإسلام بالطِّفْل من قبْل وجود الطفل، فهيَّأ له أسرة طيِّبة تتكوَّن من والدٍ تقي ووالدة صالحة، فحثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزَّوجة وأهلَها بقوله: (إذَا خَطَبَ إلَيْكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فزَوِّجُوه)؛ رواه الإمام الترمذي في السنن، بل وحثَّ الزَّوج بقوله صلى الله عليه وسلم (فاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك).
كل ذلك من أجل تنشئة الطفل بين أبويْن كريمين يطبِّقان شرع الله، ويرْسمان الطَّريق السويَّة لحياة الأبناء، فأوَّل حقٍّ للطِّفل أن يوفِّق الله أبويْه لحسن اختيار أحدِهِما للآخر، فإذا تمَّ الاختِيار توجَّه الأبوان الصَّالِحان بالدُّعاء في خشوع وإنابة إلى وليِّ الصَّالحين: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، فإذا تكوَّن الطفل في الرحم أعدَّ الله له فائقَ الرِّعاية والعناية، وحرَّم الاعتِداء عليه؛ يقول الله جلَّ جلالُه: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}، وأجاز لأمِّه أن تفطر في رمضان؛ رحمةً بها وتمكينًا له من أحسن ظروف النُّمو وتمام الخلق، فإذا حلَّ الطِّفْل بأرض الحياة جعله الله بهجةً وزينة في قلوب من حوله؛ يقول الله {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
ومن أبرز حق الطفل في الإسلام أن يرضع من حليب أمِّه؛ لقول الله {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، وقد ثبتتْ قيمة هذه الرَّضاعة وأثرُها على الطفل صحِّيًّا ونفسيًّا؛ وبذلك استحقَّت الأم أولويَّة حسن المصاحبة؛ كما جاء في الحديث النبوي الوارد في الصَّحيحَين: أنَّ رَجُلا جاء إلى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقَال: يا رَسُولَ اللَّه، منْ أحَقُّ النَّاس بحُسْنِ صَحابتِي؟ قالَ: (أُمُّك) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ) قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: (ثُمَّ أُمُّكَ) قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قال: (ثُمَّ أبُوك) فحقَّ لها هذا التَّكريم النبوي؛ فهي التي حملت، وهي التي ولدت، وهي الَّتي أرضعت.
ومن حقوق الطفل أيضا في دينِنا ملاعبته وملاطفته؛ فقد قبَّل رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالساً، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قال: (مَن لا يَرحم لا يُرحم).
فتلك هي بعض حقوق الأطفال في دين الإسلام، وهم أمانة نتحمَّل جميعاً مسؤوليَّة رعايتهم وحسن تربيتِهم، والبلوغ بهم إلى سنِّ رشدهم؛ ليكونوا خيرَ خلفٍ لخيرِ سلف.
حول هذا الموضوع التقينا برئيس دائرة الفتاوى في دار الفتوى الشيخ وسيم مزوق فكان هذا الحوار:

{ ما هي حقوق الطفل في الإسلام؟
- يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {ولقد كرمنا بني آدم} هذا التكريم الرباني لبني آدم يبدأ منذ اللحظة الأولى التي يتكوّن بها الجنين في رحم أمه، فالإسلام جعل للطفل حقوقاً منذ بدء خلقته حيث حرّم الاجهاض للجنين لأنه كائن حي له حرمته في الإسلام، فلا يجوز الاعتداء عليه ويجب على الأم أن تهتم بصحتها وغذائها وشرابها وأن تذهب إلى الطبيب للمعاينة من أجل الحفاظ على حياة الجنين في مراحل حياته، وإذا قامت الأم بالاعتداء على الجنين بإجهاضه لا قدر الله فهي قاتلة قصّرت بحفظ هذه الأمانة وعليها «العزة» أي «دية» خمس من الابل وكفارة صيام شهرين متتابعين وكذلك يحرم على الزوج أو الأب أن يطلب من زوجته أن تجهض الولد لان ذلك يعتبر جريمة في الشرع وحتى في القانون، كل هذه الاضاءات لنبيّن ان للطفل حقوقاً في شريعتا وهو في رحم أمه، فاذا خرج إلى الدنيا أول ما نقوم به على وجه الاستحباب ونؤذّن بأذنه اليمنى ونقيم الصلاة في أذنه اليسرى ليكون أول ما يسمع ذكر الله سبحانه وتعالى، الذي ضمن له في الشريعة الإسلامية حقوقاً كثيرة، قال تعالى: {وللمولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، فيجب على الأب أن ينفق على ابنه من طعام، حليب، وشراب وطبابة، وكسوة واجرة المرضع وهو مأجور على ذلك عند الله تعالى بأنه يطبق المنهج النبوي في رعاية الطفل وأيضاً من حقوق الطفل على والده أن يحسن اختيار أمه وأن يحسن تربيته لتعليمه الكتاب أي القرآن.
جاء رجل عند سيدنا عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين لقد عقني ابني. فطلبه سيدنا عمر للغلام فأتى، فقال هذا الغلام: يا أمير المؤمنين أليس لي حقوق على والدي؟ قال بلى. قال: وما هي؟ قال: ان يحسن اختيار أمك وأن يحسن تسميتك وأن يعلمك الكتاب أي القرآن، فقال الغلام: والله يا أمير المؤمنين لم يأتِ والدي بشيء من ذلك، أما أمي فهي مجوسية، وأما اسمي «جفلى» اسم حشرة، وأما الكتاب فلم يعلمني حرفاً من القرآن، فقال سيدنا عمر: لقد عققت ابنك قبل أن يعقك.
تعنيف الأطفال
{ ظاهرة تعنيف الأطفال منتشرة بشكل كبير في مجتمعنا ما رأيك في ذلك؟
- حقوق الطفل في الإسلام عظيمة لا يحق للأب أو للأم أن يؤذيا أطفالهما ولا أن يعنّفاهما حتى لو كان ذلك من أجل التأديب فنحن نريد أن نؤدّبهم لا نريد أن نعذبهم، وقد نهانا الإسلام عن الإيذاء وعن الضرب وعن التعنيف، فديننا دين الرحمة والمحبة والسماحة عندما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: امرهم بالصلاة وهم أبناء السبع واضربهم عليها وهم أبناء عشر، قال العلماء هذا الضرب مشروط أن يكون غير مبرح وغير مؤذٍ وأن لا يكون مكان الوجه أي الذي يؤدي الى إيذائه إذاء شديداً قد يقتله، وأن يرجى من هذا الضرب الزجر وإلا لا نضربه ونستخدم أساليب أخرى وما أكثرها في زماننا كأن نحرمه من أشياء يحبها كالهاتف و«الايباد»، أو نمنعه من نشاط رياضي ربما يحبه وأساليب أخرى ذكرها علماء التربية، فنحن في الإسلام نريد أن نربّي أبناءنا على حب دين الله وعلى حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى التفاعل في المجتمع مع الآخر ضمن الضوابط الشرعية، فإذا عنّفناه منذ صغره وكبتناه سيصبح هذا الطفل فيما بعد معقداً نفسياً، وهنا لا بد ان نشير أيضاً إلى أمر مهم يتعلق بإعطاء أطفالنا الحرية في اللعب هذا من حقوقهم علينا، ولو لوّث ثيابه حتى لو كانت هذه الثياب جديدة، فهذا الطفل يريد أن يفرح وأن يخرج الطاقة التي لديه فإذا زجرناه دائماً وقلنا له اقعد لا تلعب ولا تتحرك ولا تتنقل من هنا، إلى هنا فهذا الولد سوف يصبح محطماً نفسياً ويكون قد اعتدينا على حقوقه وليس معنى ذلك ان لا نعلم أولادنا الأدب والفضيلة واحترام الآخر وعدم الأذية ولكن علينا أن نوفّق بين التنفيس عن الاطفال بإعطائهم فسحة من اللعب والتفريغ لما في أنفسهم من طاقات عملية وقولية لان البعض يمنع أبناءه حتى من الكلام إذا أراد هذا الطفل أن يتكلم يقابله بعض الأهل بكلمة اصمت.. اسكت لا يحق لك بالكلام وما زلت صغيراً، فهذا من الاخطاء في التربية، فمن حقوق الطفل علينا أن يتكلم ويصحح كلامه إذا أخطأ.
علينا أن نصادق أبناءنا وأن نفرّغ الوقت لهم هذا من حقوقنا علينا لأن بعض الآباء والأمهات يجلسون على الهواتف أكثر من الجلوس مع الأولاد والأبناء، بالله عليكم مع من يتكلمون، ومع من يلعبون، أيها الأب عندما تخرج في نزهة مع أطفالك ألعب معهم، سابقهم، اركب الدراجة الهوائية معهم، هذا من حق الطفل عليك واترك الهاتف وألعب معه، كم من ولد ينظر إلى أبيه ويتمنى لو كان هاتفاً.
مسؤولية كبيرة
{ ما هي برأيك الأسباب التي تدفع الأهل إلى تعنيف أطفالهم؟ ومن المسؤول؟
- علينا أن نذكر أسباب التعنيف للأطفال أو الانتقاص من حقوقهم لنعالجها ولنحصّل حقوق أطفالنا فكم نبكي ونحزن عندما نرى أطفالاً في الطرقات يعملون أو يتسوّلون، ولم يأخذوا حقهم بالتعليم ويتم استغلالهم ومنهم من يعتدي عليه اما بالاغتصاب ومنهم من يتم خطفه وتسرق كليته، من المسؤول عن ذلك؟! لاننا سنقف بين يدي الله عز وجل ونُسأل، قال تعالى: {واقفوهم انهم مسؤولون}.
أولاً: الأهل عليهم المسؤولية الكبرى حيث فرّطوا بأبنائهم ولم يهتموا بهم ولم يرسلوهم إلى المدارس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».
ثانياً: الدولة خاصة الوزارة التي تتعلق بالأمور الاجتماعية حيث يجب عليها أن تقوم بإحتضان هؤلاء ومساعدتهم تعليمياً ونفسياً وتربوياً.
ثالثاً: العلماء من خلال الخطب والدروس والمحاضرات والندوات التي تركز على التوعية بالنسبة لحقوق الأطفال وتبيّن الثواب من تنشئة الأطفال تنشئة صالحة وان العقاب كل العقاب في التقصير في أمور تربيتهم.
رابعاً: الإعلام، لأننا ما نشاهده اليوم مدى قوة تأثير الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تفاعل الناس وفي تحريك مشاعرهم وعاطفتهم وما يشكّل أي الإعلام من الضغط الإيجابي على الأهل وعلى الدولة وعلى الوزارات المعنية.
كلمة للمجتمع
{ كلمتك الأخيرة للأهل وللأطفال؟
- بالختام أقول للأهل تذكّروا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث..» وذكر من هؤلاء الثلاث ولد صالح يدعو له، فهل نهتم بتربية أبنائنا وأطفالنا تربية صالحة ليكونوا صدقة جارية لنا.
وأما الأطفال والأبناء فنقول لكم في الإسلام لا يوجد لكم يوم واحد بل في كل مراحل حياتكم لكم العناية والرعاية والوقاية.
هذا ديننا ولله الحمد حيث أعطى كل ذي حق حقه.